فاطمة الزهراء بنت المصطفى- صلى الله عليه وسلم- أحب بناته إلى قلبه فاطمة الزهراء؛ أم أبيها، ووالدتها خديجة بنت خويلد بن أسد القرشية، ولقبها الزهراء والبتول، والصديقة والمباركة والطاهرة والراضية والمرضية وكنيتها أم الحسن وأم الحسين، وكان يطلق عليها أم النبي صلى الله عليه وسلم لحنانها عليه وحبها الدائم له، أو أم أبيها لأنها عاشت مع والدها الرسول عليه السلام بعد موت والدتها تراعي أمره وتشد من أزره. قيل أنها سميت الزهراء لأنها حين وضعتها السيدة خديجة، رضي الله عنها، حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم، وبذلك لقبت بالزهراء، وقيل إنها سميت الزهراء، لأنها كانت لا تحيض، وكانت إذا ولدت طهرت من نفاسها بعد ساعة حتى لا تفوتها صلاة. وأما لقب المحدثة فلأن الملائكة كانت تهبط من السماء فتناديها، كما كانت تنادي مريم ابنة عمران، عليهما السلام، ويحدثها روح القدس، وأما ألقاب الصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية، فهي آيات على ما اتسمت به الزهراء، رضي الله عنها، من الصدق والبركة والطهارة والرضى والطمأنينة. وأما لقب « البتول » فذلك لانقطاعها عن نساء زمانها فضلًا ودينًا وحسبًا، وقيل لانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى، وفي تاج العروس للزبيدي، لقبت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبتول تشبيهًا لها بمريم في المنزلة عند الله تعالى. عندما قاربت فاطمة على الثامنة عشرة أقبل الخاطبون على الرسول- صلى الله عليه وسلم- يطلبون يدها، تقدم إليها أبو بكر ثم تقدم عمر- رضى الله عنهما- ولكن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- ردهما ردا لطيفا، ربما لأنه كان يرجو لها على ابن أبي طالب - رضي الله عنه- زوجا، ولكنه لم يشأ أن يفاتحه فيجعل حياءه يغلب رغبته الحقيقية. وتشجع علي، وأخذ طريقه إلى ابن عمه، حتى إذا جاءه حياه بتحية الإسلام، ثم جلس قريبا منه على استحياء، لا يذكر حاجته، وأدرك- صلى الله عليه وسلم- أن أخاه وابن عمه وصاحبه جاء لأمر لا يقوى على الإفصاح عنه، فأقبل عليه يسأله في تلطف: ما حاجة ابن أبى طالب؟. أجاب بصوت خفيض، وهو يغض من بصره: ذكرت فاطمة بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم-. قال الرسول ولا يزال على بشره وتلطفه:" مرحبا وأهلا ". كانت تلك مقدمة الخطبة، عرف على أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يرحب به زوجا لابنته فاطمة فلما مرت أيام ذهب إلى رسول الله وكرر طلبه إليه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:" ما تصدقها ؟" قال: ما عندي ما أصدقها! قال -عليه الصلاة والسلام-: فأين درعك الحطمية التي كنت منحتك؟ قال: هي عندي. قال سيد المرسلين: أصدقها إياها. طيب.. ووليمة : وعندما جاء موعد الزواج بفاطمة باع على« بعيره وبعض متاعه بأربعمائة وثمانين درهما استعدادا لهذا الحدث العظيم، ولما أبلغ الرسول بما فعل قال له-عليه الصلاة والسلام-: اجعل ثلثين في الطيب وثلثا في المتاع، والرسول كان شديد الحب للطيب، ومن هنا أوصى عليا أن يكثر يوم عرسه من الطيب. وقال -عليه الصلاة والسلام- لعلي أيضا: يا على.. إنه لابد للعروس من وليمة، وهنا ينهض المجتمع المتكافل بجزء من تكاليف العرس، فيقول سعد – أحد الأنصار -: عندي كبش، ونهض جماعة من الأنصار فأحضروا آصعا من ذرة وأقاموا وليمة على وفاطمة. وجهز رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابنته بسرير ووسادة من أدم حشوها ليف وإناء للشرب من (الجلد) وقربة، وجاء القوم ببطحاء فطرحوها في البيت. ولما كانت ليلة الزواج قال رسول الله -عليه الصلاة والسلام- لعلي: لا تحدث شيئا حتى تلقاني. وذهب رسول الله -عليه الصلاة والسلام- إلى العروسين فدعا بإناء فتوضأ فيه ثم أفرغه على علي « ثم قال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في نسلهما، ودعا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ابنته فاطمة، فجاءت تمشى على استحياء تتعثر في ثوبها من شدة الحياء، ونضح رسول الله عليها من ذلك الماء ودعا لها، ثم قال: يا فاطمة، والله ما ألوت أن زوجتك خير أهلي. وعاش الزوجان ولم يكن في بيتهما من المتاع سوى فراش من أدم وسقاء وجرتين. وأنجبت فاطمة الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب. * حياء فاطمة الزهراء: لما مرضت «فاطمة الزهراء» رضي الله عنها مرض الموت الذي توفيت فيه، دخلت عليها «أسماء بنت عميس» رضي الله عنها تعودها وتزورها فقالت «فاطمة» ل «أسماء» والله إني لأستحي أن أخرج غدا (أي إذا مت) على الرجال جسمي من خلال هذا النعش!! وكانت النعوش آنذاك عبارة عن خشبة مصفحة يوضع عليها الميت ثم يطرح على الجثة ثوب ولكنه كان يصف حجم الجسم، فقالت لها «أسماء» أو لا نصنع لك شيئًا رأيته في الحبشة؟ فصنعت لها النعش المغطى من جوانبه بما يشبه الصندوق ودعت بجرائد رطبة فحنتها ثم طرحت على النعش ثوبًا فضفاضا واسعا فكان لا يصف، فلما رأته «فاطمة» قالت ل «أسماء»: سترك الله كما سترتني!! فهي أول امرأة غطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة، فما أشد حياءها حتى بعد مماتها.