لسنوات طويلة واجهت الطائفة الشيعية فى مصر صداما تاريخيا يرفض وجودها ومحاولات تغلغلها المستمرة داخل المجتمع المصرى الذى يغلب على تكوينه الإسلامى المذهب السنى، وعلى الرغم من تلك المحاولات الحثيثة التى كررها المتشيعون لإضفاء الطابع الرسمى على وجودهم بمصر كطائفة دينية رسمية معترف بها من الحكومة المصرية، إلا أن تلك المحاولات جميعها باءت بالفشل، وهو ما دفع قيادات الشيعة إلى اتخاذ بعض الأضرحة والمقامات الدينية رمزا لوجودها فى مصر على الرغم من أن المصريين السنيين يعتبرون هذه الأضرحة رمزا دينيا إسلاميا غير شيعيا، ويأتى الحسين والسيدة زينب أبرز تلك المزارات التى يعتقد بها الشيعة. وكان شيخ الأزهر، محمود شلتوت، قد أصدر فتوى فى العام 1959 تجيز التعبد بالمذهب الجعفرى الإمامى كسائر مذاهب أهل السنة، والمذهب الشيعى الأكبر الموجود فى مصر هو الجعفرى، لكنه غير معترف به رسميا، فالاعتراف به رسميا يتطلب وجود جماعة دينية، ويجب أن يتم التقدم بطلب لإدارة الشئون الدينية بوزارة الداخلية، والتى تحدد بدورها إن كانت هذه الجماعة تشكل خطرا على الوحدة الوطنية أو السلام الاجتماعى. ويصدر قرار الاعتراف بالجماعة الجديدة من رئيس الجمهورية، وفقا للقانون رقم 15 لسنة 1927. وفى حالة تجاهل أى جماعة دينية لعملية التسجيل الرسمية، فإن أعضاءها يكونون عرضة للاعتقال، وقد يواجهون حكما بالسجن، وفقا للمادة 98 من قانون العقوبات. وفى أوائل عام 2004 تقدم بعض الشيعة، وعلى رأسهم الدكتور أحمد راسم النفيس، بطلب إلى وزير الداخلية للاعتراف بالشيعة كطائفة دينية رسمية بموجب القانون، إلا أن الوزارة لم تقم بالرد على الطلب حتى الآن. ولا يوجد لشيعة مصر مراجع دينية، أو حتى وكلاء لمراجع فى الخارج، مثلما هو قائم فى بعض دول الخليج، وغيرها من الدول العربية التى توجد فيها طائفة شيعية. كما لا يوجد لهم أى مسجد خاص بهم، بعد أن وضعت الحكومة يدها على مسجدهم الوحيد، مسجد آل البيت، وضمته فى العام 1979 إلى المساجد التابعة لها. وتوجد فى مصر عدة مقامات وأضرحة ومشاهد لآل البيت، تشرف عليها وتديرها الدولة، وهى إن كانت مقدسة لدى الشيعة، فإنها تعد مزارات للمصريين أجمعهم، مثل ضريح الحسين بن على قرب الجامع الأزهر والذى يُزعم أن رأس الحسين مدفونة فيه، وضريح السيدة زينب بنت على، وهى نفسها التى يوجد لها مقام جنوبى العاصمة السورية، دمشق، وضريح السيدة سكينة بنت الحسين، وضريح السيدة نفيسة بنت الحسن، ومقام الإمام على زين العابدين بن الحسين، . ويعود الوجود الشيعى فى مصر لأول مرة إلى الدولة الفاطمية العبيدية، وهؤلاء العبيديين الذين نسبوا أنفسهم إلى فاطمة بنت النبى صلى الله عليه وسلم ومن تسموا بالفاطميين هم من الشيعة الإسماعيلية، الذين حكموا مصر من سنة 969 ميلادية إلى سنة 1171م. ومن أبرز حكام الدولة العبيدية الحاكم بأمر الله الذى ادعى الألوهية، وبث دعاته فى كل مكان يبشرون بالتناسخ والحلول، ويزعمون أن روح القدس انتقلت من آدم إلى على بن أبى طالب، ثم انتقلت روح على إلى الحاكم بأمر الله. وكان آخر حكامهم فى مصر العاضد، لتنتهى دولتهم على يد القائد صلاح الدين الأيوبى، وأعاد مصر كما كانت إلى مذهب أهل السنة والجماعة، لكن الشيعة بقيت أنظارهم متجهه نحو مصر لما لها من ثقل وأهمية، ساعين لإعادة بناء دولتهم العبيدية. وهناك بعض المقامات والأضرحة المنسوبة لآل البيت فى مصر كالحسين والسيدة زينب ونفيسة ورقية، وهناك دار التقريب بين المذاهب الإسلامية التى تأسست سنة 1947م فى حى الزمالك فى القاهرة، وقد ساهم فى تأسيسها عدد من شيوخ الأزهر مثل محمود شلتوت وعبد المجيد سليم ومصطفى عبد الرازق، وغيرهم، وعدد من علماء الشيعة مثل محمد تقى القمى –الذى كان أمينا عاما للدار- وعبد الحسين شرف الدين ومحمد حسن بروجردى، وتحولت الدار لمركز لنشر الفكر الشيعى. ومن المزارات التى تعد مزارات للشيعة فى مصر هو الحسين، كما تكتظ المحافظات المصرية بالمزارات الشيعية، التى تهفو إليها قلوب الشيعة، ليس فى مصر وحدها، لكن فى أماكن تجمعات الشيعة فى العالم، وعلى رأسها إيران، مما جعل بعضهم يطرح "العتبات المقدسة" كمشروع سياحى اقتصادى يمكن أن يجلب الملايين من السياح الشيعة. وتتنوع مزارات الشيعة بين أضرحة آل البيت التى تعد مزارات صوفية، يتفق فى حبها المصريون جميعا، ومزارات يعتبرها الشيعة رمزا لمذهبهم، مثل ضريح السيدة زينب، والحسين، والسيدة نفيسة والرفاعى والشافعى فى القاهرة، وضريح السيد البدوى بطنطا، والمرسى أبو العباس فى الإسكندرية، وإبراهيم الدسوقى بكفر الشيخ وأحمد القناوى فى قنا. وهناك أضرحة ومشاهد خاصة برموز الطرق الصوفية الكبرى، مثل ضريح سلامة الرضى، والشاذلى، وأبى العزائم، وصالح الجعفرى، كما يوجد جنوب مصر "الصعيد" عشرات الأضرحة، حتى أنه يصعُب وجود قرية خالية من ضريح فقيه أو ولى. ففى أسوان وحدها يوجد أكثر من 10 أضرحة ينتسب أصحابها إلى آل البيت ترفرف من فوقها الإعلام الحمراء والخضراء، كما يوجد بها 3 مشاهد للسيدة زينب، لكن أهم المزارات الشيعية، هو ضريح "مالك بن الأشتر" قائد جيوش على بن أبى طالب رضى الله عنه، والموجود قبره بالقلج بالقرب من بلدة الخانكة ضمن حدود مدينة عين شمس القديمة. وأكثر زوار الضريح مالك بن الأشتر من العرب والأجانب، حيث إن شهرته محدودة وسط المصريين، ولذلك يلقبونه بالشيخ العجمى، وجدد الضريح مؤخرا على أيدى طائفة البهرة الإسماعيليين، ودفن إلى جواره شقيق شيخ البهرة، بالمرج فى شارع الإشراف بالقرب من مسجد السيدة نفيسة. وثانى أهم المزارات هو مشهد "محمد بن أبى بكر" الذى كان واليا على مصر، وقصته معروفة مع عثمان بن عفان، والذى قُتل بعد ذلك، ومُثل بجثته فى مصر، ويوجد فى ميت دمسيس بأجا. أما ضريح السيدة نفيسة ابنة الحسن بن زيد بن الحسن بن على بن أبى طالب، فهو مزار مهم لهم، حيث دُفنت فى منزلها الذى تحول إلى قبرها، وأراد زوجها أن يحملها ليدفنها فى المدينة مع أجدادها، فسأله أهل مصر أن يتركها لتُدفن عندهم من أجل التبرُك بها، وكان الملك الناصر محمد بن قلاوون هو الذى أمر بإنشاء مشهدها الحالى. ويعتبر مشهد رأس زيد بن على، مزارا مهما، وهو من يقال عنه "زين العابدين"، ودفنه أهل مصر فى موضعه الحالى، وجاء به إلى مصر، أبوالحكم بن الأبيض القيسى، وهناك أيضا مشهد كلثوم بنت القاسم بن محمد بن جعفر الصادق، كانت من الزاهدات العابدات ومدفنها يقع بمقابر قريش، بجوار مسجد الشافعى بمصر القديمة. وهناك الكثير من المراقد والمزارات بالقُرب من مشهد السيدة نفيسة، من أشهرها مرقد السيدة رقية ابنة على الرضا، وينسبها العامة إلى الإمام على. وبالقُرب من ضريح السيدة رقية، يقع مشهد السيدة سكينة بنت الحسين، ويحتفل الشيعة والصوفيون بمولدها كل عام. كما أن هناك أيضا ضريح مشهور لواحدة من بنات الإمام الصادق، وهى عائشة، التى تُسمى المنطقة التى يقع فيها الضريح بحى السيدة عائشة.