برحيل الأنبا ساويرس، أسقف دير المحرق في القوصية شمال محافظة أسيوط، في الحادى والعشرين من يوليو الماضي، اشتد الصراع بين رهبان الدير على "الكرسي"، خاصة أن رئيس دير المحرق دائما ما يطلق عليه "بطريرك الصعيد"، ما جعل المنافسة شديدة بين رهبان الدير، رغم أن خلافة أسقف كالأنبا ساويرس، أمر صعب للغاية. اختيار رئيس لدير ما، يخضع لترتيبات معينة، ودائما ما يتيح بابا الكنيسة، الفرصة للرهبان لاختيار رئيس للدير، يتوافق عليه الجميع، بغرض الحفاظ على استقرار الحالة الروحية والاجتماعية في الأديرة، وتجنب الخلافات والانقسامات التي من الممكن أن تحدث، وفى حال عدم التوافق على رئيس بعينه، تجرى انتخابات بين أسماء يرشحها رهبان الدير أيضا، لاختيار أحدها، ومن الممكن أن يرسم بابا الكنيسة أسقفا للدير مباشرة، إذ لم يرض بالترشيحات المطروحة، أو ظل الخلاف قائما بين الرهبان. جميع الشواهد الحالية تشير– بما لا يدع مجالا للشك- إلى أن الوضع في دير المحرق يتجه إلى الخيار الأخير، الذي ينتهى بتنصيب البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، رئيسا للدير، نظرا لحالة الصدام القائمة بين تكتلات الرهبان. البابا سار في الطريق المتبع، عند اختيار رئيس للدير، واجتمع برهبان دير المحرق، في المقر البابوى بدير الأنبا بيشوى في وادى النطرون، للتباحث حول اختيار رئيس للدير خلفا للراحل الأنبا ساويرس. اللقاء لم يمر بالسهولة المتوقعة، وكشفت مصادر ل"فيتو"، أنه استمر لأكثر من 7 ساعات متواصلة، تناقش خلالها البابا مع الرهبان حول أحوال الدير، والوضع في الصعيد عموما، ثم طلبهم بترشيح خليفة الأنبا ساويرس في رئاسة الدير. ترشح لرئاسة الدير ما يقرب من 8 رهبان، وانحصرت المنافسة بين ثلاثة مرشحين حصدوا أعلى الأصوات، وهم "القمص بيجول، والقمص أرسانيوس، والقمص مينا"، ومن المنتظر أن يعلن اسم الأسقف الجديد خلال الأيام القليلة المقبلة. الأحداث وفق المعلن تسير كما هو متبع، لكن على أرض الواقع يشهد الدير حالة من الارتباك الشديد، بين الرهبان الذين ينتظرون بشغف الأسقف الجديد، خوفا على ميراث الأنبا ساويرس، خاصة أن نسبة الأصوات التي جاءت بالمرشحين الثلاثة، من الممكن أن تصل إلى نصف عدد رهبان الدير فقط. وأوضحت المصادر أن عدد رهبان دير المحرق يصل إلى 170 راهبا، شارك منهم في اللقاء الذي عقده البابا تواضروس في دير الأنبا بيشوي، ما يقرب من 100 راهب، بينما تعثر ذهاب كبار السن، وهؤلاء منحوا أهل الثقة توكيلات للمشاركة في الانتخابات على رئاسة الدير بالنيابة عنهم، الغريب في الأمر أن نصف رهبان الدير أبطلوا أصواتهم رفضا للترشيحات المطروحة، بينما اختير المرشحين الثلاثة بنصف الأصوات فقط، وهو ما أثار تعجب البابا تواضروس الثاني، خاصة أن الفوارق في الأصوات بين الرهبان الثلاثة لم تكن كبيرة. وكشفت المصادر أن حالة الانقسام التي يشهدها دير المحرق، والتي ظهرت جليا في الانتخابات التي أجريت لاختيار رئيس للدير، أثارت استياء البابا تواضروس، الذي كان يرغب في اختيار رئيس توافقى للدير، ليبعد بالدير من دائرة المشاحنات بين الرهبان. "تواضروس" وجه حديثه للرهبان بعد انتهاء عملية التصويت وفرز الأصوات، متعجبا من إبطال أكثر من نصف رهبان الدير أصواتهم، لإعلان رفضهم للأسماء المطروحة، كما أن البابا تعجب أيضا من التقارب الملحوظ بين الرهبان الثلاثة الذين انحصرت بينهم المنافسة على رئاسة الدير، وهو ما جعله يقول "يعنى مفيش واحد أقدر أقول إن الناس متفقة عليه". وأكدت مصادر ل"فيتو" أن البابا تواضروس، انفرد بعد انتهاء الفرز، بالرهبان الثلاثة، وقضى معهم ما يقرب من ساعة، وتوقع المصدر أن يكون البابا أراد اكتشافهم، والتعرف عليهم عن قرب، قبل أن يصدر قرار تنصيب أحدهم، خاصة أنه قرار لا رجعة فيه. وبحسب المصادر فإن "تواضروس"، أبدى عدم رضاه عن المرشحين الثلاثة، لعدم قناعته بأى منهم لتولى مسئولية الدير، خلفا للأنبا ساويرس، وقال لرهبان الدير "سيبوا لى الموضوع ده"، هذا في الوقت الذي أعلن الأنبا غبريال أسقف بنى سويف، المكلف بالإشراف على الدير لحين اختيار رئيس جديد، لأحد المقربين، عدم رضاه عن نتيجة الانتخابات، ولا يرى من بين الرهبان الثلاثة المرشحين أحدا يصلح للمنصب. من دير الأنبا بيشوى في وادى النطرون الذي عقد فيه اجتماع البابا والرهبان، إلى دير المحرق في أسيوط، حيث يشهد الدير جدلا واسعا، وتنافسية غير مسبوقة، تهدد استقرار الدير الذي يعتبر مقرا للبطريركية في الصعيد، وانقسم الرهبان إلى تكتلات، يقف كل منها خلف مرشح بعينه، بينما التزم البعض الحياد، وفضل عدم الدخول على خط المنافسة، أملا في الحفاظ على استقرار الدير. شيوخ الدير يشكلون تكتلا يدعم القمص مينا، أكبر المرشحين سنا، وهؤلاء من أنصار تولى الأكبر سنا رئاسة الدير، بغض النظر عن قدرته على الإدارة من عدمه، فيما يدعم الباحثون عن الرفاهية الأنبا أرسانيوس، الذي وعد بحسب مصادر "فيتو"، بتوفير سبل الرفاهية، وتحقيق متطلبات بعينها حال فوزه برئاسة الدير، أما رهبان الكلية الإكليريكية، فيدعمون القمص بيجول، المسئول عن الكلية، رغم أن مصادر أكدت أنه لم يكن ينتوى الترشح، إلا أن البعض زج به لخوض غمار الانتخابات بغرض تفتيت الأصوات. لم يكتف الرهبان الثلاثة المرشحون، أو الرافضيون لترشح الثلاثة بالحشد داخل الدير فقط، بل المنافسة تخطت أسواره لتصل إلى صناع القرار في الكنيسة، حيث كشف مصدر ل"فيتو"، أن المرشحين، وأنصارهم، والرافضين للثلاثة، يجرون اتصالات ملحة بأساقفة في دائرة صنع القرار في الكنيسة، والمقربين من البابا تواضروس، لتزكيتهم لديه، أو الضغط عليه، لفرض أحدهم دون إجراء انتخابات. البابا تواضروس أمام سيناريوهين لينهى أزمة الدير، إما أن يخضع للخيارات المطروحة، وينصب أحد المرشحين الثلاثة، خاصة في ظل الضغط الذي يمارسه أنصار كل مرشح، أو أن يختار راهبا من خارج الثلاثة، وينصبه مباشرة دون انتخابات، والسيناريو الأخير هو الأقرب، خاصة أنها رغبة الأنبا غبريال، أسقف بنى سويف، المشرف على الدير.