دعك الآن من عبارة «أنا عارف مين بيقول إيه ليه وعشان إيه»، التى وردت فى خطاب الدكتور مرسى الأخير، فيبدو أن هذه سمة ملازمة لعالم ناسا العبقرى، التى لا يكاد يخلو منها خطاب له، أو لعلها إحدى تجليات «الأستذة» لجماعة تسعى إلى «أستاذية العالم» من خلال «منحدر الصعود» وعبر «الحارة المزنوقة» وبمساعدة «جميع أنواع المرأة»، وبهذه المناسبة السعيدة هل هناك من يشرح لى معنى «أستاذية العالم»؟، وكيف يمكن لأصحاب سلاسل المطاعم والسوبر ماركت وتجار الدين والعملة أن يصبحوا أساتذة على بيل جيتس وستيف جوبز؟. لكن دعك الآن من كل هذا، ومن تلك العبارة «الروقان»، ولنعد معا إلى الخطاب، يبدو «حديث المؤامرة» هو الخيط الناظم لكل خطابات الدكتور مرسى، منذ نوفمبر 2012، حينما أصدر إعلانا قال عنه إنه «دستورى»، فرضته ضرورات مواجهة «مؤامرة» تحاك ضد مصر، دون أن يقدم أية تفاصيل عن تلك «المؤامرة»، وما هى؟، ومن هم أبطالها؟، وما هى الوثائق والمستندات التى بحوزته عنها؟، ولماذا لم يتقدم بها إلى النيابة والقضاء؟، بقى الأمر مجهولا، لا أحد يعرف، وربما مرسى نفسه لا يعرف، هكذا قال له الشاطر أو بديع، أو الاثنين معا. بعدها مباشرة انطلقت مليشيات الحاج أبو إسماعيل لمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامى، لأن الإعلام يهيئ الأجواء لتنفيذ المؤامرة، ولعله شريك فيها، ثم انطلقت مليشيات الإخوان لمحاصرة المحكمة الدستورية، حيث مصدر المؤامرة ومقرها، قبل أن تنطلق بعض هذه الميلشيات ذاتها، إلى قصر الاتحادية فى مهمة عاجلة، لضرب وتعذيب المعتصمين هناك، وإجبارهم على الاعتراف بأنهم تلقوا أموالا لتنفيذ المؤامرة، ثم خرج علينا الدكتور مرسى فى اليوم التالى مباشرة ليعلن أن المقبوض عليهم اعترفوا فعلا أنهم تقاضوا أموالا لتنفيذ المؤامرة، لكن النيابة أفرجت عن الجميع بعدما ثبت لديها أنه ليس هناك مؤامرة ولا أموال، وبدا منظر الدكتور مرسى وقتها «بااااااااااااااااااااايخ». وبعد ذلك تلاحقت حكايات دكتور ناسا عن المؤامرات والأصابع الخفية التى تلعب فى مصر، مهددا ومتوعدا بقطعها، ثم عاد أخيرا ليشن هجومه على الإعلام، الضالع فى المؤامرة ويعيد أسطوانة التهديد والوعيد. وطالما أن الدكتور مرسى لم يقل لنا حتى الآن ماهية هذه المؤامرة؟، وماذا تستهدف؟، ومن هم أبطالها؟، ولم يتقدم بورقة واحدة للنائب العام للتحقيق فى المؤامرة، رغم أن هذا الأخير «نائب عام على عومهم ومش هيقصر فى حاجة»، فإن كل كلامه يبقى مجرد كلام فى الهواء لا قيمة ولا معنى له، اللهم إلا لرواد مواقع التواصل الاجتماعى، ففيه مادة ثرية للسخرية ورسم ابتسامة على الشفاه فى زمن إخوانى لا يثير إلا الهم والنكد، ويبقى الدكتور مرسى أقرب ما يكون إلى شخصية المحقق الخيالى الأشهر، «شرلوك هولمز»، الذى طالما صرف وقته للتحقيق فى قضايا وهمية. لكن ربما لا يعرف الدكتور مرسى ومن ورائه جماعة المقطم، أن المحقق الوهمى كان يبعث قدرا من المتعة لدى القراء، ولم يفكر أن يصبح رئيسا، حتى لا يغرق البلاد والعباد فى حواديت عن مؤامرات وهمية، ثم سرعان ما يختفى عندما تتبدى معالم مؤامرة وجريمة حقيقية، بشهادة أننا لا نعرف أين يقع «شرلوك هولمز» من مؤامرة اختطاف أربعة رجال شرطة (ثلاثة ضباط ومجند)، منذ أكثر من عامين، وما زالوا حتى الآن مختفين؟، ولماذا توارى عندما تعرض ستة عشر جنديا مصريا للقتل غدرا فى سيناء فى أغسطس 2012؟، وماذا فعل مع المجرمين الذين اختطفوا سبعة مجندين مصريين أخيرا، وليس آخرا؟، ببساطة لأن «شرلوك هولمز» خبير وأستاذ فى إثارة القضايا الوهمية، لكن أحدا لا يستطيع أن يعثر له على أثر عندما تظهر جرائم ومؤامرات حقيقية، حتى أن بعض متابعيه انتابتهم كثير من الشكوك فى أن يكون «الرجل» ضالعا فى المؤامرات الحقيقية، بحكم خبرته التى استقاها من المؤامرات الوهمية التى أنفق فيها جل عمره. كما أنه يتعين على خبير ناسا وأستاذ المؤامرات الوهمية، ومن ورائه جماعة المقطم، أن يعلم أن الإعلام ليس له علاقة بمؤامرات وجرائم حقيقية تتعرض لها البلاد، ففى حدود ما أعلم ويعلم الجميع أن جريدة «اليوم السابع» ليست هى من اختطف رجال الشرطة الأربعة من سيناء، وقناة «أون تى فى» لم يكن لها يد فى قتل جنودنا أثناء الإفطار فى رمضان الفائت، وجريدة «المصرى اليوم» ليست هى من خطط ودبر جريمة خطف الجنود السبعة، ولا جريدة «الوطن» كانت وراء تهديد وترويع وتهجير مواطنين مسيحيين فى سيناء ودهشور، ولا الإعلام بقضه وقضيضه هو من سحل المواطن الغلبان "حمادة صابر" أمام قصر الاتحادية، ورفع أعلام تنظيم القاعدة الإرهابى فى ميدان التحرير وسيناء. الإعلام يا سيادة المحقق الوهمى «شرلوك هولمز» كان هو أحد ضحايا المؤامرات الحقيقية التى لا تحركون ساكنا إزاءها، رغم أن ملامحكم تتبدى واضحة فى الخلفية، ودماء الحسينى أبو ضيف لم تجف بعد. لقد هدد «شرلوك هولمز» بقطع الأصابع التى تلعب فى مصر، لكن عندما امتدت أيادى سوداء تقتل وتخطف وتروع المصريين، انصرف عنها المحقق الخيالى وعاد ليثير فى وجوهنا قضايا وهمية، ويلوح بإصبعه فى وجه الإعلام، غير مدرك أن تلك الأصابع باتت تثير من السخرية أكثر مما تدعو إلى الخوف. لكن، هل علينا أن نعتذر الآن للمحقق الأصلى «شرلوك هولمز» وقد كان على درجة من الذكاء تكفى لإقناع متابعيه بأنه يبحث جديا فى قضايا حقيقية؟.