قام فضيلة الشيخ الجليل الدكتور أسامة السيد الأزهري بعمل رائع يعيد إلى الناس معالم المنهج الأزهري الذي خفت، واحتل بعض التيارات المنحرفة مكانه، وشُوهت معالم الدين. وهدم المنهج الأزهري في صناعة العلماء جعل السطحيين وقصارى النظر يربط فكر هذه الجماعات بفكر الأزهر الشريف، ويظن أن ما يصدر عن هذه الجماعات من تصرفات همجية وعبثية هو نتاج المنهج الأزهري في صناعة العلماء. فتأتي هذه الجمهرة في هذا الوقت العصيب لتعيد التصور الصحيح عن الأزهر الشريف وعلمائه الذين كانوا ملء السمع والبصر، ونشروا هدايات الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن قبل هذا إعداد كبير لشخصية العالم الأزهري الذي جلس سنين عديدة في الأزهر الشريف على أيدي علماء أجلاء مهرة في العلوم، فتعلم العقيدة الصحيحة التي هي عقيدة أهل السنة، وعقيدة علماء الأزهر الشريف الذي رضي هذه العقيدة المستمدة من عقيدة السلف الكرام، والتي حافظت على هوية الأمة وجمعت بين العقل والنقل: 1- تعلم العلوم الشرعية التي تعينه على فهم الوحي الإلهي، وعكف على أيدي مشايخه سنين عديدة حتى صقل هذه العلوم من نحو وصرف وبلاغة ومنطق وعلم أصول الفقه والفقه وعلوم الحديث، التي بدون تحصيلها وإتقانها يصدر عنه أقوال وأفعال لا تمت إلى صحيح الدين بصلة، كما هو الحال في منهج الجماعات المتطرفة، فالطالب فيه يجلس مع الشيخ الشهر والشهرين، ثم ينطلق بعد هذا ليتحدث في الدين والشأن العام. 2- ثم دراسة مذهب فقهي من المذاهب الفقهية الأربعة المعتمدة في المدارس العلمية ليعرف أصوله وقواعده وكيف استخرج الفروع الفقهية من الكتاب والسنة، وما هي العلوم الضرورية في بناء شخصية الفقيه وأهمية اطلاعه على الواقع وكيفية الربط بينهما وإنزال الحكم عليه، في حين أن الجماعات المتطرفة تعتبر المذاهب الفقهية خلت من أدلة الكتاب والسنة، ودعت إلى الرجوع إليهما جهلا بحقيقة المذاهب والبناء المحكم الذي قامت عليه، ورضيته الأمة منذ قرون. 3- هذا إلى جانب امتزاج العلم بالتزكية والعبادة والإقبال على الله، فيبين فضيلة الدكتور أسامة الأزهري أنه بجوار الحركة العلمية كان الأزهر معمورا بالصالحين والذاكرين، فيصنع العلماء العارفين الذين تظهر عليهم أنوار الولاية والصلاح، فتعلقت قلوب الناس بهم وأحبتهم. حقيقة إن ما قام به فضيلة الدكتور من بيان قيمة وقامة الأزهر، وأنه كما يقول في الجمهرة 1/118: "الأزهر في حقيقته صانع العقول"، كشف عن حقيقة الأزهر الذي حاز على ثقة المسلمين في العالم، والذي توجه إليه طلاب المعرفة من كل الدنيا لينهلوا من علومه على أيدي علمائه الكرام، ثم يعودوا إلى بلادهم ليستكملوا رسالته، وينشروا العلم والأمن والأمان في بلادهم. والأمل معقود على فضيلته في إعادة الوعي بمنهج المدرسة الأزهرية والتحذير من فرق الضلال التي شوهت النسق العلمي، وأخرجت لنا نماذج- اغتر العوام بهم- خرجت بأفكار دمرت الأوطان وسفكت الدماء واختلت على أيديهم قيم الدين الحنيف، أسأل الله تعالى لفضيلته التوفيق والسداد، وأن يجزيه الله تعالى عن الأزهر والمسلمين خير الجزاء.