يا لهذه البقرة الغريبة ... ويا لهذا العجل المحظوظ ... إنها بقرة استحوذت على تفكير البشر منذ بدء الخليقة ، وهو عِجل سيطر على اهتمام الأمم منذ بدء الحضارة الإنسانية ، ويبدو أن هناك علاقة ما.. نشأت ما بين البشر والبقر !! ففي اللغة العربية تجد فارقاً بسيطاًَ بين الكلمتين .. فما عليك إلا أن تضع حرف «القاف» بدلاً من حرف «الشين» حتى تنقلب الكلمة رأساً على عقب ... كما أن لك أن تضع حرف «القاف» بدلاً من حرف الجيم في كلمة «العجل» ليصبح «العقل» هو سيد الموقف ، ولك أن تتساءل عن هذا السبب الذي جعل التراث الإنساني كله تقريباً يحتفي بالبقر والعجول ويجعل لهم موضعاً متميزاً في كافة الحضارات. ونظراً لأن البشر احتفوا بالبقر على مر العصور فقد أظهر الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم مظاهر هذا الاحتفاء، ففي القرآن الكريم تجد أكبر سورة فيه هي سورة «البقرة» وتجد العديد من الآيات التي تحدثت عن البقر وعن العجول ، كما أن سورة «يوسف» تحدثت عن البقر وأثره في الحضارة المصرية القديمة إذ قال ملك مصر في عهد سيدنا يوسف لرجال بلاطه «إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف» أما في الهند فقد عبدوا البقر وقدسوه وأقاموا له المعابد وقدموا له القرابين ، كما أن الأدب الهندي القديم أفرد للبقر مكانة خاصة ولك أن تقرأ «كليلة ودمنة» حتى تعرف قيمة البقر لدى الهنود ، ومنها قصة «أُكلت يوم أن أٌكل الثور الأبيض» ، أما في الصين فإن تعاليم «كونفوشيوس» رفعت البقر فوق مستوى جميع الحيوانات بل إن كونفوشيوس طلب من تلاميذه التحلي بأخلاق البقر ، وإذا كنت من الشغوفين بالحضارة الفرعونية فليس عليك إلا أن تنظر لحوائط المعابد الفرعونية القديمة لتجدها وقد ازدانت بالأبقار والثيران وكأن المصري القديم كان حريصاً أشد ما يكون الحرص على تقديس الأبقار !! . ومن عمق فهم المصريين للبقر فإنهم أطلقوا على حاكمهم المخلوع لقب «البقرة الضاحكة» والغريب أن هذه البقرة بعد أن كانت « تتضرع « للشعب وتحرك «أشداقها» طمعا في رضاه قلبت النواميس وبدلا من أن يحلبها المصريون وينعمون بلبنها فإنها قامت بحلب المصريين ثلاثين عاما وكانت من فرط طمعها ترغب في إكمال مسيرتها عن طريق ابنها العجل ورجال «حظيرته» ولكن وقعت « البقرة « وعلى رأي المثل «إن وقعت البقرة كترت سكاكينها» ومن غرائب تلك البقرة أن خرج لها أنصار رشحوا أنفسهم في انتخابات الرئاسة وأخذوا ينظرون للمخلوع وهو يحزق فيحزقون مثله !! وعلى رأي المثل « البقرة بتولد فلماذا يحزق الثور ؟ قالوا آهو تحميل جمايل» !! .