رائد الاشتراكية المصرية ومن أول المروّجين لأفكارها، تتلمذ على يديه نجيب محفوظ الذى يؤثر عنه قوله له "عندك موهبة كبيرة، ولكن مقالاتك سيئة" الأمر الذى دفع نجيب محفوظ إلى العناية فى انتقاء مواضيعه، حديثا عن الكاتب والأديب الكبير سلامة موسى التى يمر علينا اليوم ذكرى رحيله الخامسة والستون. قال نجيب محفوظ عن سلامة موسى: "كان سلامة موسى الراعى والمربى الأدبى لى"، ويضيف أيضا: "سلامة موسى كان الوحيد الذى قبل أن يقرأ رواياتى الأولى وكان أحد العوامل الكبرى التى ساعدتنى فى حسم اختيارى الأدبى". ويعتبر سلامة موسى: "أكبر مبشر فى جيلنا بالعدالة الاجتماعية وبالعلم وبالرؤية العصرية"، هذه مقتطفات من شهادة الروائى العظيم نجيب محفوظ صاحب نوبل فى الآداب عن أثر سلامة موسى فى تكوينه الأدبى والثقافى، وقد جاءت باستفاضة فى كتاب "نجيب محفوظ بقلمه" (كتاب اليوم – إبراهيم عبد العزيز)، وهى شهادة قلما التفت إليها النقاد والمفكرون، يقول محفوظ فى شهادته بنص كلماته: "كنت أمضى العام كله وأنا أكتب رواية واحدة ثم آخذها تحت إبطى فى آخر العام وأركب الترام إلى الفجالة، ادخل حارة ميخائيل جاد وادق باب أحد البيوت فيخرج لى سلامة موسى، ويأخذ منى الرواية وأسبوع يمر وأروح لسلامة موسى البيت فأفاجأ به يقول لى: مش بطال لكن حاول مرة تانية وكان الأديب الوحيد الذى قبل أن يقرأ رواياتى الأولى وهى مخطوطة بل كان هو أحد العوامل الكبرى التى ساعدتنى فى حسم اختيارى الأدبى، واذكر أنه قال لى: إن أغلب الذين يكتبون القصة فى مصر من المتأثرين بالغرب فكيف يمكن كتابة رواية مصرية لحما ودما؟ كم هى جميلة تلك اللحظات التى اتذكر فيها بداية علاقتى به، حين صدرت المجلة الجديدة وكنت أول قارئ اشترك فيها فارسل لى سلامة موسى خطابا يشكرنى ويقول فيه: اعتبرك من أصدقاء المجلة. وكنت أرسل إليه مقالات فى الاجتماع والفلسفة وغالبا ما كان ينشرها لى، عشر سنوات كاملة بين 1929 و1939 كان سلامة موسى هو الراعى والمربى الأدبى لى. نشر لى وأنا فى الثانوى، ثم فى الجامعة عشرات المقالات وكتابا مترجما. كان من النادر أن تجد رجلا مثله يكتشف الموهبة ويواكب نموها بالرعاية الكاملة حتى تصل ومن النادر كذلك أن تجد مثل الأخلاق الرفيعة التى كان عليها، باع كل ما يملك من أجل الرسالة التى نذر نفسه لها وقد كتب عن ثلاثية بين القصرين قبل وفاته عام 1958 بعدة أشهر. نعم كان لسلامة موسى أثر قوى فى تفكيرى فقد وجهنى إلى شيئين مهمين هما العلم والاشتراكية ومنذ دخلا مخى لم يخرجا منها إلى الآن. كان سلامة موسى أكبر مبشر فى جيلنا بالعدالة الاجتماعية وبالعلم وبالرؤية العصرية، وبقدر تطرفه فى الدعوى للعلم والصناعة وحرية المرأة كان فى الجانب السياسى معتدلا فلم يجنح إلى الديكتاتورية وكان لسنا صادقا للفابية الإنجليزية لذلك اعتبره الأب الروحى للاشتراكية والديمقراطية وكان سلامة موسى واحدا من مفكرينا القلائل الذين ثبتوا على مبادئ واحدة من المهد إلى اللحد ويقف وراء أفكارى السياسية والاجتماعية". ومن جانبه يؤكد د. نصار عبد الله أستاذ الفلسفة بآداب سوهاج أن سلامة موسى ظهر فى فترة كان التنوير احد معالمها فبعد ثورة 1919 كانت هناك موجة تنويرية عارمة وكان سلامة موسى أحد أبرز رموزها مع شبلى شميل وإسماعيل أدهم الذى كان تنويريا متفردا وله كتاب فى منتهى الجراة هو "لماذا أنا ملحد؟" كانت الفترة التاريخية تسمح بنشر مثل هذه الكتب دون أن يتعرض المؤلف لردود فعل عنيفة، وأقصى رد فعل وقتها أن يكتب مؤلفا كتابا للرد مثلما فعل إسماعيل مظهر عندما رد بكتاب "لماذا أنا مؤمن؟". أبرز ما يميز سلامة موسى أنه مروج للفكر العلمى وكان يرفض التفسير الغيبى والخرافى وأصدر مجلة تكرس لهذا التوجه العلمى فى التفكير وكان هذا حصاد رحلته لفرنسا وبريطانيا للدراسة ولقائه برواد الفكر الفابى "الاشتراكيين الفابيين" الذين أثروا عليه فازداد إيمانه بقيمة العدل فى المجتمع واهمية التفكير العلمى وعندما عاد إلى مصر اصدر صحيفة "الاشتراكية" وأهم إنجازاته أنه دعا إلى تطوير اللغة وإلى اعتماد العامية كلغة للعلم والثقافة لكن هوجمت دعوته هجوما شديدا، ودعا إلى الارتباط بالهوية الفرعونية لمصر. وفى كتابه سوبر مان دعا إلى ربط مصر بأوروبا تماما ولم يكن كغيره من المثقفين الذين اتخذوا موقفا وسطا ينسج بين العروبة والمعاصرة إنما كان من أنصار إيجاد نوع من القطيعة بين مصر والثقافة العربية. ويحمد له أنه ترجم أصل الأنواع لداروين وكان يتبنى النظرية الداروينية وتصادم مع بعض التفسيرات الدينية وقتها فهاجمه بعض مشايخ عصره، لكنه ظل مصرا على موقفه ومن المحزن أن الأمر تكرر فى عندما ذهب أيضا بعض المشايخ لفتحى سرور عندما كان وزيرا للتعليم العالى فى الثمانينات واعترضوا على تدريس نظرية التطور فى المدارس فرد: ليس معقولا أنا سأقطعها بيدى، هذا الموقف يشرح لنا كيف تطور المناخ الفكرى والثقافى من حقبة منفتحة إلى حقبة لا تسمح بأى حد مشروع للتفكير العلمى فسلامة موسى كان حصاد مرحلة مستنيرة فى التاريخ المصرى ولوكان موجودا بيننا فى السنوات الأخيرة ربما أهدر دمه، فنجيب محفوظ تعرض للاغتيال لأسباب أقل بكثير من الأفكار الجريئة لموسى، وكذلك فرج فوده، وغيرهم لأننا عشنا زمنا كانت فيه مجرد الدعوة لأعمال العقل مبررا للقتل. ويرى المفكر محمد حافظ دياب أن سلامة موسى ظهر فى مطلع القرن الماضى بين قوى فكرية متعددة عرفتها مصر فى تلك الفترة كالقوى السلفية المتمثلة فى محمد عبده وجمال الدين الافغانى وعبد الرحمن الكواكبى، والتى لم تكن سلفية بالمعنى الذى نعيشه هذه الأيام لكن بمعنى محاولة تطعيم التجربة العربية الإسلامية بكل مكتسبات الغرب، والقوة الثانية هى القوى الوطنية بزعامة أحمد لطفى السيد والتى كانت تدعو إلى القومية المصرية آنذاك ضد التتريك والعثمانلية وكانت تعول على الصيغة الوطنية المصرية، أما القوة الثالثة التى شارك فيها سلامة موسى فكانت تلك التى دعا إليها الحزب الاشتراكى. وأوضح دياب أنه لو نظرنا لفكر سلامة موسى سنجده متحمسا تحمسا مبالغا فيه لنموذج النهضة الغربية ومبادئها وقيمها وهوما يتضح فى دعوته إلى الكتابة بالحروف اللاتينية ونزعته الفرعونية وفكره العلمانى وتقسيمه الواضح بين الشرق والغرب باعتباره للشرق مجتمع الزراعة والأدب والغرب موطن العلم والصناعة وهنا يجوز القول أنه تأثر بروافد ثلاثة أثرت على أفكاره وهى الرافد العلمى المتمثل فى الداروينة التى آمن بها والرافد الأدبى فقد اتسق مع رواد عصر التنوير وأفكارهم والرافد السياسى وكان فى هذا الرافد قريب من دعوة أحمد لطفى السيد رئيس تحرير جريدة "الجريدة" إلى القومية المصرية. ويمكن النظر للدور الكبير الذى لعبه سلامة موسى فى مطلع القرن الماضى كجزء من الدور الأكبر الذى لعبه أقباط مصر فى القضية الوطنية، وأن مشاركتهم فى حركة النضال المصرية كانت دائما مشاركة وطنية وليست فئوية أودينية. يضيف دياب أن ما يؤخذ على سلامة موسى هو أنه لم يقرأ التراث العربى والإسلامى ورفض الماضى تماما ربما لأنه كان يرى أن القضية تمس المستقبل وليس الماضى، وكان له فى ذلك رأيا وجيها يقول إننا لو انغمرنا فى حوار التراث سننشغل عن المستقبل، ويحسب له أنه قدم لنا فرضية أثبت التاريخ صحتها وهى أن الغرب ليس واحدا إنما فيه أطياف كثيرة وهو ما نبه إليه بامتياز فى أعماله.