أهلها يوصفون بالتمرد .. والثورة وقصيدة هجاء تسببت فى مقتل 20 ألفاً منهم تعرضت لزلازل مدمرة أدت لانهيار منارتها الشهيرة ونهبها الفرس والصليبيون اختارها الإسكندر الأكبر فأصبحت قديمة قدم التاريخ ويحكى كل حجر بها حكاية خالدة فى تاريخ مصر والعالم، أنها مدينة الاسكندرية التى بناها الإسكندر الأكبر فى 21 يناير عام 331 «ق. م» لتصبح أكبر مدينة فى حوض البحر الأبيض المتوسط. ففى بداية القرن الرابع قبل الميلادى، لم يكن هناك شىء سوى رمال بيضاء وبحر واسع وجزيرة ممتدة أمام الساحل الرئيسى تدعى «فاروز»، بها ميناء عتيق، وعلى الشاطئ الرئيسى قرية صغيرة تدعى «راكتوس» يحيط بها قرى صغيرة أخرى تنتشر كذلك ما بين البحر و بحيرة مريوط، يقول عنها علماء الآثار إنها ربما كانت تعتبر موقع استراتيجيا لطرد الغزاة من حين إلى آخر من الناحية الغربية لوادى النيل أو لربما كانت «راكتوس» مجرد قرية صغيرة تعتمد على الصيد. كلف الإسكندر المهندس الإغريقى «دينوقراطيس» بتخطيط الإسكندرية, بجوار قرية قديمة للصيادين كان يطلق عليها راكوتا «راقودة», وقد شهدت عملية بناء وتطوير كبيرين بعد موته وطوال فترة حكم البطالمة، حيث تم وصل المنطقة المائية ما بين جزيرة الفاروز والمدينة. «أصل النبى دانيال» وبدأ ذلك الردم كخط طويل ضيق، اتسع بمرور الزمن ليكون تلك الأرض المعروفة الآن منطقة «المنشية»، كما تم بناء سور للمدينة، له بوابتان: بوابة شرقية، أطلق عليها «بوابة الشمس» وبوابة غربية، أطلق عليها «بوابة القمر».. كما تم عمل شارعين رئيسيين أحدهم عامودى على الآخر، أحدهم معروف الآن بشارع «النبى دانيال» (شارع سوما فى العهد الإغريقى)! وكذلك تم ربط الإسكندرية بنهر النيل عن طريق حفر قناة من فرع النيل الذى كان يمتد حتى أبى قير والمعروف ب»كانوبص» (الآن جاف),حيث كان للنيل عدة فروع بجانب فرعى رشيد ودمياط، وسرعان ما اكتسبت شهرتها وأصبحت مركزًا ثقافيًا وسياسيًا واقتصاديًا، وأصبحت عاصمة لحكم البطالمة فى مصر وكان بناء المدينة أيام الإسكندر الأكبر امتدادا عمرانيا لمدن فرعونية كانت قائمة وقتها ولها شهرتها الدينية والحضارية والتجارية.. وكانت بداية بنائها كضاحية لمدن هيركليون وكانوبس ومنتوس وكانت تتسم فى بدايتها بالصبغة العسكرية كمدينة للجند ثم تحولت أيام البطالمة الإغريق إلى مدينة ملكية، ذات حدائق وأعمدة رخامية بيضاء وشوارعها متسعة، واكتسبت شهرتها من جامعتها العريقة و مجمعها العلمى«الموسيون» ومكتبتها التى تعد أول معهد أبحاث حقيقى فى التاريخ ومنارتها التى أصبحت إحدى عجائب الدنيا السبع فى العالم القديم. ومن بين أساطين علماء الإسكندرية «إقليدس» عالم الهندسة الذى تتلمذ على يديه أعظم الرياضيين أرشميدس وأبولونيوس بالإضافة إلى هيروفيلوس فى علم الطب والتشريح وإراسيستراتوس فى علم الجراحة وجالينوس فى الصيدلة وإريستاكوس فى علم الفلك وإراتوستينس فى علم الجغرافيا وثيوفراستوس فى علم النبات وكليماكوس وثيوكريتوس فى الشعر والأدب فيلون وأفلاطون فى الفلسفة وعشرات غيرهم أثروا الفكر الإنسانى بالعالم القديم. البطالمة كانوا حريصين على تقسيم المدينة إلى ثلاثة أحياء أو أقسام يونانى (حى بروشوم)، مصرى (حى راكتوس والمعروف الآن بكوم الدكة)، يهودى (فى المنطقة الشرقية من المدينة) مما كان له أثر السلبى فى ظهور بعض الاضطرابات منذ عهد بطليموس الرابع (221-204 ق م) الذى خاض حروبًا فى فلسطين أدت فى النهاية لضياع الشام من قبضة مصر، وكان لضياع الشام أثرا سلبيا على يهود الإسكندرية الذين أظهروا كثيرا من التمرد والعنف طيلة ال 30 عامًا التالية حتى سقوط البطالمة. «العصر الذهبى» العصر الذهبي للإسكندرية كان وبحق من نصيب أول 3 حكام بطالمة، وذكر بعض المؤرخين أنه تم حرق مكتبة الإسكندرية الشهيرة فى ذلك الوقت فى صراع يوليوس قيصر مع بطليموس الثالث عشر(أخو كليوباترا), ودخلت كليوباترا فى علاقة حب مع يوليوس قيصر(الذى قتل فى عام 44 ق م) وعثر الباحثون عن آثار الإسكندرية القديمة وأبو قير تحت الماء على أطلال غارقة عمرها 2500 سنة لمدن فرعونية- إغريقية.. ولا تعرف حتى الآن سوى من خلال ورودها فيما رواه المؤرخون الرحالة أو ما جاء بالأساطير والملاحم اليونانية القديمة. بدأ الرومان حكمهم بإلغاء مجلس المدينة فى الإسكندرية (ما يعرف بالبرلمان حاليًا)، مما أثار الاحتجاج والغضب، كذلك تم نزع جميع القوى عن الأسرة البطلمية، مما أدى إلى ظهور طبقة من الأثرياء النبلاء بلا عمل وزادت الضرائب. و خوفاً من الطبيعة المتمردة الثائرة التى وصف بها أهل الإسكندرية في تلك الحقبة وكذلك ذكرى نهاية كليوباترا ومارك أنتونى في المدينة وما صاحب تلك الفترة من توتر، فقد فكر الإمبراطور الرومانى أغسطس فى بناء مدينة جديدة شرق الإسكندرية مباشرة، والتى عرفت فيما بعد ب «نيكوبوليس» وأصبحت جزءا من الإسكندرية والمعروفة الآن بمنطقة «الرمل»! وتم فيما بعد بناء مكتبة كبيرة بها «كازيروم»، حاول الرومان بها جذب العلماء و المفكرين, وقد ظلت الإسكندرية أكبر مدينة فى الإمبراطورية الرومانية الواسعة بعد روما العاصمة، وكذلك تم تجديد وإعادة حفر القناة القديمة التى كانت تربط نهر النيل والبحر الأحمر لخدمة التجارة، وأعطى الرومان لليهود فى الإسكندرية - الذين كانوا يمثلون جزءًا أساسيًا من التركيبة السكانية للمدينة - حريات كثيرة وسمح لهم بإدارة شئونهم الخاصة. «الثورة فى دم أهلها» غير أن كل ذلك لم يوقف حركات التمرد و التوتر فى المدينة والتى وصف أحد الكتاب القدماء أهلها بأنهم «الأكثر رغبة فى الثورة والقتال من أى قوم آخر»! فمن تمرد اليهود عام 116 م.. والتوتر المتواصل بين اليهود واليونان على مسائل قديمة,فضلاً عن احتجاج السكندريين بصفة عامة على الحكم الرومانى، والذى أدى فى عام 215 م، وعلى إثر زيارة الإمبراطور الرومانى إلى الإسكندرية إلى قتل ما يزيد على 20 ألف سكندرى بسبب قصيدة هجاء قيلت فى الرجل! بدأ عصر جديد من الاضطهاد استهدف المسيحيين فقتل القديس مرقص فى الإسكندرية عام 62 م وهو الذى أدخل الديانة المسيحية إلى مصر وكلما زاد عدد المؤمنين زاد الاضطهاد، حيث كانت روما تريد فرض عبادة الإمبراطور وكذلك العبادات الوثنية على المصريين! ومن الصعب أن نقدر على وجه التحديد أعداد أولئك الذين استشهدوا من جراء موقفهم المناوئ للرومان في سبيل دينهم ولا شك أن أعدادهم كانت بالآلاف (يقول بعض المؤرخين إن عدد الشهداء وصل إلى 144000 شهيد خلال 9 أعوام) حتى أن الكنيسة القبطية أطلقت على هذا العصر «عصر الشهداء» واتخذتها بداية للتقويم القبطى المعروف بتقويم الشهداء، وأمام ذلك فر البعض بدينهم إلى الصحراء بقصد التعبد والتنسك ومن هنا قام نظام الرهبنة الذى هو فى الأصل مصرى. ودخل الفرس الإسكندرية ونهبوا المدينة وقتلوا الكثير من أهلها وفى أماكن أخرى من مصر أحدث الفرس مذابح مشابهة، ولم يدم الحكم الفارسي إلا بضع سنين، حيث استطاع الإمبراطور هرقل استرداد ممالكه ورجعت الإسكندرية من جديد تابعة للإمبراطورية البيزنطية الرومانية، وكانت أكثر الغزوات الفارسية شراسة على يد دارا الأول. وتعرضت المدينة لعدة زلازل قوية (أعوام 956 ثم 1303 ثم 1323) أدت إلى تحطم منارتها الشهيرة حتى أن الرحالة ابن بطوطة عندما زار الإسكندرية فى عام 1349 لم يستطع السير عند موقع المنارة من كثرة الحطام! «إيد واحدة ضد الصليبيين» كما تعرضت الإسكندرية لهجمات صليبية كان آخرها فى 1365 ميلادية، عانت فيها من أعمال قتل دون تمييز بين مسلم ومسيحي ونهب وضربت المساجد، إلا أنه وفى عام 1480 قام السلطان المملوكي قايتباي ببناء حصن للمدينة لحمايتها في نفس موقع المنارة والمعروفة الآن ب«قلعة قايتباى»، حيث حظيت الإسكندرية فى عهده بعناية كبيرة. وجاءت الحملة الفرنسية على مصر ودخل جنود الحملة الفرنسية الإسكندرية فى الأول من يوليو عام1798 دون مقاومة تذكر، ورغم أن أفراد الحملة لم يكن لديهم لا الوقت ولا الرغبة فى إعادة الحياة إلى الإسكندرية، فإن تلك الحملة كانت بمثابة إنذار ب»اليقظة» إلى كل المصريين! وسرعان ما التحمت القوات البريطانية مع الفرنسية في الإسكندرية فى عام 1801 م فى معركة أدت لخروج القوات الفرنسية من مصر، لتدخل الإسكندرية ومصر بصفة عامة مرحلة جديدة من الاحتكاك الثقافى، يتم الاستفادة منه فى جميع المجالات.