لا يشك أحد أن دولة مثل مصر بمكانتها وتاريخها والتصور الصحيح لدورها ومستقبلها يمكن أن تقف طويلا فى هذا الموقف، أو هذا المستنقع، أو أنه فعلا هو مصيرها الذى لا مفر منه، وذلك أن الدارس المتعمق فى أحوال المنطقة الحالية، لابد أنه سيتصور مخرجاً حتمياً، وأن مصر سيكون لها دور محورى فى هذا الخروج، وذلك أنها لحكمة أرادها الله وربما كانت الجغرافيا والتاريخ أحد مكونات هذه الحكمة لا يمكن أن تنتهى هذه النهاية المؤسفة، وأنها بطبيعة الحال لن تقوم بهذا الدور قبل أن تتهيأ له، ولن يكون ذلك قبل الانتصار على أوضاعها المتردية. لكن الحقيقة التى يجب أن تكون حاضرة لدى كل من يتمنى هذا الخروج أو يخطط له، أن الوضعية الحالية قد استغرق تكريسها عقوداً من الزمان، وأن الوقوف على أسباب هذه الحالة لابد منه، حتى نتصور خروجاً آمناً منها، وهو ما يقودنا حتماً إلى الستين عاماً الأخيرة، التى أسست لإلغاء وإنهاء عالم السياسة، من قاموس المجتمع المصرى، ومن ثم غرس عقول الأجيال فى وحل الحاجات اليومية، والتعامل معهم كما السوائم. وهذا التحليل الذى يقف على حقيقة ما شهدته مصر خلال الستين عاماً الأخيرة، يجب أن يكون أساس أى نهضة مصرية، أياً كان شكلها أو مضمونها، ويأتى بعد ذلك الوقوف على أهم مكونات الكارثة التى حلت ببلادنا، وأبرز معالم الخلل الذى أودى بكل مظاهر الحياة فى مجتمعنا، وهنا لابد وأن نقف طويلاً أمام التغييب المتعمد لكل عناصر النهضة، والاستدعاء الكريم والفياض!! لكل عوامل الهزيمة والانهيار: أولاً لن يستطيع مخلص أن يتجاوز الأزمة السياسية التى يعانى منها مجتمعنا، ولن تستطيع عينه أن تهمل الانهيار شبه الكامل للحياة السياسية فى بلادنا، وحالة اللامبالاة التامة، التى غرست على مدى الأجيال، حتى رأينا الجيل الحالى، الذى قد يصيب الجادين بأزمات فكرية وربما نفسية، فى سبيل الوصول إلى: كيف يفكر؟! وماذا يريد؟! لكن أبرز مظاهر الخلل، والتى يجب ألا نتجاوزها، هو العزوف العجيب والمهين فى آن عن المشاركة، وربما عن مجرد الاهتمام بالشأن العام!! إننا يجب ألا نتغاضى عما فعله الجناة بشعبنا، إنها جريمة لا يمكن تصور كيف تجرأوا عليها، كما لا يمكن تخيل ضخامة أضرارها الجسيمة، وآثارها الخطيرة والهائلة!! سواء على الحاضر أو المستقبل، وهى أيضا جريمة لا يمكن السكوت عليها.. لقد تواصل عباقرة الاستقرار السياسى فى بلادنا على مدى العقود الست الأخيرة: أن أى حيوية للمجتمع إنما تكون على حساب النظام واستقراره، وأن أى حركة فى الشارع، ولو بتأييد الوضع القائم، تخصم من قوة النظام وقدرته على البقاء، لهذا فقد تفننوا فى تدمير كل أساسيات الحياة السياسية!! كى يحققوا الاستقرار، ويهنأوا بالبقاء والاستمرار. ثانياً لا يمكن لباحث عن النهضة، أو باحث عن مجرد الخروج من هذا المستنقع الآسن، أن يحقق شيئاً مما يسعى إليه، إلا بعد الوقوف على طبيعة الحالة والوضعية التى نعيشها اليوم، والمرتبطة بشكل جوهرى بطبيعة العلاقات الخارجية، وهى حالة لا يمكن الوصول إلى مخاطرها، إلا بعد التأمل الدقيق لمكونات مشهد الخضوع المزرى للخارج، والركوع أمام الإرادة الأمريكية، حيثما ولت أو توجهت، بل لابد من رؤية واضحة، لما وصلنا إليه اليوم، حيث التسليم بالرغبات الأمريكية، مهما كانت كلفتها، وأياً كانت وجهتها!! ثالثاً. وقوع حاضر البلاد أسيراً للمشروع العدوانى الإسرائيلى على المنطقة، ووقوع مستقبلها تحت المرمى المؤثر لطموحات هذا المشروع ونيرانه الفتاكة، وهو مشهد يوجب على المخلصين أن يتعاملوا معه اليوم قبل الغد، ولابد أولاً من التعامل العلمى والشجاع، مع مخاطر هذا المشروع على المنطقة كلها، وفى القلب منها مصر، المستهدفة من قبله بقوة، بل لابد من وقف الدعم المصرى الواضح والصريح لهذا المشروع، والذى يجرى على حساب أمننا القومى، وأمن المنطقة كلها، فليس من المعقول تصور المشهد السياسى الحالى تجاه إسرائيل، ذلك المشهد التى أسس له السادات فى كامب ديفيد، والذى كان حريصاً عليه بقوة، حتى أننا يمكن أن نعتبره قد انتحر سياسياً فى سبيل تحقيقه، يوم أن أقدم على اعتقال كل القوى السياسية، على اختلاف اتجاهاتها، لأنها عارضته.