سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ذكريات احتفالات المسلمين والأقباط بعيد القيامة وموسم الحصاد قبل فتاوى "الإخوان"..أسبوع الآلام والفرح..الأب حنا يبارك الأطفال و"الغبيرة" للشفاء من الأمراض على طريقة النبى أيوب..وفوانيس وصلبان من السعف
قبل أن يحرم الذين يدعون أنهم إسلاميون "كل شىء"، وقبل أن يخرج علينا مفتوجماعة الإخوان والسلفيين بتحريم تهنئة الإخوة الأقباط، بأعيادهم، كان هناك زمن احتفلنا فيه بأسبوع الآلام وعيد القيامة نحن كصبية، لا فرق بين مسلمين أومسيحيين، فى التسعينيات من نهاية القرن الماضى، فى إحدى قرى أسيوط، كان هناك أطفال يتجمعون حول "الأب حنا" للحصول على "الشكولاتة" وليباركهم دون تفرقة، بعيدا عن فتاوى التحريم والفتنة الطائفية. للحصاد عند المصريين وجوه.. منه أن يراقبوا الشمس التى تسوى قمحهم حتى إذا استوى على سوقه حملوا "مناجلهم" وهموا إليه.. كما أن للحصاد وجهًا روحانيًا يتزامن أيضا وحصاد القمح وهو"أسبوع الآلام" الذى عانى فيه السيد المسيح قسوة الرومان، وعانى فيه المصريون من قبله وبعده قسوة حكامهم وحياتهم.. هوعلى صليبه وهم على جانبى النيل يصنعون حضارتهم.. لكن بعد أن قام المسيح "فى عيد قيامته"، وقام المصريون بجهدهم ومرحهم وتحملهم اتفقوا معا على الاحتفال بهذه المناسبات فاختلط المصرى القديم بالمسيحى بالإسلامى، وأصبح لدى المصريين أسبوع مختلط من الفرح والحزن يمكن أن نسميه أسبوع الآلام والفرح. أحد السعف: النخل أهلنا الذى يمنحنا الحياة.. نمد أيدينا إلى قلبه وبرفق ننزع "جريدة أواثنتين" لهما لون أصفر.. نأتى بهما من قلب النخلة كى يكون السعف لينا فتلين قلوبنا.. نعصبَّ بالسعف رءوسنا وأيدينا وتصنع أمهاتنا لنا فوانيس رمضان وتصنع عماتنا الصلبان الصغيرة وساعات وأحصنة وجمالا.. فى نهاية اليوم نحس بأن الصداع الذى كان يلازمنا منذ أيام قد فارقنا بعدما امتصه السعف.. كان أهل أورشليم قد استقبلوا السيد المسيح بالسعف فرحا.. ونستقبل نحن الأسبوع حياة. اثنين الفريك لأن الجوع كان ضيفا دائما أو كنا نحن المصريين ضيوفه الدائمين.. كنا نتحين الوقت بالقمح الذى ما أن تنبت سنابله وتأخذ حبته تكوينها الأخضر اللين حتى نحصد جزءا ننشره فى الشمس ونحمصه بالأفران نتحايل عليه حتى ينضج ونسميه "فريك" فى البداية يكون طعامنا الأساسى حتى يأتى القمح فيأخذ دورا آخر لكنه فى أسبوع الآلام نحتفل بكونه الطعام الأساسى لليوم. ثلاثاء الفول فى هذا اليوم سيكون الفول طعامنا نحمد الله على الذى منحته لنا الأرض، يتغير شكل الفول لكنه يظل واضحا أو مستترا هو السيد فى هذا اليوم. أربعاء أيوب نغتسل كما اغتسل أيوب وشفى.. فى الصباح نركب إلى الجزيرة ونبدأ رحلة البحث عن نبات "الغبيرة" الذى نجده دائما على الحافة بين اليابسة والماء.. فى أذهاننا أن الكل ينتظر.. "الغبيرة" نبات شوكى قاس نحتمل قسوته لأنها تحمل الشفاء لأجسادنا.. نحتمله كما احتمله النبى أيوب.. فى نهاية اليوم يمتلئ النيل ببقايا "الغبيرة" التى مرت على أجسادنا.. كما تمتلئ الطرقات بها. خميس العهد السيد المسيح يحصل على العهد من حوارييه وأصفيائه ونحن ما زالت الأرض تمنحنا حياتنا.. ربما بسبب تحريف لغوى تحول خميس العهد إلى "خميس العدس" .. نحن الصبية الصغار كنا نعانى لأن الخميس يوم "سوق" ننتظره ولا نعترف بالجمعة إلا لو أكلنا يوم الخميس "لحما" لكن أمهاتنا تصر على "العدس".. فنعلنها صراحة: لسنا مسيحيين ولا نريد العدس.. لكن كل توسلاتنا تضيع هباء.. ربما خشية من غضب الأرض المانحة.. وربما رغبة فى مشاركة السيد المسيح فرحته بصدق حوارييه. الجمعة العظيمة يوم الجمعة العظيمة يصلب السيد المسيح.. وعندما يؤذن الفجر نحمل نحن الخبز المصنوع من القمح ونسعى للمقابر كى نشارك الموتى فى هذه اللحظة بعضًا من الوقت.. نريهم ما منحته الأرض لنا.. قد تقرع الكنيسة أجراسها الحزينة.. فالمسيح مصلوب فى سماء المقابر هذا الصباح.. لذا الجو مختنق.. ورغم أننا ندرك قيامته الآتية يتسرب إلينا الحزن. سبت النور بعد أن منحنا الموتى حقهم فى تذوق طعامنا.. علينا أن نحمى أنفسنا من الشرور.. ومن الحيات والعقارب التى كانت تختبئ فى القمح فانكشفت هذه الهوام لما انكشف القمح وأصبح حصيدا.. ولأن الصيف قادم.. ولأن الأولياء الطيبين ما عادوا بيننا .. رحلوا .. لكنهم تركوا لنا رقيتهم تحمينا.. نكتبها فى ربع ورقة صغير ونعلقها على الحيطان.. منذ الليل نجهز الورق والأقلام.. ونكتب.. وفى الصباح يأتى الجميع ليأخذوا ما يشاءون يعلقونه فى دورهم.. لا يسألنا أحد عن معناه.. ونحن لا نعلم معناه لوسئلنا أحد.. نكتب: "الليعما – لليعما – ليعما – يعما – عما- ما- ا" سبعة أصوات واثقون أنها تحمينا من أشياء نعرفها وأخرى لا نعرفها.. بينما كان المسيح فى قبره مبتهجا.. لذا هناك من يطلق عليه سبت الفرح. عيد القيامة/ الدرق والمرق يقف القس يوحنا بجبته السوداء وسطنا.. نحن حوله فى دائرة غير مكتملة.. ثم ينثر الحلوى بيديه فتتطاير وتصل إلينا.. يوزع ابتسامته علينا قبل أن يكتب لنا "الأحجبة" التى نعلقها فى أعناقنا حتى لا نهب فزعين فى الليل.. ثم يباركنا ويبارك الذى نملكه.. فى المساء بعد أن نقتص من يوم الخميس الفائت ونشم رائحة المرق واللحم والفطير الذى كان ممنوعا على السيد المسيح نخرج فى الشارع نحمل الفطير على رؤوسنا ونغنى "درجقنا ومرقنا على طريق النبى وشرقنا".. ثم يأتى الليل.. شم النسيم نبدأ الاحتفال بشم النسيم من منتصف ليل الأحد، نحمل شيئًا كى نتقى به البرد وبعض الطعام الذى قد نحتاج إليه.. بعد أن ينتصف الليل نكون فى موعد مع النهر نترك جسدنا يروح ويجيء مع التيار الخفيف.. يعمدنا الماء.. ثم نشعل النار حتى الفجر كى نتدفأ.. قبل أن نختبئ بين النخلات الصغيرات وننتظر الفجر عندما تنزل البنات الصغيران كى يغتسلن بالماء ويملأن جرارهن وآنيتهن منه كى يغسلن عتبات البيوت حتى تأتى الخماسين أكثر هدوء.