كلماته كانت غاية في العذوبة.. سهلة إلى أبعد حدود السهولة، بسيطة إلى أعمق مدى، تصل إلى العامة ومحدودى الثقافة بسرعة خارقة، أفكاره في متناول الجميع، ليس فيها تعقيد ولا لبس، بل هي بسيطة للغاية، لا نجد أصدق منها للتعبير عما نرغب، هكذا حاول الكاتب السيد الحراني، وصف الدكتور مصطفى محمود، في كتابه «مذكرات د. مصطفى محمود». «الحراني» في كتابه «مذكرات د. مصطفى محمود»، عن مذكرات الدكتور مصطفى محمود، والتي سجلها معه قبل رحيله، ورصد في هذه المذكرات حياة الكاتب من الطفولة وحتى وفاته، والإجابة عن العديد من الأسئلة التي أثارت جدلًا كبيرًا في حياته، والتي استمرت بدون إجابات لفترة طويلة. بدأ «الحراني» حديثه عن رحلة مصطفى محمود من «بذرة الشك» التي انطلقت معه منذ الطفولة، ورافقته فترة الصبا، وخرجت عليه بأسئلتها الملحة التي تعرض لها، والتي كانت تدور في فلك «ما هي طبيعة العالم الذي يعيش فيه؟»، وأسئلة كثيرة تمكن من التغلب عليها بكل جرأة. ويروى أيضًا مصطفى محمود تفاصيل رحلته من الشك للإيمان بكل ما قابل من أسرار وخفايا في هذه الرحلة، والتي بدأت برفضه للمسلمات، ثم تكوينه جمعية للكفار، وهو في عمر اثنى عشر عاما، كما أعلن عن موقفه تجاه الفكر الماركسى وموقفه من الجماعات الدينية، والأحزاب السياسية، وسر علاقته الحميمة بالرئيس السادات، وعدائه الرهيب للرئيس جمال عبد الناصر، وكيف استطاع أن يعيش عاما كاملا من الاعتقال الفكري. تناول الكتاب أيضا دور النساء في حياة مصطفى محمود، الذي تزوج مرتين، ليصف زوجته الأولى «سامية» بأنها ملكة جمال قلبه، والتي استمرت عشر سنوات معه، ثم تزوج مرة ثانية ولكنه انفصل عنها بعد أربع سنوات من الزواج، وكشف «مصطفى» خلال مذكراته عن سبب فشل علاقته الزوجية والعاطفية رغم أنه صاحب «55 مشكلة حب». ورصد «الحراني» خلال فصول الكتاب مرحلة خلاف مصطفى محمود مع العدو الإسرائيلي، والتي ظهرت في الكثير من مقالاته بجريدة الأهرام، وحلقات برنامجه العلم والإيمان، والذي تسبب في انزعاج بعض الجمعيات الإسرائيلية، والذي أعقبه توجيه خطاب رسمى من إسرائيل للمطالبة بوقف مقالات مصطفى محمود في الأهرام، ومنع عرض برنامجه العلم والإيمان. كان من ضمن أجزاء «مذكرات د. مصطفى محمود»، رصد لأشهر الشائعات التي لحقت به طوال حياته، ويقول «الحراني» عندما حاولنا مواصلة ما تبقى من المذكرات الشخصية، وأدق الأسرار والتفاصيل الحياتية للدكتور مصطفى محمود، وجدنا أن الإجهاد قد ظهر عليه، وأمراض الشيخوخة قد نالت منه، والذاكرة قد ضعفت وعجزت عن سرد الكثير من تجاربه الشخصية، ولهذا تكلم آخر ما تكلم معنا عن مواقفه السياسية، والذي نفى شائعة تأييده لشعار الإسلام هو الحل، وانضمامه لأى حزب أو جماعة، وكانت من ضمن الشائعات التي حاول نفيها خلال مذكراته، هو اعتناق المسيحية وإصابته بالجنون، ليؤكد على أن المخابرات الإسرائيلية هي التي تحاول ترويج هذه الشائعات. في ختام كتاب «مذكرات د. مصطفى محمود»، ناقش الكاتب كل القضايا التي أثارها على مدار رحلته كان أبرزها: «حياته مع التصوف، ولغز الحياة بين أزمة الشفاعة وأزمة التفسير العصرى للقرآن»، ويقول الدكتور مصطفى محمود قبل الختام: «إن العقل لا يستطيع أن يحيط بالحقائق اللا محدودة، وإنه مهيأ بطبيعته لإدراك الجزئيات فقط، بينما هو قاصر عن إدراك الوجود الكلي، مثل الوجود الإلهي، وإنما عرفنا الله بالضمير وليس بالعقل».