تعرض الأرمن المقيمون بالدولة العثمانية في عام 1915 لمذبحة تاريخية خلفت ما يقارب مليون ونصف المليون ضحية وفقًا للرأى الأرمني، بينما يؤكد الأتراك أن ضحايا المذبحة لم يتجاوزوا 300 ألف قتيل، وظلت المذبحة على مدى قرن كامل مادة خصبة للأعمال الأدبية والتاريخية، نذكر منها رواية الكاتبة التركية إليف شافاق "لقيطة إسطنبول" إلى جانب الأبحاث والكتب التاريخية التي اتخذت من المذبحة نقطة انطلاق لإخراج أعمال ملحمية مهمة لتوثيق المذبحة. على غرار ذلك كتبت الصحفية التركية اجى تملكران سلسلة من المقالات بداية من عام 2006 مع توتر العلاقات بين تركياوأرمينيا، وتزامن هذا مع الوقت الذي كان فيه البرلمان الفرنسى يناقش قانون "تجريم الإبادة الجماعية للأرمن"، ولكن عقب اغتيال الصحفى والناشط التركي الأرمني هرانت دينك تطور الأمر ليصبح كتابا بعنوان "الجبل العميق"، يجمع مجموعة من الشهادات والرؤى المعاصرة حول القضية الأرمنية في كل من أرمينيا وفرنسا وأمريكا بل وحتى تركيا حاملة رؤية شاملة للقضية الأرمنية وذلك من زاوية إنسانية غاية في العذوبة والتفرد. وقام الكاتب ميسرة صلاح الدين بترجمة "الجبل العميق"، واستضاف المركز الدولي للكتاب ندوة لمناقشة الكتاب حضرها عدد من المهتمين بالأدب وحقوق الإنسان والقضية الأرمنية. قضية مثيرة للجدل قال محمد البعلي مدير دار صفصافة التي أصدرت "الجبل العميق" إن الدار اهتمت بنشر الكتاب لمناقشته قضية مهمة ومثيرة للانقسام والجدل كما أنه مكتوب بطريقة غير تقليدية. وتابع البعلي أن قصة الكتاب طويلة مع الكاتبة التي طورته من مجموعة مقالات إلى كتاب بعد مقتل صديقها الأرمني هرانت دينك، كما أن قصته طويلة مع الدار وقد بدأت عام 2014 حينما حاولوا ترجمة الكتاب ضمن برنامج لدعم الترجمة في تركيا فرفض لاعتراضهم على مضمون الكتاب، كما تقدموا أيضا لترجمة الكتاب في أرمينيا ورفض أيضا لأنه لا يحمل رواية رسمية أو اعتراف من الجانب التركى. الاعتراف الدولي بثانى أشهر مذبحة في العالم وقال أشرف ميلاد المحامى والباحث في مجال اللاجئين، إن القصص والروايات المدعومة إعلاميا حول القضية الأرمنية مختلفة، كما تكمن صعوبة الأمر في أنه حدث منذ 100 عام. وأضاف ميلاد أن مذبحة الأرمن هي ثاني أشهر مذبحة في التاريخ بعد الهولوكست، وإسرائيل لم تعترف بها حتى الآن حتى تكون الهولوكست فقط هي محط الأنظار، كما أنه لم يعترف بالمذبحة سوى 40 دولة حول العالم أي 15 بالمائة من دول العالم حيث إن الاعتراف بالمذبحة يخضع لتوازنات سياسية خصوصا بالعالم العربي. وتابع ميلاد قائلا إن كل قضية لها وجهتى نظر فوفقا لوجهة النظر الأرمنية فإن ضحايا المذبحة بلغوا مليون ونصف مليون ضحية أما الأتراك يَرَوْن إنهم لا يتجاوزن 300 ألف. الهوية الأرمنية وكراهية الأتراك وأشار الكاتب مدحت طه إلى أن ما كتبته اجى تملكران، يشبه ما فعلته الفائزة بجائزة نوبل في الأدب 2015، الكاتبة البيلاروسية سفيتلانا إليكسييفيتش، في كتاب "صلاة تشرنوبيل" حيث حصلت الكاتبة على مجموعة شهادات من الأرمن في أربع دول مختلفة هي أرمينيا وفرنسا وتركيا وأمريكا والكتاب مهم من وجهة نظر تتعلق بالأرمن وبشكل عام الإبادة العرقية وأيضًا قضية العولمة وتذويب الهوايات، لكن مثل هذا الكتاب لا يجيب عن كل التساؤلات لكنه يفتح أفق لقضايا مازالت تستدعي الانتباه. وأضاف طه أن المسألة الأرمنية لها نصيب أكبر من الإعلام مقارنة بمذابح أخرى وذلك نظرا لأن الأرمن موجودون بقوة، حيث إنهم توزعوا في دول مختلفة وتميزوا بها واشتهروا فيها لكنه عاب عليهم تنشئتهم للأطفال على كراهية الأتراك والمذبحة، مشيرا إلى أن الأطفال يتعلمون في صغرهم أن هناك مذبحة وهو ما يعد جريمة في تنشئة الطفل كما أنهم يحتفظون بهويتهم في أي مكان وهم ينمون الهوية بعداء وكراهية الأتراك. لكن الدكتور أرمن مظلوميان وكان من بين الحضور، صحح اعتقاد طه مؤكدا أن الأرمن ينشئون على الحب ولا يكرهون أحد وإن أرمينيا متبنية الاعتراف بالمذبحة في الأممالمتحدة حتى لا تتكرر ثانية. القراءة التاريخية للمذبحة وقال المترجم والشاعر ميسرة صلاح الدين إنه احتاج إلى قراءة تاريخية عن مذبحة الأرمن قبل أن يشرع في ترجمة الكتاب. وأضاف صلاح الدين أن الكاتبة قامت بمعادلة ذكية، حيث إنها لم تعبر عن رأيها في القضية بشكل مباشر وإنما قدمت شهادات للمجموعة من المرتبطين بالمسألة الأرمنية في أربع دول مختلفة كما أنها حاولت التقريب بين الأتراك والأرمن بالحديث عن أوجه الشبه بينهما.