الطريق لم يكن سهلاً للوصول إلى منزل محمد صلاح في محافظة الغربية وبالأخص مركز نجريج التابع لمدينة بسيون؛ حيث تضطر لاستقلال أكثر من وسيلة مواصلات ولكنه سهلاً لكي تعرف أين يقع فهناك "ألف من يدلك". مؤخراً قاد محمد صلاح المنتخب الوطني للوصول لكأس العالم بروسيا 2018؛ حيث سجل 5 أهداف وصنع هدفين من إجمالي 7 أهداف سجلها لاعبو المنتخب في التصفيات ولعل أهمهم هدفيه بمرمى الكونغو في مباراة يوم الأحد الماضي. وهو الأمر الذي أنعكس بصورة كبيرة على مدينته؛ حيث قرر محافظ الغربية إطلاق اسم محمد صلاح على مدرسته في الثانوية :"بسيون الثانوية الصناعية". وهناك التقينا سالم النجار، أحد معلميه في المدرسة ويسكن بذات المركز:" سعدنا بإطلاق اسمه على المدرسة فهذا شيء مشرف لنا ويمنح الشباب الطموح والإصرار". وتابع النجار قائلاً:" محمد صلاح كان شاباً ملتزماً نعم كان يتغيب أحياناً لمواعيد المباريات التي يخوضها ومرانه ولكنه حينما يحضر كان يلتزم ومجتهداً في دروسه ولم يكن يُمارس الكرة كثيراً في فناء المدرسة عكس المركز الذي لفت بأدائه فيه انتباه الجميع له". وأتم حديثه بقوله: "نشاهد مباريات محمد صلاح مع أي فريق وسعدنا كثيراً بمساهمته في تأهل المنتخب"، منوهاً إلى أنه كافح كثيرًا خاصة عندما انتقل من نادي مقاولون طنطا إلى مقاولون الجبل الأخضر في القاهرة لبعد المشوار. وخلال حديثنا مع سالم النجار عن محمد صلاح تجد الكثير من المعلمين والطلاب يتداولون الأحاديث والذكريات الطيبة عنه التي تدور حول التزامه. وفي طريقنا لمركزه نجريج استقلينا "توكتوك" الوسيلة الرسمية بين المراكز هناك وما أن علم سائقه بصنعنا قصة عن محمد صلاح وانخرط في الحديث عنه:" أنا لست من نجريج ولكن الجميع يعلم ما يفعله مع أهله هناك من مساعدات لهم حتى وهو في أوروبا والدته وخاله حينما يعلمون أن أحداً بالقرية يحتاج لشيء يسارعون لمساعدته". قبل أن يتوقف عن الحديث وننخرط جميعنا في ما يحيط بنا من أراضي خضراء ومع مرورنا على أحد الملاعب مد السائق يديه يميناً ملوحاً تجاهه:"هذه أكاديمية محمد صلاح يُساعد بها شباب قريته لكي يحصلون على الفرصة وحينما يزور البلد يذهب لهم أتذكر حينما جاء أخر مرة بسيارته لم يكن معه حرس خاص وحينما وجد التفاف أهالي القرية حوله نزل لهم وصافحهم وتحدث معهم ودعهم يلتقون معه الصور التذكارية". ثم ينقطع الحديث بتوقفه أمام منزل مكون من طابقين ولكنه ليس مميزاً كثيراً عما حوله من منازل فهو بواجهة أسمنتية وباب حديدي دون أي مظاهر للترف ولكننا لم نتمكن من الحديث مع ذويه لتواجدهم في القاهرة لتوديعه قبل رحيله إلى انجلترا للانضمام لصفوف ليفربول مرة أخرى عقب انتهاء التصفيات. لنترجل قليلاً حتى نصل إلى منزل المهندس ماهر شتيه، عمدة مركزه :"محمد صلاح هو ابن نجريج البار الذي يُشرفنا في المحافل الدولية".. هكذا بدأ حديثه عن لاعب ليفربول. وتابع شتيه الذي مارس كرة القدم في طفولته وشبابه بنادي المحلة قائلاً:" طلبنا من محمد صلاح إرسال تذاكر لمباراة مصر والكونغو لأبناء القرية وهو ما قام به وذهبنا إلى القاهرة ولكنه أرسل أعدادًا ليست بالكثيرة لوجود ضغط عليها في جميع أنحاء الجمهورية وكنا في أعز الفرحة بالتأهل وهدفي صلاح ولأول مرة علمت معنى دموع الفرحة.. من يُسدد ركلة جزاء في الدقيقة الأخيرة بأجواء مثل هذه قلبه ميت". وأضاف عمدة نجريج الذي على صلة بصلاح وذويه منذ فترة طويلة:" نشجع صلاح في أي وقت.. دعني أروي لك موقفاً طريفاً حينما سجل مع المقاولون أمام الأهلي وهناك الكثير من أبناء القرية يشجعون القرية الحمراء الجميع كان سعيد لأول مرة بالتسجيل في فريقهم المفضل وحينما جاء القرية جلسنا معه ومزحنا معه وبادلنا الأمر". ولم يكن الوصول لكأس العالم حلم صلاح فقط كما كان يخبر عمدة مركزه دائماً بل كان حلم ماهر شتيه أيضاً:" شاهدت مباراة مصر والجزائر 1989 التي انتهت لصالحنا وتأهلنا لكأس العالم 1990 ومنذ حينها وأنا على أمل التأهل مرة أخرى لذا كان لدي أملاً كبيراً في صلاح بتصفيات 2014 ولكن هزيمتنا أمام غانا بسداسية مقابل هدف كانت قاسية ولكن الأصعب بالنسبة لي كان بكاء محمد ولقطته مع أبو تريكة فهاتفته ليلتها وأخبرته أن دموعه غالية علينا وأنه سيكون السبب في 2018 وهو ماحدث". وخلال حديثه معنا أخذ ماهر شتيه، عمدة مركز نجريج يستعرض عدة صور تجمعه بمحمد صلاح وأسرته خلال تواجده في منزله :" أعرفه منذ كان صغيراً يلعب في القرية ولا أتذكر له أي مشكلة تسبب فيها". الأحاديث عن مواقف أهل القرية وصلاح في كرة القدم كثيرة ولكن ليست تلك هي العلاقة بينهم فقط فلاعب ليفربول لا ينسى واجبه تجاههم فيقول عمدة نجريج :"وعدنا مؤخراً ببناء معهد أزهري لأبناء المركز بتكلفة 7 مليون جنيه كما أن هناك مؤسسة خيرية باسمه تتكفل بأعمال خيرية في القرية كما ساهم في تطوير مستشفى المدينة وغيرها من الخدمات.. لا يبخل على أهل مركزه بأي شيء". وأتم عمدة نجريج حديثه قائلاً:" محمد بيقضي إجازته هنا بعد انتهاء الموسم الرياضي ويقضيها وسط جيرانه لا في سفريات للخارج وعند أدائه الصلاة بالمسجد يفضل تغيير المسجد كل فترة لكي يقابل أعداد كبيرة من جيرانه وفي العيد عقب الصلاة ذهب لأهالي المركز لتهنئتهم وهي عادة ريفية نسعد بتمسك صلاح بها وهذا ليس بجديد عليه". ولعل قدومه كثيراً إلى بلدته جعل أبنائها لا يعترفون بلاعب غيره؛ حيث قلما نجد طفلاً أو شاباً يرتدي قميص للاعب كرة قدم بخلاف محمد صلاح. ومع خروجنا من منزل العمدة كان يبدو أن خبراً قد انتشر في محيط بنايته أن هناك من يصنع قصة عن ابن بلدتهم لنجد الأطفال هناك يزفونا بهتاف :"واحد اتنين.. صلاح جاب جونين".