رئيس ضمان جودة التعليم: الجامعات التكنولوجية ركيزة جديدة فى تنمية المجتمع    إتاحة الاستعلام عن نتيجة امتحان المتقدمين لوظيفة عامل بالأوقاف لعام 2023    قطع المياه عن نجع حمادي.. وشركة المياه توجه رسالة هامة للمواطنين    الحكومة: نرصد ردود فعل المواطنين على رفع سعر الخبز.. ولامسنا تفهما من البعض    «حماس» تصدر بيانًا رسميًا ترد به على خطاب بايدن.. «ننظر بإيجابية»    محامي الشحات: هذه هي الخطوة المقبلة.. ولا صحة لإيقاف اللاعب عن المشاركة مع الأهلي    رونالدو يدخل في نوبة بكاء عقب خسارة كأس الملك| فيديو    أحمد فتوح: تمنيت فوز الاهلي بدوري أبطال أفريقيا من للثأر في السوبر الأفريقي"    هل يصمد نجم برشلونة أمام عروض الدوري السعودي ؟    حسام عبدالمجيد: فرجانى ساسى سبب اسم "ماتيب" وفيريرا الأب الروحى لى    هل الحكم على الشحات في قضية الشيبي ينهي مسيرته الكروية؟.. ناقد رياضي يوضح    محامي الشحات: الاستئناف على الحكم الأسبوع المقبل.. وما يحدث في المستقبل سنفعله أولًا    مصارعة - كيشو غاضبا: لم أحصل على مستحقات الأولمبياد الماضي.. من يرضى بذلك؟    اليوم.. بدء التقديم لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي على مستوى الجمهورية    32 لجنة بكفر الشيخ تستقبل 9 آلاف و948 طالبا وطالبة بالشهادة الثانوية الأزهرية    استمرار الموجة الحارة.. تعرف على درجة الحرارة المتوقعة اليوم السبت    اعرف ترتيب المواد.. جدول امتحانات الشهادة الثانوية الأزهرية    صحة قنا تحذر من تناول سمكة الأرنب السامة    أحمد عبد الوهاب وأحمد غزي يفوزان بجائزة أفضل ممثل مساعد وصاعد عن الحشاشين من إنرجي    دانا حلبي تكشف عن حقيقة زواجها من محمد رجب    الرئيس الأمريكي: إسرائيل تريد ضمان عدم قدرة حماس على تنفيذ أى هجوم آخر    "هالة" تطلب خلع زوجها المدرس: "الكراسة كشفت خيانته مع الجاره"    حدث بالفن| طلاق نيللي كريم وهشام عاشور وبكاء محمود الليثي وحقيقة انفصال وفاء الكيلاني    أبرزهم «إياد نصار وهدى الإتربي».. نجوم الفن يتوافدون على حفل كأس إنرجي للدراما    مراسل القاهرة الإخبارية من خان يونس: الشارع الفلسطينى يراهن على موقف الفصائل    عباس أبو الحسن يرد على رفضه سداد فواتير المستشفى لعلاج مصابة بحادث سيارته    "صحة الإسماعيلية" تختتم دورة تدريبية للتعريف بعلم اقتصاديات الدواء    ثواب عشر ذي الحجة.. صيام وزكاة وأعمال صالحة وأجر من الله    أسعار شرائح الكهرباء 2024.. وموعد وقف العمل بخطة تخفيف الأحمال في مصر    العثور على جثة سائق ببورسعيد    الأمين العام لحلف الناتو: بوتين يهدد فقط    سر تفقد وزير الرى ومحافظ السويس كوبرى السنوسي بعد إزالته    نقيب الإعلاميين: الإعلام المصري شكل فكر ووجدان إمتد تأثيره للبلاد العربية والإفريقية    كيف رفع سفاح التجمع تأثير "الآيس" في أجساد ضحاياه؟    "حجية السنة النبوية" ندوة تثقيفية بنادى النيابة الإدارية    ضبط متهمين اثنين بالتنقيب عن الآثار في سوهاج    «الصحة»: المبادرات الرئاسية قدمت خدماتها ل39 مليون سيدة وفتاة ضمن «100 مليون صحة»    وكيل الصحة بمطروح يتفقد ختام المعسكر الثقافى الرياضى لتلاميذ المدارس    وصايا مهمة من خطيب المسجد النبوي للحجاج والمعتمرين: لا تتبركوا بجدار أو باب ولا منبر ولا محراب    الكنيسة تحتفل بعيد دخول العائلة المقدسة أرض مصر    للحصول على معاش المتوفي.. المفتي: عدم توثيق الأرملة لزواجها الجديد أكل للأموال بالباطل    القاهرة الإخبارية: قوات الاحتلال تقتحم عددا من المدن في الضفة الغربية    «القاهرة الإخبارية»: أصابع الاتهام تشير إلى عرقلة نتنياهو صفقة تبادل المحتجزين    «ديك أو بط أو أرانب».. أحد علماء الأزهر: الأضحية من بهمية الأنعام ولا يمكن أن تكون طيور    الداخلية توجه قافلة مساعدات إنسانية وطبية للأكثر احتياجًا بسوهاج    ارتفاع الطلب على السفر الجوي بنسبة 11% في أبريل    «صحة الشرقية»: رفع درجة الاستعداد القصوى لاستقبال عيد الأضحى    وزير الصحة يستقبل السفير الكوبي لتعزيز سبل التعاون بين البلدين في المجال الصحي    مفتي الجمهورية ينعى والدة وزيرة الثقافة    الأونروا: منع تنفيذ برامج الوكالة الإغاثية يعنى الحكم بالإعدام على الفلسطينيين    الماء والبطاطا.. أبرز الأطعمة التي تساعد على صحة وتقوية النظر    «الهجرة» تعلن توفير صكوك الأضاحي للجاليات المصرية في الخارج    رئيس الوزراء الهنغاري: أوروبا دخلت مرحلة التحضير للحرب مع روسيا    «حق الله في المال» موضوع خطبة الجمعة اليوم    بمناسبة عيد الأضحى.. رئيس جامعة المنوفية يعلن صرف مكافأة 1500 جنيه للعاملين    السيسي من الصين: حريصون على توطين الصناعات والتكنولوجيا وتوفير فرص عمل جديدة    الحوثيون: مقتل 14 في ضربات أمريكية بريطانية على اليمن    أسعار الفراخ اليوم 31 مايو "تاريخية".. وارتفاع قياسي للبانيه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. خيرى فرجاني أستاذ علم السياسة: الأنظمة السابقة مسئولة عن تفشي «الأصولية» في مصر

* "داعش" أقام سوقًا للنخاسة وبيع النساء وأعاد نظام ملك اليمين ونكاح المتعة والسبي والخطف والقتل والذبح
* تخلف المجتمعات الإسلامية وراء سيطرة الفكر الأصولى على جميع مناحى الحياة
* الدين يحفز البشر على إعمار الأرض بعكس هؤلاء الذين يريدون قيادة المجتمع للخلف
* العزلة والتعصب والشعور بالدونية والاستعلاء والعدوانية والعنف والطاعة العمياء سمات الشخصية المتطرفة
* الدول التي سقطت في براثن الإرهاب والفوضى لم تعد كما كانت
* منذ السبعينيات ونحن نفكر بطريقة أصولية دون أن ندرى
أجرى الحوار: أحمد فوزي سالم
عدسة : أميرة سيد
كان فولتير، فيلسوف التنوير الفرنسي، يقول دائما: «قبل أن تتحدث معي حدد مصطلحاتك».. هذا الرجل الذي رحل منذ نحو 300 عام، كأنه يعيش معنا في عالم اليوم، الذي تسبح فيه المصطلحات في حياتنا اليومية، دون أن نعرف هويتها وحقيقتها ومآلاتها، وفي القلب من هذه الكلمات التي باتت مألوفة دون أن نفهمها بشكل واضح «الأصولية».
تتعدد مفاهيم هذا المصطلح الذي يحوي سرطان العصر، وتتناقض تفسيراته بعضها مع بعض، لذا كان ل«فيتو» حوار مع الدكتور خيري فرجاني، أستاذ علم السياسة بأكاديمية السادات، والباحث في شئون الجماعات الإسلامية، وسألناه سريعا:
يكثر الحديث عن الأصولية ووسط تعريفاتها الكثيرة قد يتوه المعنى.. باعتبارك أكاديميًّا متخصصًا ما المقصود بكلمة أصولية لغةً واصطلاحًا؟
-الأصولية لغة من أصول، وهي مأخوذة من الفعل أصل، وأصل الشيء إذا عاد به إلى الأصول والثوابت، كما يعني أيضًا الأساس الذي يقوم عليه الشيء، وفى اللغات الأخرى مثل الإنجليزية، يطلقون كلمة أصولية، ويقصدون بها مطابقة الأصول، وهي ترجمة للفظ الإنجليزي (Funamentalism)، ويعرف الأصليون بأنهم هؤلاء الذين يناضلون من أجل الأصول، ومهاجمة تيار نقد الأناجيل، ونقد النظريات العلمية.
إذن هو مصطلح غربي النشأة؟
-نعم.. هذا صحيح.
ولماذا يطلق هذا المصطلح إذن على بعض العلوم الشرعية في الإسلام بجانب تيارات الإسلام السياسي؟
-مصطلح أصول، يُطلق بالفعل على بعض العلوم الشرعية في الإسلام، فيقال، على سبيل المثال، علم أصول الفقه، كما درج استعماله بالصورة التي عليها الآن مع ظهور ما يعرف بالإسلام السياسي، وأصبح يطلق على تلك الجماعات، على اعتبار أنها تريد الرجوع إلى الأصول، واستحضار النموذج الأول للإسلام، في عصر النبوة والخلافة الراشدة.
وبالتالي المقصود بالأصولية، هو العودة إلى الأصول، ومحاولة التمسك الحرفي بالنصوص، والسعي إلى تطبيقها على الواقع الراهن بشكل كامل وشامل، دون مراعاة للمستجدات والضرورات في الواقع المجتمعي الحديث، وتكون هذه الرؤية الشاملة هي النهج المتبع في كل شيء، سواء كانت أمورًا سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية، أو ثقافية.
ولكن ليس الإسلاميون وحدهم الذين يريدون إخضاع الحاضر لحرفية النصوص الدينية؟
-كما أسلفنا، الأصولية كمصطلح هي ببساطة شديدة، نسق في الرؤية والمنهج يسعى لإخضاع الحاضر وتطويعه لحرفية النصوص، فهي تسعى لفرض النصوص الدينية المقدسة والتراث على كل شئون الحياة والمجتمع، وتفسير كل شيء والحكم عليه بمقتضاها، بحيث تصبح هذه النصوص هي المعيار الأساسي والوحيد لتقييم السلوك بل وكل شئون الحياة، دون مراعاة لما يستجد من أوضاع وأحوال مستحدثة في الحياة، وبالتالي كل من يفكر بهذه الطريقة هو أصولي بالطبع.
الأصولية توسع دائرة المحرمات، وتضيق على الحريات بما يحدث صدامًا بين الحديث والقديم.. هل يعني ذلك أنها ضد تطور الإنسان؟
-بالتأكيد الأصولية من عدة أوجه، هي رؤية تمامية أو كمالية شاملة، إذ لا شيء خارجها، وهي متعصبة لرؤيتها، وترفض كل ما يخرج عما تراه رفضًا يصل إلى حد الإقصاء والتكفير.
ماذا تعني الثنائيات في الفكر الأصولي.. حلال وحرام.. كافر ومؤمن.. دار حرب ودار سلام.. إلى آخر هذه المصطلحات المعروفة، والتي تردد كثيرًا على أسماعنا في وسائل الإعلام؟
-الفكر الأصولي يدور حول البحث عن الحقيقة المطلقة، فهي أيديولوجية ذات مضمون «ميتافيزيقي»، وهو منظور ثابت «استاتيكى» لا يعترف بالحركة والتطور، ولا يعترف بالتغيرات التي قد تحدث في المجتمع، فالعبرة عند هذا الفكر، بما يتفق مع النص وأحكام الدين أو ما يخالفها.
ولكن هذا ضد منطق الإبداع في الحياة.. هل يدرك الأصوليون ذلك؟
-الفكر الأصولي يرفض الإبداع في مجال شئون الحياة من الأساس، فالتعددية في الآراء عنده تدور في فلك تهيمن عليه المذهبية، وهذه المدارس المذهبية تتعارض مع مقتضيات المدنية الحديثة، لذا لا تجرؤ الأصولية على الانتقال إلى الإبداع في شئون المجتمع، فالخلافات المذهبية مثلا بين السنة والشيعة، أو داخل كل فرقة، هي اختلاف في إطار التراث المزعوم، على أن التراث يقدم لها الحلول الصحيحة من أجل مواجهة التحديات، ولذلك فهي لا تتجاوز تكريس الممارسات الطقوسية التي تمثل عودة إلى العصور الوسطى.
وما أركان الفكر الأصولي؟
-الفكر الأصولي يقوم على أساس أنه يملك الحقيقة المطلقة، فالعصور الوسطى ليست مرحلة تاريخية انتهت، وإنما هي حالة فكرية وذهنية، وهو أسلوب في التفكير، وحالة قابلة للتكرار في مجتمعات كثيرة، ومعروف في الدوائر الأكاديمية المعنية بهذا الفكر، أن العصور الوسطى ليست تلك المرحلة التاريخية التي انقضت منذ عدة قرون، وإنما وضعٌ نجد له متشابهات في العصر الحديث، فهذه الجماعات تريد أن تقفز على الزمن، وتعود بالمجتمعات إلى حالة الخلف دائمًا.
وحدث ذلك بالفعل بعد أن أقام "داعش" سوقًا للنخاسة وبيع النساء، وأعاد نظام ملك اليمين، ونكاح المتعة، والسبي والخطف والقتل والذبح، فكل من يفكر على أساس أنه يملك الحقيقة المطلقة، أو يتخذ سندا وحيدا لرأيه من خلال الاستشهاد بالنصوص دون تأويل، أو أقوال السلف دون نقد أو تمحيص، يفكر بالطبع بعقلية القرون الوسطى، حتى لو كان يعيش في الألفية الثانية.
ولكن الفكر الأصولي منتشر بصورة كبيرة في الساحة الفكرية ويلقى رواجًا كبيرًا حتى الآن رغم محاصرته والتضييق عليه؟
-لأن أصحابه يروجون الكتب المعبرة عنه باعتبارها من التراث الديني المتأصل في نفوس الملايين الذين يبحثون عن الدين الحق.
جميع الأديان كافة سواء كانت سماوية أو وضعية دعت إلى قيم إنسانية عليا.. لكن لماذا تتبع الأصوليات الدينية مفاهيم مخالفة لما جاءت به هذه الأديان؟
-الدين يوجه حياة الأفراد والمجتمعات، فهو يحفز البشر على إعمار الأرض، وعلى القيام بكل ما فيه صلاح الإنسان والمجتمع، كما أنه قوة من أجل التقدم والتغيير ودافع للعطاء الاجتماعي، ولكن هؤلاء يريدون قيادة المجتمع للخلف حسب منطقهم الذي يعتقدونه.
التجربة أثبتت أن الدول التي وقعت في شراك الأصولية لا تعود متماسكة كما كانت.. لماذا برأيك؟
-واقع المجتمعات الإسلامية الآن، وما وصلت إليه من تراجع وتخلف، وواكب ذلك سيطرة للفكر الأصولي على جميع مناحي الحياة، وعلى أسلوب ومنهج التفكير، هو الذي ساعد بالأساس على ظهور هذه التيارات الإرهابية، التي تمارس القتل والذبح والتدمير ونشر الفوضى، وبالتأكيد كل الدول التي سقطت في براثن الإرهاب والفوضى، لم تعد كما كانت، فقد حوّلت الأصوليات بعض الدول في المنطقة، إلى ما يعرف في علم السياسة ب«شبه الدولة»، والأمثلة كثيرة مثل ليبيا وسوريا والعراق.
التدين الشعبي لم يستطع التصدي للتطرف والترويع والتوحش الذي كان يرتكب تحت راية الإسلام، خصوصًا في السنوات التي أعقبت ثورات الربيع العربي.. كباحث ومتخصص ما الذي يقف وراء ضعف الوعي الشعبي بالدين؟
-أخطر شيء أحدثته الأصولية بالدين والمجتمع على حد سواء، وصراحة ودون مواربة، جاء بسبب غياب دور الدولة، وخاصة الأنظمة السابقة طوال العقود الماضية، التي تُركت فيها البنية الفكرية في المجتمع والأفراد، فريسة للتطرف الذي هيمن عليها بشكل أو بآخر، وأثر ذلك على مفاهيم المجتمع وتوجهاته الفكرية، فضلا عن البنية الفكرية لدى الأفراد، أي طريقة تفكيرهم، لذا نحن نفكر بطريقة أصولية دون أن ندرى، سواء في طريقة تربية الأبناء، أو طريقة الملبس.
وأصبح هناك تمايز واختلاف واضح بين المسلم بلباسه وسلوكه عن غير المسلم، رغم أنه في الستينيات والسبعينيات، وقبل تغول الفكر الأصولي لم يكن هناك اختلاف وتمايز بين أبناء الوطن الواحد، لا في السلوك، ولا في المظهر الخارجي.
ما السمات العامة التي تميز الشخص الأصولي؟
-من الصعوبة بمكان أن نفهم ظاهرة الأصولية، دون أن نحدد تركيب شخصية الفرد الأصولي المتطرف، كما تشكلها البيئة المأزومة والمحيط الثقافي لتلك الشخصية المتطرفة، فهناك بعض الصفات والملامح العامة للشخصية، ويمكن رصدها بسهولة، أهمها العزلة، والتعصب الشديد، والشعور بالدونية، والاستعلاء على المجتمع، والعدوانية، والفاشية، وعدم التسامح، والارتياب، النظرة التآمرية، والجمود، والعنف، والقسوة، والتسلطية، والطاعة العمياء.. إلخ.
ويمكن القول باختصار إن الأصولية أسلوب في التفكير، يخضع لمفاهيم وتعاليم وتقاليد في قوالب جاهزة لا تقبل التغيير، بغض النظر عن تغير الزمان والمكان، فهي نزعة تقاوم التغيير والتقدم والتطور والاختلاف، وترفض الحداثة، وتتجه إلى الماضي.
هل هناك مساحة من الاختلاف أو قبول الرأي الآخر لدى التيارات الأصولية.. بمعنى أوضح هل يمكن أن يكون هناك مجال للالتقاء والتفاهم على أرض واحدة معهم؟
-في الواقع، الاختلاف من وجهة نظر المتعصب يمثل حالة من الخلل والشذوذ، فالمخالف له، مبتدع وضال وكافر، وكل من يجرؤ على الاختلاف يستحق القتل والتدمير، فلا مجال إذن للاختلاف مع شخص لديه نزوع عدواني تدميري، يسعى بكل قوته لإخضاع المجتمع لفكره وتعاليمه، ونشر أفكاره، وفى سبيل تحقيق هذه المهمة التي يراها مقدسة يرتكب العديد من الأفعال الإرهابية الإجرامية.
بث عمليات القتل والتدمير وبث روح الكراهية من الدواعش وغيرهم.. إلى أي مدى تساهم في تدمير صورة الأديان بشكل عام وزيادة مستوى الإلحاد؟
-يسعى الإرهابيون إلى إشاعة مناخ من التخويف والرعب والإرهاب، وأصبحت تلك الجماعات الإرهابية المتطرفة في عالمنا العربى تشبه إلى حد كبير الحركة الفاشية الأوروبية في الثلاثينيات من القرن الماضي، كلاهما يتبنى خطابًا غوغائيًا، ويتوجه بخطابه هذا إلى جماهير مهزومة يائسة.
فقد ظهرت الفاشية في أوروبا عقب الأزمات الاقتصادية والسياسية التي حدثت بعد الحرب العالمية الأولى، وظهرت الفاشية الدينية في مصر والعالم العربي بعد نكسة 1967، وانهيار النظام الناصري ومجيء الرئيس السادات الذي سعى إلى بعث الأصولية الإسلامية ليستعين بها على ضرب اليسار، والتخلص من الحرس القديم.
وهذه الجماعات تمجد ثقافة الموت والفناء، ويتضح ذلك من خلال سلوكهم العدواني العنيف الذي يعتمد على التصفية الجسدية للخصوم والمخالفين لهم في الرأي أو العقيدة، حيث تهيمن غريزة الموت على غريزة الحياة، وتنتشى تلك الجماعات لرائحته، وتعتمد في خطابها على التذكير الدائم به وعذاب القبر، كما تركز على الجانب السوداوي والمأساوي للحياة، وتبتعد كل البعد عن الجوهر الروحي للإسلام بوصفه دينًا يقوم على التسامح والحرية وعمارة الكون وحب الحياة، وليس على الكرة والتعصب وحب الفناء.
ومن ثم، لم يعد مستغربًا أن يعلن تنظيم القاعدة عن هذه النظرة للحياة بقوله: "أنتم تحبون الحياة، ونحن نحب الموت"، إنها "النزعة التدميرية"، على حد تعبير "إريك فروم" عالم النفس الألماني، الذي ربط بشكل وثيق بين السلوك العدوانى والنزعة التدميرية العدوانية لدى الإنسان، ومن هنا يمكن فهم ظاهرة العنف والإرهاب، خاصة عندما تمتزج الدوافع التدميرية بدوافع مثالية، التي هي مجرد ذريعة لتلك الشهوات والدوافع التدميرية.
معنى ذلك أن العدوانية التي تمارس باسم الدين هي شهوة لدى هؤلاء بالأساس والدين مجرد ذريعة لممارستها على نطاق واسع ؟
-نعم.. فالشخصيات الإرهابية التي تمارس العنف باسم الدين، تميل بطبيعتها إلى القتل والتدمير وتتلذذ بعذاب الآخرين، وهي ذلك النمط من الشخصيات التي يطلق عليها فروم إردريك النمط "النكروفللي"، تسيطر عليه دوافع الموت، ويندفع أصحابه لممارسة العنف بشكل هوسى، نظرا لإيمانهم المطلق بأنهم يمارسون نوعا من الجهاد المقدس، وأنهم بفعلهم هذا إنما يطبقون شريعة الله.
وهذه العدوانية ليس لها هدف أو غاية، بل هي عشوائية وعبثية وتنال من الكثير من المدنيين الأبرياء، وربما تنال من الحياة ذاتها، ومن ثم، فهي تخطئ أهدافها وتنحرف عن غايتها، لذا كان واضحا بشدة أن معظم التفجيرات التي يقوم بها داعش تصيب المدنيين من أبناء الشعب العراقى، ونادرا ما كانت توجه نحو الجيش الأمريكى.
كثير من التحليلات والدراسات المعنية أكدت أن العدوان المترتب على الأصولية رغبة في تحقيق الذات؟
نعم.. هذا صحيح فالعدوانية التي يمارسها الأصوليون، مصدرها السخط على الحياة، والفشل والإخفاق وعدم القدرة على التواصل الإيجابي مع الواقع، وبالتالي هي عدوانية مبعثها الرغبة في تحقيق الذات، ولكن على نحو منحرف، فالإحساس بالعجز والخواء لدى هذه الجماعات الإرهابية، يقودها إلى الانتقام والتدمير، لأنه الفعل الوحيد للخلاص، بالنسبة للإرهابي لإنقاذ نفسه من عالم لا يمنحه أي أمل أو عزاء وإنما فقط يسحقه ويقهره.
البعض يرى إشكالية الفهم المتباين للنصوص الدينية وراء ارتكاب مثل هذه الأفعال الإرهابية؟
-نحن نواجه إشكالية حقيقية في فهم النصوص، خصوصا عند محاولات تطبيقه وإنزالها على الواقع الحالي، فالأحاديث والآيات التي تناولت الحرب والجهاد على سبيل المثال، كانت تخص فترة تاريخية، ومرحلة سياسية معينة، ومن الخطأ محاولة استحضار هذه النصوص وتطبيقها على الواقع، هذا خلط للأمور.
*الإعلام الداعشي وغيره من الأذرع الدعائية للجهاديين يعتبرون من يقتل نفسه عن طريق التفجير وتفخيخ السيارات شهيدا.. هل تكون الشهادة على هذا النحو؟
هذه التفجيرات الانتحارية تستهدف تدمير الذات أولا، ثم تدمير الآخر من خلال إحداث أكبر قدر ممكن من الرعب والخسائر الوحشية، وهي أكثر الأساليب الإرهابية شيوعًا في الآونة الأخيرة، ويفعلون ذلك باعتبارهم استشهاديين، في حين يتناسون أن الشهيد الحقيقي، هو الذي يتخلى عن كل شيء، ويستشهد دفاعا عن قيمة تؤكد الحياة ولا تنفيها، كما أن الشهيد الحقيقي هو الذي يجعل من موته حياة لآخرين، وليس موتا للأبرياء، وإزهاق أرواح الأطفال والنساء، وتلخيصا لكل ذلك هذا النوع من المنتحرين، يسقط ضحية الخداع وغسيل الأدمغة، ويندفع في ضوء وهم البحث عن البطولة والخلود، إلى التورط في هذه الأعمال الإجرامية.
ولماذا يفرط الانتحاري في جسده وحياته بهذه السهولة؟
-الانتحاري، إنسان معدم مقهور، يحاول أن يؤكد ذاته ووجوده أمام نظام قاسٍ صارم لا يعرف الرحمة ولا المهادنة من وجهه نظره، ولأن الانتحاري لا يمتلك سوى جسده «الذي يمثل في مخيلته رمزا للمدنس»، جسرا للوصول إلى الجنة، وبالتالي يحاول أن يخلق شيئا من لا شيء، عبر الهدم والتدمير وإعدام الحياة.
بعيدا عن الشهادة والخلود.. تيري إيجلتون أستاذ الأدب الإنجليزي الشهير قال في كتابه الأشهر «الإرهاب المقدس» إن الأصوليين مهما كانوا بائسين أو مستنزفين فإنهم يتملكون قوة هائلة تحت تصرفهم وهي «القدرة على الموت».. برأيك أي قيمة أخلاقية يراها التفجيري في نفسه ويروجها لأتباعه لاستقطابهم لطريقه؟
-هؤلاء أفعالهم لا تؤسس لأي قيمة أو هدف أخلاقي، سوى تدمير ذاتهم وتدمير الآخر، وهم بعيدون كل البعد عن أن يقدموا عملا إيجابيا أو أخلاقيا، فالمفجر الانتحاري هو أقرب ما يكون إلى الإنسان العدمى، الذي ينشر الموت والدمار، عبر تحطيم العالم وتدميره.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.