أظهر تقرير صدر أمس بعنوان "تحويل الاقتصاديات العربية: المضى قدما على طريق المعرفة والابتكار" كيف يمكن أن يساعد الاقتصاد القائم على الابتكار والمعرفة على تحقيق نمو اقتصادى أقوى وتحفيز القدرة التنافسية، وأكد التقرير أنه يمكن أن "اقتصاد المعرفة" يوفر 1.5 مليون وظيفة فى مصر و700 ألف فى السعودية و300 ألف فى تونس. أكد التقرير- المنشور بموقع البنك الدولى- الذى أعده البنك الدولى بالتعاون مع مركز التكامل المتوسطى وبنك الاستثمار الأوروبى والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) التى دشنته فى الرباط، أن زيادة الاستثمار فى نموذج الاقتصاد المعرفى سيكون مطلوبا لمواجهة التحدى الذى يواجه بلدان المنطقة كلها، وهو توفير فرص العمل. وقالت إنجر أندرسن، نائبة رئيس البنك الدولى للشرق الأوسط وشمال أفريقيا: "نأمل أن يساعد هذا التقرير بلدان العالم العربى على تخيل نوع جديد من استراتيجيات التنمية يتصدرها النموذج المستند إلى المعرفة والابتكار، ويستعرض التقرير كيف يمكن أن يساعد هذا النهج البلدان العربية على تنويع اقتصادها وعلى الابتكار، وإقامة مشاريع جديدة وتهيئة مزيد من الوظائف". وأشار التقرير الجديد إلى أن نطاق التغير سيتوقف فى جانب كبير منه على مدى تمكن اقتصاد المعرفة من ترسيخ أقدامه فى مختلف أنحاء المنطقة. ويتطلب خلق الوظائف زيادة الاستثمار فى القطاعات المتصلة بالمعرفة، والتأكيد مجددا على كيفية تنمية الاقتصاد التنافسى والمنتج والمستدام. وقال ماتس كارلسون، مدير مركز التكامل المتوسطى "إذا كانت بلدان صغيرة كفنلندا وسنغافورة، أو متوسطة الحجم كماليزيا وكوريا الجنوبية أو كبيرة كالبرازيل والصين والهند، قادرة على الاستفادة من قوة التغيرات التقنية، فإن البلدان العربية يمكنها أيضا أن تفعل الشيء نفسه، لكن من الضرورى التحلى بالصبر والعزيمة، لأن ثمار الاستثمار فى المعرفة ربما لا تبدأ فى الظهور قبل سنوات". وحققت الكثير من البلدان العربية تقدما خلال العقد الماضى من حيث زيادة الحصول على التعليم والمعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، ومن ثم إحداث تحسن تدريجى فى بيئة المؤسسات من أجل نمو تقوده قاطرة القطاع الخاص. وقامت المغرب وتونس بمساندة الابتكار، من خلال إنشاء مجمعات التكنولوجيا والمناطق الصناعية التى جذبت الاستثمار الأجنبى المباشر، وساعدت فى تقدم الصناعات التحويلية. وبدأ الأردن جهودا كبيرة لتحويل النظام التعليمى فى مراحل الطفولة المبكرة والتعليم الأساسى والثانوى ليكون قادرا على تخريج طلاب يملكون المهارات اللازمة لاقتصاد المعرفة. وأطلقت المملكة العربية السعودية طائفة من الإصلاحات فى قطاع التعليم، واستثمرت فى إنشاء جامعات جديدة من أجل دعم التعليم الفنى والتكنولوجى بشكل خاص، بحسب التقرير. ووصف التقرير كيف أن الانخراط فى نموذج لاقتصاد المعرفة يتضمن تنفيذ عدد من الإصلاحات الرئيسية فى مختلف القطاعات التى يمكن أن تخلق بيئة محفزة على الابتكار والنمو. وقد يتطلب ذلك تبنى مزيج من السياسات التى تشمل تطوير اقتصاد أكثر انفتاحا وتشجيعا للعمل الحر، وإعداد أيد عاملة أكثر مهارة، وتحسين القدرة على الابتكار والبحث، وتوسيع نطاق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتطبيقاتها. ويشكل نقل المعرفة لبنة أخرى من اللبنات المهمة فى بناء نموذج لاقتصاد المعرفة، وعنصرا أساسيا فى تنظيم وخلق ونشر المعرفة، وخاصة من خلال الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتجارة الدولية فى السلع والخدمات. ويدفع التقرير بأن إدارة المعرفة هى محرك مهم لزيادة الإنتاجية التى تؤدى بدورها إلى نمو اقتصادى أكبر وأكثر استدامة. كما تظهر الدراسة أن التكامل الإقليمى يمكن أن يشكل إضافة إيجابية لصياغة نموذج إنمائى أقوى لاقتصاد المعرفة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ما يساعد على توسيع نطاق التجارة وإيجاد أسواق عمل أكثر كفاءة، على حد ذكر تقرير البنك الدولى. هذا إلى جانب الإصلاحات الهيكلية، يوصى التقرير حكومات المنطقة بتوفير الظروف المواتية لتطوير قطاعات ومواقع واعدة بعينها يمكن أن تولد المزيد من الوظائف والأنشطة. ومن شأن إنشاء "مناطق نمو" ديناميكية أن يساعد على بث الثقة فى النموذج الاقتصادى الجديد، ومن ثم فى جذب الاستثمارات والأنشطة الاقتصادية والتشجيع على تبادل المعرفة والابتكار. قال عبد العزيز عثمان التويجرى، المدير العام لمنظمة إيسيسكو: "تطبيق استراتيجيات للتنمية تقوم على المعرفة والابتكار يتطلب رؤية، وتنسيقا قويا على المستويات العليا من الحكومة، ونهجا تشاركيا لحشد الناس وراء دعم الإصلاحات المطلوبة... فثمة حاجة إلى الجهود الاستراتيجية المستمرة للحصول على نتائج ملموسة وترسيخ الممارسات الجديدة حتى تتمكن من الصمود على المدى المتوسط والطويل. ويكمن التحدى الحقيقى، وخاصة للقطاع الخاص، فى تحقيق المزيد من القدرة على المنافسة وتحديد 'أسواق متميزة' فى الاقتصاد العالمى". وقالت أنوجا أوتز، قائد فريق المهام والمشارك الرئيسى فى التقرير إن الأسلوب الذى كتب به التقرير يعكس التباين الثرى فى التحديات والفرص فى مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وتابعت قائلة "نظرا للتنوع الذى يتمتع به العالم العربى، فإن الدراسة لا تطرح توجها صارما واحدا... كما أنها تطرح أمثلة للممارسات الجيدة من مختلف بلدان العالم وتوصيات للسياسات للمساعدة على توجيه الجهود التى ينبغى أن تصمم لتلائم الظروف الخاصة لكل بلد".