الدكك الخشبية هى أهم ما يميز منطقة «كوم الدكة» التاريخية بالإسكندرية، التى تقع على ربوة مرتفعة فى وسط المدينة، ولها أحد عشر مدخلاً ، وهى مسقط رأس فنان الشعب سيد درويش، فقد كان يعيش فيها ويجتمع حوله أهالى المنطقة على الدكك للاستماع لغنائه وعزفه. وتضم هذه المنطقة عددًا من المعالم الأثرية التى أكسبتها أهمية كبرى، من أبرزها: المسرح الرومانى ومنزل سيد درويش، فضلاً عن عدد كبير من السراديب التى تربط كوم الدكة بشارع «النبى دانيال» من ناحية وبالشلالات من ناحية أخرى، وقد كان الرومان والبطالمة يستخدمون هذه السراديب أثناء وجودهم بالإسكندرية ويقطنها حالياً العديد من النوبيين. حى كوم الدكة هو الوحيد فى الإسكندرية الذى يحافظ على بيوته القديمة ذات الطابع المعمارى المميز، التى لا تزيد على أربعة طوابق، ويقع بالحى شارع «علوة الحكيم» وبه منزل إمام الملحنين سيد درويش، ذلك المنزل الذى شهد طفولته ونزوله من خشبة البناء ليعتلى خشبة المسرح. لم تشتهر المنطقة فقط بالأماكن الأثرية وسيد درويش، فقد شاركت «كوم الدكة» فى الثورات المصرية، بداية من ثورة 1919 مروراً بثورة يوليو 1952 ووصولاً إلى ثورة 25 يناير 2011، ولكن المشاركة اختلفت بطريقة الأشخاص الذين كان لهم تأثير واضح فى كل فترة، فمثلاً فنان الشعب سيد درويش كان يحث الجماهير على مقاطعة الإنجليز، ويطالبهم بالمقاومة، وقد ألهب حماسة الشعب بالنشيد الوطنى «بلادى بلادى لكى حبى وفؤادى»، منذ ثورة 1919 حتى ثورة يناير المباركة. كوم الدكة تضم أيضاً رابطة مشجعى نادى الاتحاد السكندرى، الذى خرج محمد إبراهيم المزاتى الشهير ب «بوبو»، وعادل البابلى ورزق نصار ومدحت وردة، وتضم أكبر شريحة من مشجعى النادى الذى يلقب بزعيم الثغر، وفى مقدمتهم جمال الدولى ومحمد أوتوبونج، والرابطة ذات دور بارز فى المنطقة، وتحتل المرتبة الأولى فى عدد المشجعين، فضلاً عن وجود الكبار منهم الذين ابتكروا هتافات لا تزال تتردد حتى الآن، ومنها «مدد مدد مدد ...الاتحاد سيد البلد» . عم حسن النوبى -من سكان المنطقة ويبلغ من العمر ثمانين سنة قال ل«فيتو»: إن المنطقة لا تزال تتمتع بروح سيد درويش، فهناك المقاهى الثقافية والموسيقية التى تنتشر فيها حفلات الغناء التراثى والفرق الداعمة للفن القديم، مضيفًا إن المنطقة بحاجة لمزيد من الاهتمام لتكون مزاراً سياحياً، من خلال إعادة بناء منزل سيد درويش الذى تحول إلى كوم تراب. وطالب بضرورة وضع تمثال لسيد درويش أمام منزله المواجه للأوبرا ، مشيراً إلى أنه لم يفكر أحد فى السعى لإحياء فكرة ترميم منزله الذى أصبح أطلالاً، حتى الأوبرا التى حملت اسمه بالإسكندرية لم تضع له صورة أو تمثالاً فى مدخلها، بل وضعت تمثالاً ل»نوبار باشا» -أول رئيس وزراء فى مصر وهو من أصل «أرمينى»- ليعيد التاريخ نفسه ويثبت أن خير مصر ليس لمصر. وأضاف عم حسن: إن الدولة لم ترد الجميل لفنان الشعب سيد درويش حتى بعد وفاته، فقد حاول كثيرون الاستيلاء على مدفنه بمقابر المنارة، فى انتهاك واضح لحرمة الأموات، وهو القبر الذى كتب عليه فنان الشعب سيد درويش «يا زائرى لا تنسنى من دعوةٍ لى صالحة .. وارفع يديك إلى السماء واقرأ لروحى الفاتحة». وقال محمد أوتوبونج «النوبى»: إن سر وجود النوبيين فى «كوم الدكة» هو حبهم للمناطق المرتفعة، وهو ما تتميز به المنطقة، فضلاً عن الهدوء الذى تتميز به عن شوارع ومناطق الإسكندرية، فلا تلوث والشوارع ضيقة ونظيفة، ولا يمكن لأى غريب أن يسكن فى كوم الدكة غير أهلها .