"ولما قالوا دى بنية قلت يا حيط اتهدى عليا"، وحيدة الأم بين الأمل والدعاء والرجا، أن ينتهى عذابها الطويل. قسوة كلمات الزوج والأهل والجيران قسوة تشعل فى القلب نار العجز وقلة الحيلة، شكوى الأم تسمعها الصغيرات فيظنن أنها حكاية قبل النوم بدموعها تهذى: "وهو بيدى يا ربى أعمل إيه كله من عندك يا سيدى يا رازق الدودة فى الحجر والطير على الشجر أطعمنى بولد يسند ظهرى ويستر بناتى". لدى الشيوخ والأولياء وقارئى الكف والدجالين خرجت تبحث عن حل لإنجاب الولد، ويا عذاب طول غيابه لم يبق لها إلا المعايرة بإنجاب ثلاث بنات تباعا، تركتهن بمفردهن من الشباك يرقبن خطواتها تبتعد ويلهين بمداعبة عصفورة تشبثت بحبل الغسيل، تسللت يد ذات العاشرة ببطء تمسك بالعصفورة. بلهفة تراقبها عيون أختيها جريحة تنزف وجدتها تأتى الأخت الثانية بالسكين قبل أن تنفق العصفورة، كالبغبغاء تردد ما سمعته من أمها قبل الذبح "بسم الله الله أكبر حلل ذبح الطير: "أنا عايزة العصفورة ألعب بها، تبكى الأخت الصغرى وتشاغب، بهمة ونشاط تشغل الفتيات وابور الجاز تغلى المياه وتفور. فى صرائر الأم بدولاب الخزين ملأت الفتيات بأكفهن الصغيرة ما طبخن به ملوخية ناشفة وأرزا مفلفلا وبقايا شوربة. منهكة تعود الأم بغبار الطريق وحمرة وهج الشمس تصبغ وجهها تستحلف كبرى البنات تسخن لها ما تبقى من العدس، طعام الأمس، بمكر وفخر تحضر الفتيات وليمة العصفورة تتساءل من أتى إليكم بهذا الطعام؟ بدهشة لا تصدق، يجلسن حولها يرفضن مشاركتها الطعام ببراءة: "إحنا أكلنا من بدرى" بحزن تستنكر الفتيات: لماذا يا أمى لم تأكلى لحم العصفور؟ مش عاجبك؟ تربت عليهم بحنان: دى كلها حتة زفر أشيلها لأبوكم الشقيان. تنام الفتيات يحلمن لو اصطدن كل عصافير الدنيا ليأكلها الأب الشقيان، تمضى الأسابيع والشهور، وبالاكتمال التاسع للبدر تعلو زغرودة، تغنى الأم وبناتها الثلاث "ولما قالوا ده ولد اتشد ظهرى واتسند".