في واحدة من المفاجآت الجميلة، التي تأتي في هذه الأيام المفترجة، بعد أن انزاح الكابوس وحل مكانه كابوس الإرهاب الدموي، حصل أحمد فؤاد نجم - الأمير على قلوب المصريين- على واحدة من أهم الجوائز العالمية في مجال الثقافة، عم أحمد فؤاد نجم ربما لايعنيه في كثير أو قليل فوزه بالجائزة، فقد ضرب كرسيا في كلوب الثقافة المصرية منذ الخمسينيات ليهتز الشعر في العالم العربي كله، الشعر المكتوب بالعامية المصرية الذي يدخل القلب ويفسح لنفسه "وسعاية وبراح" سكن قلوب العرب والمصريين. ليست هذه هي المرة الأولى التي يفوز فيها نجم بجوائز، ولكن الجميل أن تأتي هذه الجائزة في وقت الثورات في مصر، في اللحظة التي يتغنى فيها المصريون في ميادين التحرير في مصر بالثورة التي أعقبتها ثورة، لا أعتقد أن نجم طرب كثيرا للمسألة، فهو لايستمتع إلا بالجلوس معنا في قعدتنا البلدي في ميريت أو غيرها ليغني أشعاره التى نحفظها جميعا عن ظهر قلب. تعود علاقتي بنجم إلى منتصف السبعينيات حين كان يصطحب الشيخ إمام ليغنيا معا عن الاشتراكية والشعب والثورة والفقر والفول وبهية، وحين تنتهي الحفلة نشرف جميعا في البوكس أو ننضرب على باب مدرج (78) في كلية الآداب بجامعة القاهرة، هذه هي ذكرياتي مع نجم، نغني معه ثم ننضرب بالقايش والبيادة والمرزبة لنركض ونافوخ كل واحد فينا مفتوح نصفين، ومع ذلك كنا سعداء، لقد ذهبت آثار الضرب وبقيت آثار شعر نجم في أنفسنا ومخيلتنا وتتردد على ألسنتنا جميعا. كان نجم يهبنا الحماس، كان يأتي هاربا من البوليس ويهرب بعد الحفلة هاربا من البوليس، كانت الجامعة مهد الديمقراطية التي صنعها نجم والشيخ إمام في ربوع المحروسة، وحين انسحب نجم من الجامعات ومات الشيخ إمام أصبحت الجامعات سداحا مداحا للجماعات الإسلامية التي شهدت مولدها في السبعينيات أيضا، كانت مصر تتغير وكانت حرب الدولة مع الإرهاب قد بدأت لم يتدخل فيها الشعب، لأن الدولة كانت مهمومة بمحاربة الإرهاب من جانب وتسمين العجول التي ستجلس على كراسي الوزارات من جانب آخر، لذلك لم يشارك الشعب في حرب الدولة على الإرهاب، هاهو الموقف قد تغير وشارك الشعب في الحرب على الإرهاب فهل ستتغير الدولة أم تعود ريما لعادتها المقندلة! أعود لعمنا الكبير والشاعر العظيم أحمد فؤاد نجم، إن شعره الغنائي والشعبي حمال أوجه، فكل كلمة يمكن أن تعطى معنى آخر، معنى ملتبسا يتفق مع الأوضاع الراهنة ومع التاريخ ومع الصراع الطبقي والمذهبي الدائر في المحروسة ليل نهار، وطبعا لأن الدولة مش حنينة مع نجم وترى أن جائزة النيل يمكن أن تذهب لفلان وعلان ممن هم أصحاب الوزير، وكل وزير في كل عصر وأوان، ولانعدام المعايير وانعدام الكفاءة من الأساس واضمحلال القدرة على الاختيار فإن جوائز الدولة توزع وفق خاطر إلهي يخطر لأعضائها، أو وزيرها، وليس وفق مقادير علمية وفنية وفكرية محددة، لكل ذلك لايمكن لنجم ولاشمس ولا قمر أن يحصل على جائزة الدولة بل تذهب لحاملي البخور وموزعي البركات. دعوني أستعير كلمات الألوسي وهو يتحدث عن شعر نجم "صوت 'الغلابة'، "إن أحمد فؤاد نجم زادت نجوميته لما تحول إلى صوت 'الغلابة' والمقهورين وكلماته يرددها الصغير والكبير، ثم لمّا ارتبطت كلماته بغناء الفنان الراحل الملتزم الشيخ إمام، حيث غنى هذا الأخير العديد من قصائده المتسمة بطابع السخرية والوطنية المصرية، وأضفى استثمار الصورة الكاريكاتيرية ميزة بنيوية أخرى على شعره".. إن أكبر جوائز أحمد فؤاد نجم الرسمية كانت حين اختير عام 2007 سفيراً للفقراء على رأس المجموعة العربية لصندوق مكافحة الفقر التابع للأمم المتحدة، لكن جائزته الحقيقية هي شعبيته وحب المصريين.. مبروك يانجم.. إحنا نموت في الفقر! [email protected]