على بعد أمتار من قصر عابدين الرئاسى بوسط القاهرة، وداخل قاعة صغيرة تتسع لنحو من 50 شخصا، معظمهم من السائحين، تقدم فرقة "دراويش أبو الغيط للفنون الصوفية وموسيقى الزار" فقراتها. وسرعان ما يندمج الجمهور الحاضر مع العزف الموسيقى والغناء ويشاركون أعضاء الفرقة التمايل على موسيقاهم التراثية. يقول ممدوح القاضى، المدير التنفيذى لمركز "المصطبة" للفنون الشعبية (مستقل): تأتى استضافتنا لفرقة "دراويش أبو الغيط" بهدف حماية وتوثيق التراث الشعبى المصرى من الانقراض، والتسويق لهذا التراث خارجيا وداخليا، ليكون نافذة للجذب السياحى، وخاصة أن السائحين الأجانب شغوفين بهذا النوع من الفن الذى قارب على الاندثار. وفرقة "دراويش أبو الغيط" تقدم الأداء الغنائى والحركى والمختلط بفن "الزار"، سواء ضمن فعاليات تقام على مسارح داخل مصر وخارجها، أو من خلال "الحضرة" (طقوس) الأسبوعية التى يقيمها مدير الفرقة فى منزله بمنطقة المطرية بالقاهرة، للمريدين من الريفيين وغيرهم الذين يعتقدون بأن موسيقى الزار قادرة على مداواة الألم والعلاج النفسى والروحى. ويستخدم أعضاء الفرقة- الذين يبلغ عددهم 7 أفراد- فى عروضهم آلات "الناى"، "الطبلة"، "الدف" "الرق"، "الصاجات"، "المزمار". وتغلب على كلمات أناشيدهم ومديحهم الشعبى موضوعات تدور حول العشق الإلهى، والكرم، والحكمة بين الناس، والسلام، والصداقة. كما عرضت الفرقة رقصة "التنورة"، وهى رقصة رافقها غناء بعض المواويل الشعبية، حيث قام أحد أعضاء الفرقة مرتديا ما يشبه "التنورة" بألوانها المزركشة بالقيام بحركات دائرية، عكس عقارب الساعة، صحبته إيقاعات سريعة، نالت إعجاب الأجانب الموجودين فى الحفل. و"التنورة" مصنوعة من قماش الخيامية، المزين بتصاميم ونقوش عربية بألوان زاهية. ويقول أحمد الشنكحاوى، مدير الفرقة لمراسلة الأناضول: ترجع تسمية الفرقة إلى انتسابها للشيخ حسن الغيطانى الكائن قبره ومقامه فى قرية أبو الغيط بمحافظه القليوبية (دلتا النيل)، والذى التف حوله عدد واسع من الدراويش منذ حوالى 150 عاما. ويلفت الشنكحاوى إلى أن موضوع الأغانى التى ترددها الفرقة فى حفلاتها، بعضها تتعلق ب"كرامات" الشيخ الغيطانى، وبعضها يمتزج بموسيقى فن الزار بفرعيه المصرى والسودانى، ومع مرور الوقت تكون لدينا مخزون واسع من الأغانى الصوفية، التى تستهوى الأجانب قبل المصريين. وينفى "الشنكحاوى" أن تكون إقامته للحضرة الأسبوعية لحفلات الزار فى منزله، هو من "باب علاج مس الجن" على حد قوله، مؤكدا أن هذا النوع من الموسيقى والمديح الصوفى والأناشيد الدينية هى من قبيل "المعالجة النفسية وتصفية الروح". و"الزار" هو نوع من الموسيقى الشعبية التى عرفها المصريون وارتبط لدى الكثيرون بأن من يمارسها يلجأ إليها للتخلص من "مس الجن"، ولكن ممارسة هذا الشكل من الزار أخذ فى الاندثار، لهذا ظهرت مجموعة من المهتمين بالفنون التراثية فى محاولة لإحياء هذا التراث من جديد فى المنتديات الثقافية والفنية فى مصر وخارجها. ومن هذه المجموعات الثقافية مركز "المصطبة" للموسيقى الشعبية، والذى يسعى، كما يقول مديره التنفيذى ممدوح القاضى، إلى "استحضار الموروث الغنائى الشعبى إلى الأذهان من خلال الحفلات الأسبوعية التى يقدمها". وبحسب القاضى فقد أسس المركز الفنان المصرى زكريا إبراهيم، أحد المهتمين بالموسيقى الشعبية المصرية، فى بداية التسعينات من القرن الماضى بجهود ذاتية من أجل الحفاظ على ما تبقى من الموروث الغنائى والموسيقى الشعبى عبر أقاليم مصر المختلفة. وحول إقبال الجمهور على هذا النوع من الفنون الشعبية لاسيما فرقة "دارويش أبو الغيط"، يقول القاضى: فى الوقت الذى اتسم فيه الغناء الصوفى بقدرته على الولوج إلى أعماق الروح الإنسانية فإن دراويش الطريقة الغيطانية توغلوا أكثر من ذلك ليرقى غنائهم إلى حالة من مداواة الألم وعذابات الروح لتصبح حضراتهم الأسبوعية أحد أشكال العلاج النفسى والروحى يتوافد عليها الباحثون عن ذلك المدد الروحى. ويلفت القاضى، إلى أن فرقة أبو الغيط قدمت من خلال مركز المصطبة عروض محلية فى مركز ثقافية وميادين عامة فى مدينة القاهرة، كما مثلت الفرقة البلاد فى مهرجان بكين للموسيقى الشعبية عام 2012.