لا يمكن أن يكابر مصرى فى أن السلمية التى عبر بها الشعب المصرى عن ثورته تجاه أفسد وأظلم نظام عرفته مصر فى تاريخها الحديث لا تزال هى أهم ما نعتز به أمام العالم كله، وهى بكل تأكيد أهم ما صدرناه للعالم خلال القرنين الأخيرين حتى رأينا نموذج ميدان التحرير والتقاليد الثورية التى ابتكرها شعب مصر خلال أيام الثورة وهى تقلد فى الكثير من ميادين العالم، وكأنهم لم يجدوا سوى تقاليد الثورة المصرية السلمية كى يعملوا بها فى مواجهة ما يرونه ظلما واستبدادا!! حتى أن الإسرائيليين الذين يحملون حساسية خاصة تجاه مصر والمصريين لم يسعهم إلا أن يقلدوا المصريين فى احتجاجاتهم، وهكذا لا يمكن تصور انتشار قيم وتقاليد الثورة المصرية السلمية إلا أنه انتصار للإنسانية فى عصر ظلم فيه الإنسان كثيرا تحت راية حقوق الانسان.. كما أنه دليل على المخزون الوافر من القيم الإنسانية التى يحملها هذا الشعب للعالم وما يمكن أن يقدمه للإنسانية، وهذا فى الحقيقة من أهم المبشرات التى أعود إليها فيما بينى وبين نفسى كلما أحسست بضخامة المؤامرات التى تواجه ثورتنا أو التى تنتظرها على الطريق. لقد أصبحت السلمية هى بكل تأكيد أهم معالم وملامح الثورة المصرية وأصبح التمسك بها هو أهم أداة لاستمرار القدرة على الحفاظ على هذه الثورة وحمايتها.. بل لقد أصبح التخلى عن السلمية تخليا حقيقيا وليس مجازيا عن الثورة، فلا يمكن لأحد أن يستطيع أن يقنع الشعب المصرى بالوقوف معه لاستكمال الثورة أو حتى إنجاز ثورة ثانية، وهو يحمل فى يده اليمنى خرطوشا وفى يده اليسرى ملوتوفا!! وإذا لم تستطع أن تجذب الشعب معك إلى الميدان فأنت بكل تأكيد لن تغير شيئا فى مصر ولن تصلح شيئا على أرضها لأن هذا الشعب بكل صراحة لن يتخلى عن أهم إنجاز أنجزه فى عصره الحديث ولن يقامر بأهم سلعة صدرها للعالم قاطبة. ومن الناحية العملية فقد ثبت خلال الشهور الماضية أن اللجوء للعنف كان سببا فى انصراف الناس عن الحركات التى تدعو إليه بل عن النزول للشارع بالكلية وهو ما رأيناه منذ ديسمبر الماضى وحتى مليونية 17 مايو. ولا يمكن لصادق مخلص متابع للشأن العام فى بلادنا وتطورات حركة الشارع فى الشهور الأخيرة إلا أن يجد أن فلول النظام السابق هم المنظم الرئيسى والممول الحقيقى للعنف وأن ذلك بقدر ما يعبر عن يأسهم فإنه يعبر أيضاً عن مراهنتهم على التغيير من خلال الفوضى التى ستسقط النظام الحالى وتسقط معه الثورة ويومها ستكون لهم أدواتهم الخاصة فى السيطرة على الأوضاع مرة أخرى سواء كانت هذه الأدوات معبأة فى مخازن وسراديب الدولة العميقة أم على الأساطيل وحاملات الطائرات الأمريكية أم فى الأدوات الأكثر مكرا ودهاء التى يتمتع بها حليفهم المهم نتنياهو. والحقيقة التى يجب أن تكون حاضرة عند كل من يخطط للتغيير فى مصر هى أن الشعب المصرى دائما ما يبنى على ما سبق ولا يبدأ كل يوم من الصفر كما تحاول بعض الحركات النخبوية أن تقنعه ولهذا يجب أن يكون معلوما أن أهم ما فجر غضب الشعب المصرى وأدى إلى ثورة يناير 2011 م كان هو تزوير انتخابات 2010 م وأن أهم وأنزه انتخابات شهدتها مصر على طول تاريخها كانت هى الانتخابات النيابية والرئاسية الأخيرة لهذا لا يمكن لأحد أن يقنع أحدا بأهمية أن ننقلب على ما اخترناه بأنفسنا ولمدة محددة هى أربع سنوات، كما لا يمكن لأى إنسان أن يكون مقنعا لنا وهو يترك أهم إنجاز أنجزناه على طول تاريخنا، وقد أنجزناه بالدماء والشهداء وهو التعبير عن الإرادة عن طريق الانتخاب ويقول لنا إنه قد ابتكر ما هو أحدث وأسرع وأكفأ وهو المولوتوف والخرطوش!!