تكتب: أما بعد.. فإني أحببتك شاردة وتائهة كأنني قد فقدت شيئا وربما قد وجدت ما أخشى فقده، لم آبه يوما بهذا أو ذاك، لم أهتم يوما بما عساي أقول أو أفعل، فأنا التي اعتبرها الجميع "صاحبة اللحظة الأخيرة"، تلك التي تحطم أرقاما قياسية في إنجاز الأمر في وقته بدل الضائع. اعتدت الأمر؛ فأفعل ما يستهويني فعله، وأترك ما عداه، لم يتمكن أحد من أن يصبح نقطة فاصلة في مصيري، الجميع مجرد مراحل ورحلات مختلفة، رحلة تلو الأخرى، لا ضير من وداعهم جميعا، في فترة ما وجدتني سر قوتي ولا سواي! وكأنما أصمد وأصمد لأخبرني في النهاية أنني سأنجو، فالغرق لا يليق بي! ظلام حالك خيم على الفؤاد، كأنما أوصدته من سنوات وعاهدت مالكته ألا يُفتح مهما طُرق بابه! أعلم أن الأمر لم يكن صدفة أبدا، وإن كانت فعلها الصدفة الأجمل على الإطلاق! أذكر أنني تركت العنان لتفكيري الذي طالما كبحت زمامه خشية الانزلاق في معترك الهوى، أيعقل أنني الآن أسلم رايتي! تلك الفتاة العنيدة المكابرة، العاقلة، وجنونها يشتد، لا تبالي، لكنها دائما ما تساند، روح تخشى اللقاء، لأن الفراق ذكره يرهبها! لم تغامر لأن المغامرة ستفقدها الكثير، هي التي اعتادت اللجوء للزاوية خافتة الإضاءة، تبثها همومها ومنغصات عيشها بعيدا عن العالم الخارجي البائس. وجدته مختلفا كثيرا، ليس كما اعتادت أن تغلق الباب، بل قليلا قليلا تشرق شمسها، لعله متخبط قليلا وشارد كثيرا، لكنها وجدت الأمان شيئا فشيئا. خوفها يقل، ويزداد تعلقها، بل، وإن أردت الحقيقة قل، تفتقده كثيرا! كأنه ولا سواه أصبح من تلوذ به، كأنها وجدت حصنها المنيع، تبادله الشعور وإن عظم، تشعر بارتباكه، وأوصال فكره المتقطع، إلا أنها تشعر بأنه من عليها مرافقته الدرب، لا تآبه للصعاب، ولم تضع أية عواقب وعوائق في حسبانها، وهي التي اعتادت حساب الخطوة قبل أن تطأ قدماها أعتاب المكان. لا بأس، ستخطو في سبيله لنهاية المطاف الذي لم تضع له نهاية، علها إخبارات الحياة وللقدر، بيد أنها أقرت به وبقائها رغم المحن، لن تغادر دنياه؛ وها هي تقرر وهي على الأعتاب أنها مرابطة حتى تلاقيها المنية ولن تفارق، فسلام على من ذاب قلبه بالهوى، ولا هوى بعد هواكمُ يُهتوى!