"كان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا مع ابن تيمية استفادوا فى مذاهبهم منه ما لم يكونوا قد عرفوه قبل ذلك .... وكان لا يتكلم فى علم من العلوم، سواء أكان من علوم الشرع أم غيرها إلا فاق فيه أهله، والمنسوبين إليه" ذلك ما قاله عنه العلامة كمال الدين بن الزملكانى. عاش "ابن تيمية" فى عصر كثر فيه البدع والضلال، وسادت فيه كثير من المذاهب الباطلة، واستفحلت الشبهات، وانتشر الجهل والتعصب والتقليد الأعمى، وزاد الإلحاد، وتعرضت بلاد المسلمين لغزو التتار والصليبيين. وقد وقف الشيخ فى عصره إزاء هذه الانحرافات موقفًا مشهودًا، آمرًا وناهيًا، وناصحًا ، ومساهما فى علاجها بقلمه ولسانه ويده، حتى أصلح الله على يديه الكثير من أوضاع المسلمين، ونصر به أهل السُّنَّة. اسمه بالكامل أبوالعباس أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن أبى القاسم الخضر بن محمد بن الخضر بن على بن عبدالله بن تيمية الحرانى، أما عن سبب تلقيب العائلة بآل (تيمية) منها: "إن جده محمد كانت أمه تسمى (تيمية)، وكانت واعظة، فنسب إليها، وعرف بها، وقيل أيضا إن جده محمد بن الخضر حج على درب تيماء، فرأى هناك طفلة، فلما رجع وجد امرأته قد ولدت بنتا له فقال: يا تيمية، يا تيمية، فلقب بذلك". وُلِد "ابن تيمية" بحرَّان سنة 661ه، وهى بلدة تقع حاليا فى جزيرة الشام بين الخابور والفرات، ولما بلغ من العمر سبع سنوات انتقل مع والده إلى دمشق؛ هربًا من وجه الغزاة، فنشأ فيها وتلقى العلوم والمعرفة، فقرأ الحديث والتفسير واللغة وشرع فى التأليف من ذلك الحين، كما تعمق فى تفسير القرآن، فنبغ ووصل إلى مصاف العلماء من حيث التأهل للتدريس والفتوى قبل أن يتم العشرين من عمره، ولم يترك مجالا من مجالات العلم والمعرفة التى تنفع الأمة، وتخدم الإسلام إلا كتب فيه، وتلك خصلة قلَّما توجد إلا عند العباقرة النوادر فى التاريخ، فاستحق بذلك الإمامة فى العلم والعمل، وكان من مذهبه التوفيق بين المعقول والمنقول، فمن كثرة مؤلفاته يصعب حصرها وإحصاؤها لكن من أبرزها "الاستقامة، بيان تلبيس الجهمية، منهاج السنة النبوية فى نقض كلام الشيعة القدرية، النبوات وغيرها العديد من المؤلفات". إلى جانب ذلك كان له دور كبير فى دفع خطر التتار عن بلاد المسلمين، حيث وقف موقفا جهاديا عظيمًا أثناء غزو المغول لدمشق، فمع اقتراب المغول سافر إلى مصر، وحث السلطان الناصر محمد بن قلاوون على الجهاد، كما سافر إلى أمير العرب مهنا بن عيسى الطائى، وحثه على حرب التتار، فلبى الأمير دعوته، فكان له الفضل فى تشجيع الناس والشد على عزيمة الحكام وجمع الأموال من تجار دمشق لتمويل جيش الدفاع عن دمشق، كما خرج على رأس جيش دمشق الذى حارب وهزم المغول وطاردهم شرقا فى داخل سورية حتى نهر الفرات، وكان أول الواصلين إلى دمشق يبشر الناس بنصر المسلمين. توفى ابن تيمية سنة 728 ه، وكانت جنازته عظيمة جدا وأقل ما قيل فى عددهم خمسين ألفا والأكثر أنهم يزيدون على خمسمائة ألف.