وزارة العمل تعلن عن 2772 فُرصة عمل جديدة فى 45 شركة خاصة فى 9 مُحافظات    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم الجمعة 17-5-2024 بالصاغة    «القاهرة الإخبارية»: تصعيد غير مسبوق بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي    الأونروا: عدد النازحين من رفح تجاوز 630 ألف مواطن    الأحد.. محمد النني يودع جماهير آرسنال    تحرير 179 محضرا تموينيا في حملات مكبرة على الأسواق والمخابز بالمنوفية    «جمارك القاهرة» تحبط محاولة تهريب 4 آلاف قرص مخدر    آخر كلمات الإعلامي الرياضي أحمد نوير قبل رحيله.. لحق بوالدته بعد 4 أشهر    عيد ميلاد عادل إمام.. قصة زعيم تربع على عرش الكوميديا    تكريم فتحي عبد الوهاب وسلوى محمد علي في ختام «الفيمتو آرت للأفلام القصيرة»    أحمد السقا يطمئن الجمهور على الحالة الصحية لأحمد رزق.. ماذا قال؟    تصدير 25 ألف طن بضائع عامة من ميناء دمياط    افتتاح عدد من المساجد بقرى صفط الخمار وبنى محمد سلطان بمركز المنيا    اندلاع حريق هائل داخل مخزن مراتب بالبدرشين    كيف ينظر المسئولون الأمريكيون إلى موقف إسرائيل من رفح الفلسطينية؟    أدنوك تؤكد أهمية تسخير الذكاء الاصطناعي لإتاحة فرص مهمة لقطاع الطاقة    خدمة في الجول - طرح تذاكر إياب نهائي دوري الأبطال بين الأهلي والترجي وأسعارها    مؤتمر جوارديولا: نود أن نتقدم على وست هام بثلاثية.. وأتذكر كلمات الناس بعدم تتويجي بالدوري    حصاد نشاط وزارة السياحة والآثار في أسبوع    هيئة الإسعاف: أسطول حضانات متنقل ينجح في نقل نحو 20 ألف طفل مبتسر خلال الثلث الأول من 2024    المقاومة الإسلامية في العراق تقصف هدفا إسرائيليا في إيلات بالطيران المسيّر    البنك المركزي الصيني يعتزم تخصيص 42 مليار دولار لشراء المساكن غير المباعة في الصين    باقي كم يوم على عيد الأضحى 2024؟    بالصور- التحفظ على 337 أسطوانة بوتاجاز لاستخدامها في غير أغراضها    ضبط سائق بالدقهلية استولى على 3 ملايين جنيه من مواطنين بدعوى توظيفها    20 جامعة مصرية ضمن أفضل 2000 جامعة على مستوى العالم لعام 2024    آخر موعد لتلقي طلبات المنح دراسية لطلاب الثانوية العامة    توخيل يعلن نهاية مشواره مع بايرن ميونخ    كولر: الترجي فريق كبير.. وهذا ردي على أن الأهلي المرشح الأكبر    «المرض» يكتب النهاية في حياة المراسل أحمد نوير.. حزن رياضي وإعلامي    ما هو الدين الذي تعهد طارق الشناوي بسداده عندما شعر بقرب نهايته؟    إيرادات فيلم عالماشي تتراجع في شباك التذاكر.. كم حقق من إنطلاق عرضه؟    المفتي: "حياة كريمة" من خصوصيات مصر.. ويجوز التبرع لكل مؤسسة معتمدة من الدولة    خريطة الأسعار: ارتفاع الفول وتراجع اللحوم والذهب يعاود الصعود    وزير الإسكان: انتهاء القرعة العلنية لوحدات المرحلة التكميلية ب4 مدن جديدة    أيمن الجميل: مواقف مصر بقيادة الرئيس السيسي فى دعم الأشقاء العرب بطولية.. من المحيط إلى الخليج    كوريا الشمالية ترد على تدريبات جارتها الجنوبية بصاروخ بالستي.. تجاه البحر الشرقي    قافلة دعوية مشتركة بين الأوقاف والإفتاء والأزهر الشريف بمساجد شمال سيناء    في اليوم العالمي ل«القاتل الصامت».. من هم الأشخاص الأكثر عُرضة للإصابة به ونصائح للتعامل معه؟    كيف يمكنك حفظ اللحوم بشكل صحي مع اقتراب عيد الأضحى 2024؟    متحور كورونا الجديد الأشد خطورة.. مخاوف دولية وتحذير من «الصحة العالمية»    وفد اليونسكو يزور المتحف المصري الكبير    أوقاف دمياط تنظم 41 ندوة علمية فقهية لشرح مناسك الحج    الاتحاد العالمي للمواطن المصري: نحن على مسافة واحدة من الكيانات المصرية بالخارج    تفاصيل حادث الفنان جلال الزكي وسبب انقلاب سيارته    حركة فتح: نخشى أن يكون الميناء الأمريكي العائم منفذ لتهجير الفلسطينيين قسريا    بطولة العالم للإسكواش 2024.. هيمنة مصرية على نصف النهائى    افتتاح تطوير مسجد السيدة زينب وحصاد مشروع مستقبل مصر يتصدر نشاط السيسي الداخلي الأسبوعي    «واجبنا تجاه المنافع المشتركة والأماكن والمرافق العامة» موضوع خطبة الجمعة اليوم    سنن يوم الجمعة.. الاغتسال ولبس أحسن الثياب والتطيب وقراءة سورة الكهف    سعر جرام الذهب في مصر صباح الجمعة 17 مايو 2024    بعد حادثة سيدة "التجمع".. تعرف على عقوبات محاولة الخطف والاغتصاب والتهديد بالقتل    «الإفتاء» تنصح بقراءة 4 سور في يوم الجمعة.. رددها 7 مرات لتحفظك    محمد عبد الجليل: مباراة الأهلي والترجي ستكون مثل لعبة الشطرنج    «الأرصاد»: ارتفاع درجات الحرارة اليوم.. والعظمى في القاهرة 35 مئوية    استشهاد شاب فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي شمال الضفة الغربية    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف بسمة الفيومي.. طريقة عمل الكرواسون المقلي    لا عملتها ولا بحبها.. يوسف زيدان يعلق على "مناظرة بحيري ورشدي"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«هدي خير العباد» من «زاد المعاد».. 18
نشر في فيتو يوم 24 - 11 - 2016

مازالت القراءة مستمرة في كتاب «زاد المعاد في هدي خير العباد»، للإمام العلامة شيخ الإسلام؛ محمد بن أبى بكر بن سعد بن جرير الزرعى «ابن قيم الجوزية».. احتفاء واحتفالا بقرب قدوم ذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، خير الأنام محمد بن عبدالله، الرسول الكريم، صاحب القرآن العظيم والمعجزات الخالدة، والذي أعزه الله بها وجعلها شاهدة على صدق نبوته، وحمله لرسالة الإسلام للناس كافة بشيرا ونذيرا.. صلى الله عليه وسلم.. حيث ننهل من سيرته وهديه صلى الله عليه وسلم، ليكون شفيعا لنا يوم لا ينفع مال ولا بنون...
◄هديه صلى الله عليه وسلم في قيام الليل

قد اختلف السلفُ والخلف في أنه: هل كان فرضاً عليه أم لا؟ والطائفتان احتجوا بقوله تعالى: {وَمِنَ الْلَيْلِ فَتَهَجَّد بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإِسراء: 79] قالوا: فهذا صريح في عدم الوجوب، قال الآخرون. أمره بالتهجد في هذه السورة، كما أمره في قوله تعالى: {يَأَيُّهَا المزَّمِّلُ قُمِ الْلَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً} [المزمل:1] ولم يجىء ما ينسخُه عنه، وأما قولُه تعالى: {نَافِلَةً لَكَ} فلو كان المرادُ به التطوعَ، لم يخصه بكونه نافلة له، وإنما المراد بالنافلة الزيادة، ومطلقُ الزيادة لا يدل على التطوع، قال تعالى: {وَوَهَبنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء: 72]، أى زيادة على الولد، وكذلك النافلة في تهجد النبي صلى الله عليه وسلم زيادة في درجاته، وفي أجره ولهذا خصه بها، فإن قيامَ الليل في حق غيره مباحٌ، ومكفِّر للسيئات، وأما النبي صلى الله عليه وسلم، فقد غَفَرَ اللَّهُ له ما تقدم مِن ذنبه وما تأخر، فهو يعمل في زيادة الدرجات وعلو المراتب، وغيره يعمل في التكفير.
قال مجاهد: إنما كان نافلةً للنبي صلى الله عليه وسلم، لأنه قد غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكانت طاعته نافلة، أي: وزيادة في الثواب، ولغيره كفارة لذنوبه، قال ابن المنذر في تفسيره: حدثنا يعلى بن أبي عبيد، حدثنا الحجاج، عن ابن جريج، عن عبد اللّه بن كثير، عن، مجاهد قال: ما سوى المكتوبة، فهو نافلة مِن أجل أنه لا يعمل في كفارة الذنوب، وليست للناس نوافل، إنما هي للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، والناس جميعاً يعملون ما سوى المكتوبة لذنوبهم في كفارتها.

حدثنا محمد بنُ نصر، حدثنا عبد اللّه، حدثنا عمرو، عن سعيد وقبيصة، عن سفيان، عن أبي عثمان، عن الحسن في قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَة لَكَ} [الإسراء: 79]، قال: لا تكون نافلة الليل إلا للنبى صلى الله عليه وسلم. وذكر عن الضحاك، قال: نافلة للنبى صلى الله عليه وسلم خاصة.

وذكر سُليم بن حيان، حدثنا أبو غالب، حدثنا أبو أمامة، قال: إذا وضعتَ الطهورَ مواضعه، قمتَ مغفوراً لك، فإن قمتَ تصلي، كانت لك فضيلةً وأجراً، فقال رجل: يا أبا أمامة، أرأيت إن قام يصلي تكون له نافلة؟ قال: لا، إنما النافلةُ للنبي صلى الله عليه وسلم، فكيف يكون له نافلة، وهو يسعى في الذنوب والخطايا؟! تكون له فضيلة وأجراً قلتُ: والمقصودُ أن النافلة في الآية، لم يُرد بها ما يجوز فعلُه وتركه، كالمستحب، والمندوب، وإنما المراد بها الزيادة في الدرجات، وهذا قدر مشترك بين الفرض والمستحب، فلا يكون قوله: {نافلة لك} نافياً لما دلَّ عليه الأمر من الوجوب، وسيأتي مزيدُ بيان لهذه المسألة إن شاء اللّه تعالى، عند ذكر خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.

ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيامَ الليل حضراً ولا سفراً، وكان إذا غلبه نوم أو وجع، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة. فسمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية يقول: في هذا دليل على أن الوتر لا يُقض لفوات محله، فهو كتحية المسجد، وصلاةِ الكسوف والاستسقاءِ ونحوها، لأن المقصودَ به أن يكون آخرُ صلاة الليل وتراً، كما أن المغرب آخر صلاة النهار، فإذا انقضى الليل وصليت الصبح، لم يقع الوتر موقعَه. هذا معنى كلامه. وقد روى أبو داود، وابن ماجه من حديث أبي سعيد الخُدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ نَامَ عَنِ الوِتْرِ أَوْ نَسِيه، فَلْيُصَلِّه إذا أصبَحَ أَو ذَكَرَ)) ولكن لهذا الحديث عدة علل.

أحدُها: أنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف.

الثاني: أن الصحيح فيه أنه مرسل له عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال الترمذي. هذا أصح، يعني المرسل.

الثالث: أن ابن ماجه حكى عن محمد بن يحيى بعد أن روى حديث أبى سعيد: الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أَوْتِرُوا قَبْلَ أَن تصْبِحُوا)). قال: فهذا الحديث دليل على أن حديث عبد الرحمن واهٍ.

وكان قيامُه صلى الله عليه وسلم بالليل إحدى عشرة ركعة، أو ثلاثَ عشرة، كما قال ابن عباس وعائشة، فإنه ثبت عنهما هذا وهذا، ففي ((الصحيحين)) عنها: ما كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة. وفى ((الصحيحين)) عنها أيضاً، كان رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصلي من الليل ثلاثَ عشر ركعة، يُوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخِرِهِن والصحيح عن عائشة الأول: والركعتان فوق الإِحدى عشرة هما ركعتا الفجر، جاء ذلك مبيناً عنها في هذا الحديث بعينه، كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يُصلي ثلاث عشرة ركعة بركعتي الفجر، ذكره مسلم في ((صحيحه)). وقال البخاري: في هذا الحديث: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يُصلي بالليل ثلاثَ عشرة ركعة، ثم يُصلي إذا سمع النداء بالفجر ركعتين خفيفتين وفي ((الصحيحين)) عن القاسم بن محمد قال: سمعتُ عائشة رضي اللّه عنها تقول: كانت صلاةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل عشرَ ركعات، ويُوتر بسجدة، ويركع ركعتي الفجر، وذلك ثلاثَ عشرة ركعة، فهذا مفسر مبين.

وأما ابنُ عباس، فقد اختلف عليه، ففي ((الصحيحين)) عن أبي جمرة عنه: كانت صلاةُ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم ثلاثَ عشرة ركعةً يعني بالليل لكن قد جاء عنه هذا مفسراً أنها بركعتي الفجر. قال الشعبي: سألتُ عبد اللّه بن عباس، وعبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما، عن صلاةِ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالليل، فقالا: ثلاثَ ركعات ركعة، منها ثمان، ويُوتر بثلاث، وركعتين قبل صلاة الفجر. وفي ((الصحيحين)) عن كُريب عنه، في قصة مبيته عند خالته ميمونة بنت الحارث، أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى ثلاث عشرة ركعة، ثم نام حتى نفخ، فلما تبيَّن له الفجرُ، صلَّى ركعتين خفيفتينِ وفي لفظ: فصلَّى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاءه المؤذِّنُ. فقام فصلَّى ركعتين خفيفتين، ثم خرج يُصلي الصبح. فقد حصل الاتفاقُ على إحدى عشرة ركعة.

واختلف في الركعتين الأخيرتين هل هما ركعتا الفجر أو هما غيرهما. فإذا انضاف ذلك إلى عدد ركعات الفرض والسنن الراتبة التي كان يُحافظ عليها، جاء مجموعُ ورده الراتب بالليل والنهار أربعين ركعة، كان يُحافظ عليها دائماً سبعة عشر فرضاً، وعشر ركعات، أو ثنتا عشرة سنة راتبة، وإحدى عشرة، أو ثلاث عشرة ركعة قيامه بالليل، والمجموع أربعون ركعة، وما زاد على ذلك، فعارض غيرُ راتب، كصلاة الفتح ثمان ركعات، وصلاة الضحى إذا قَدِمَ من سفر، وصلاته عند من يزوره، وتحية المسجد ونحو ذلك، فينبغي للعبد أن يُواظب على هذا الورد دائماً إلى الممات، فما أسرع الإِجابة وأعجل فتح الباب لمن يقرعُه كلَّ يوم وليلة أربعين مرة. واللّه المستعان.

في سياق صلاته صلى الله عليه وسلم بالليل ووتره وذكر صلاة أول الليل.

قالت عائشةُ رضي اللّه عنها: ما صلَّى رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم العِشاء قطُّ فدخل علي، إلا صلَّى أربع ركعات، أو ست ركعات، ثم يأوي إلى فراشه.

وقال ابن عباس لما بات عنده: صلَّى العِشاء، ثم جَاء، ثُمَّ صلَى، ثم نام ذكرهما أبو داود. وكان إذا استيقظ، بدأ بالسواك، ثم يذكُر الله تعالى، وقد تقدم ذكرهما كان يقوله عند استيقاظه، ثم يتطهر، ثم يُصلى ركعتين خفيفتين، كما في ((صحيح مسلم))، عن عائشة قالت: كان رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل، افتتح صلاتَه بركعتينِ خفيفتين وأمر بذلك في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: ((إذا قام أحدُكم مِن الليل، فليفتَتح صلاتَه بركعتين خفيفتين)) ((رواه مسلم)) وكان يقومُ تارة إذا انتصف الليلُ، أو قبله بقليل، أو بعدَه بقليل، وربما كان يقوم إذا سمع الصارِخَ وهو الدِّيكُ وهو إنما يصيح في النصف الثاني، وكان يقطع ورده تارة، ويصله تارة وهو الأكثر، ويقطعه كما قال ابن عباس في حديث مبيته عنده، أنه صلى الله عليه وسلم استيقظ، فتسوَّك، وتوضأ، وهو يقول: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ، والأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ الْلَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولي الألبَاب} [آل عمران: 190] فقرأ هؤلاء الآيات حتى ختم السورة، ثم قام فصلَّى ركعتين أطال فيهما القيامَ والركوع والسجودَ، ثم انصرف، فنام حتى نفخ، ثم فعل ذلك ثلاثَ مرات بست ركعات كل ذلك يَستاك ويتوضأ، ويقرأ هؤلاء الآيات، ثم أوتر بثلاث، فأَذن المؤذِّن؟ فخرج إلى الصلاة وهو يقول: ((اللَّهُمَّ اجْعَلْ في قَلبي نُوراً، وَفِي لِسَانِي. وَاجْعَلْ في سَمْعِي نُوراً، وَاجعَل في بَصَرِي نُوراً، وَاجْعَلْ مِنْ خَلْفِي نُوراَ، ومن أَمَامِي نُوراً، وَاجْعَل مِنْ فَوْقِي نُوراً، وَمِنْ تَحْتِي نُوراُ، اللَّهُمَّ أَعْطِني نوراً)) رواه مسلم. ولم يذكر ابنُ عباس افتتاحَه بركعتين خفيفتين كما ذكرته عائشة، أنه كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة، وَإِمَّا أن تكون عائشةُ حفظت ما لم يحفظ بن عباس، وهو الأظهر لملازمتها له، ولمراعاتها ذلك، ولكونها أعلمَ الخلق. بقيامه بالليل، وابنُ عباس إنما شاهده ليلة المبيت عند خالته، وإذا اختلف ابنُ عباس وعائشة في شيء من أمر قيامِه بالليل، فالقولُ ما قالت عائشة.

وكان قيامُه بالليل ووِترُه أنواعاً، فمِنها هذا الذي ذكره ابن عباس.

النوع الثاني: الذي ذكرته عائشة، أنه كان يفتتح صلاته بركعتين. ثم يُتمم ورده إحدى عشرة ركعة، يُسلم من كل ركعتين ويوتر بركعة.

النوع الثالث: ثلاث عشرة ركعة كذلك.

النوع الرابع: يُصلي ثمانَ ركعات، يُسلم من كل ركعتين، ثم يُوتر. سرداً متوالية، لا يجلس في شيء إلا في آخرهن.

النوع الخامس: تسع ركعات، يسرُد منهن ثمانياً لا يجلِس في شيء إلا في الثامنة، يجلِس يذكر اللّه تعالى ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يُصلي التاسعة، يسلم ثم يقعد، ويتشهد، ويُسلِّم، ثم يُصلي ركعتين جالساً بعدما يسلم.

النوع السادس: يُصلي سبعاً كالتسع لمذكورة، ثم يُصلي بعدها ركعتين جالساً.

النوع السابع: أنه كان يُصلي مَثنى مَثنى، ثم يُوتر بثلاث لا يفصِل بينهن فهذا رواه الإِمام أحمد رحمه اللّه عن عائشة، أنه كان يُوتِر بثلاث لا فصل فيهن وروى النسائي عنها: كان لا يُسلم في ركعتي الوتر وهذه الصفة فيها نظر، فقد روى أبو حاتم بن حبان في ((صحيحه)) عن أبي هريرة، النبى صلى الله عليه وسلم: ((لا تُوتِرُوا بِثَلاَثٍ، أَوْتِرُوا بِخَمسٍ أَوْ سَبْعٍ، وَلاَ تَشَبَّهُوا بِصَلاةِ المَغرِبِ)). قال الدارقطني: رواته كلهم ثقات، قال مهنا: سألتُ أبا عبد اللّه: إلى أي شيء تذهب في الوتر، تُسلم في الركعتين؟ قال: نعم. قلتُ: لأَي شيء؟ قال: لأن الأحاديث فيه أقوى وأكثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الركعتين. الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، سلم من الركعتين وقال حرب: سئل أحمد عن الوتر؟ قال: في الركعتين. وإن لم يسلم، رجوت ألا يضرَّه، إلا أن التسليم أثبتُ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو طالب: سألتُ أبا عبد اللّه: إلى أي حديث تذهب في، الوتر؟ قال: أذهب إليها كلِّها: مَنْ صلَّى خمساً لا يجلس إلا في آخرهن، ومن صلَّى سبعاً لا يجلس إلا في آخرهن، وقد روي فَي حديث زرارة عن عائشة: يُوتر بتسع يجلَس في الثامنة قال: ولكن أكثر الحديث وأقواه ركعة، فأنا أذهبُ إليهاَ. قلت: ابن مسعود يقول: ثلاث، قال: نعم، قد عاب على سعد ركعة، فقال له سعد أيضاً شيئاً يرد عليه.

النوع الثامن: ما رواه النسائي، عن حُذيفة، أنه صلَّى مع النبي صلى الله عليه وسلم فى رمضان، فركع، فقال في ركوعه: ((سُبْحَانَ رَبيَ الْعَظيمِ)) مثل ما كان قائماً، ثم جلس يقول: ((رَبِّ اغفرْ لي، رَبِّ اغْفِرْ لي)) مثلَ مَا كان قائماً. ثم سجد، فقال: ((سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلًى)) مثلَ ما كان قائماً، فما صلَّى إلا أربع ركعات حتى جاء بلال يدعوه إلى الغداة، وأوتر أوّل الليل، ووسطه، وآخرَه. وقام ليلة تامة بآية يتلوها ويردِّدُها حتى الصباح وهي: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادُكَ} [المائدة: 118].

وكانت صلاته بالليل ثلاثةَ أنواع

أحدها - وهو أكثرها: صلاته قائماً

الثاني: أنه كان يُصلي قاعداً، ويركع قاعداً

الثالث: أنه كان يقرأ قاعداً، فإذا بقي يسيرٌ مِن قراءته، قام فركع قائماً، والأنواع الثلاثة صحت عنه.

وأما صفة جلوسه في محل القيام، ففي ((سنن النسائي))، عن عبد اللّه بن شقيق، عن عائشة قالت: رأيتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يصلي متربِّعاً قال النسائي: لا أعلم أحداً روى هذا الحديثَ غيرَ أبي داود، يعني الحفري، وأبو داود ثقة، ولا أحسب إلا أن هذا الحديث خطأ واللّه أعلم.


وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً تارة، وتارة يقرأ فيهما جالساً، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، وفي ((صحيح مسلم)) عن أبي سَلَمة قال: سألتُ عائشة رضي اللّه عنها عن صلاة رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم، فقالت: كان يُصلي ثلاثَ عشرة ركعةً، يُصلي ثمانَ ركعات، ثم يُوتِر، ثم يُصلي ركعتين وهو جالس، فإذا أراد أن يركع، قام فركع، ثم يُصلي ركعتين بين النداءِ والإِقامةِ مِن صلاة الصبح وفي ((المسند)) عن أم سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يُصلي بعد الوتر ركعتين خفيفتين وهو جالس وقال الترمذي: روي نحوُ هذا عن عائشة، وأبي أمامة، وغيرِ واحدٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي ((المسند)) عن أبي أمامة، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، كان يُصلي ركعتين بعد الوتر وهو جالس، يقرأ فيهما ب{إِذَا زُلزِلَت} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}.

وروى الدارقطني نحوَه من حديث أنس رضي اللّه عنه.

وقد أشكل هذا على كثير من الناس، فظنوه معارضاً، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُم بِالْلَّيْلِ وِتْراً)). وأنكر مالك رحمه اللّه هاتين الركعتين، وقال أحمد: لا أفعله ولا أمنعُ مَنْ فعله، قال: وأنكره مالك وقالت طائفة: إنما فعل هاتين الركعتين، ليبين جوازَ الصلاة بعد الوتر، وأن فعله لا يقطع التنفُّل، وحملوا قولُه: ((اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُم بِالْلَّيْلِ وِتْراً)) على الاستحباب، وصلاة الركعتين بعده على الجواز.

والصواب: أن يقال: إن هاتين الركعتين تجريان مجرى السنة، وتكميل الوتر، فإن الوترَ عبادة مستقلة، ولا سيما إن قيل بوجوبه، فتجري الركعتان بعده. مجرى سنة المغربِ مِن المغرب، فإنها وِتر النهار، والركعتان بعدها تكميل لها، فكذلك الركعتان بعد وتر الليل، واللّه أعلم.


ولم يُحفظ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر، إلا في حديث رواه ابن ماجه، عن علي بن ميمون الرَّقي، حدثنا مخلد بن يزيد، عن سفيان، عن زُبيد اليامي، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يُوتر فيقنُت قبل الركوع وقال أحمد في رواية ابنه عبد اللّه: أختار القنوت بعد الركوع، إنَّ كُلَّ شيء ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت، إنما هو في الفجر لمَا رفع رأسه من الركوع، وقنوت الوتر أختارُه بعد الركوع، ولم يصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر قبلُ أو بعدُ شيء. وقال الخلاَّل: أخبرني محمد بن يحيى الكحال، أنه قال لأبي عبد اللّه في القنوت في الوتر؟ فقال: ليس يُروى فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، ولكن كان عمر يقنُت من السنة إلى السنة.


وقد روى أحمد وأهل ((السنن)) من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: علَّمني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كلماتٍ أقولهن في الوتر: ((اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِني فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَولَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِك لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلاَ يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لاَ يَذِلُّ مَنْ وَاَليْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ)) زاد البيهقي والنسائي: ((وَلاَ يَعِزُّ من عَادَيْتَ)).


وزاد النسائي في روايته: ((وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَبيّ))

وزاد الحاكم في ((المستدرك)) وقال: ((علَّمني رسولُ اللّه صلى الله عليه وسلم في وتري إذا رفعت رأسي ولم يبق إلا السجود)). ورواه ابن حبان في ((صحيحه)) ولفظه سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يدعو.

قال الترمذي: وفي الباب عن علي رضي اللّه عنه، وهذا حديث لا نعرِفُه إلا مِن هذا الوجه من حديث أبي الحوراء السعدي، واسمه ربيعة بن شيبان، ولا نعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت في الوتر شيئاً أحسنَ مِن هذا انتهى.

والقنوت في الوتر محفوظ عن عمر، وابن مسعود، والرواية عنهم أصح من القنوت في الفجر، والروايةُ عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الفجر، أصح الرواية في قنوت الوتر. واللّه أعلم.

وقد روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه، أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم - كان يقول في آخر وتره: ((اللَّهُمَّ إنّي أعوذ بِرِضَاكَ مِن سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنكَ لاَ أُحْصِي ثَناءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)). وهذا يحتمِل، أنه قبل فراغه منه وبعده، وفي إحدى الروايات عن النسائي: كان يقولُ إِذَا فَرَغَ مِنْ صَلاته، وتبوَّأَ مضجعه، وفي هذه الرواية: ((لاَ أُحْصِي ثنَاءً عَلَيْكَ وَلَوْ حَرَصْتُ)) وثبت عنه صلى الله عليه وسلم- أنه قال ذلك في السجود، فلعله قاله في الصلاة وبعدها. وذكر الحاكم في ((المستدرك)) من حديث ابن عباس رضي اللّه عنهما، في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ووتره: ثم أوتر، فلما قضى صلاته، سمعته يقول: ((اللَّهُمَّ اجعَلْ في قَلْبي نُوّراً، وَفي بَصَرِي نُوراً، وفي سَمْعِي نُوراً، وَعَنْ يَمِينِي نُوراً، وَعَنْ شِمَالِي نُوراً، وَفَوقِي نُوراً، وَتَحْتِي نُوراً، وَأَمَامِي نُوراً، وَخَلْفِي نُورا، وَاجْعَل لِي يَوْمَ لِقَائِكَ نُوراً)). قال كُريب: وسبع في القنوت، فلقيتُ رجلاً مِن ولد العباس، فحدثني بهن، فذكر: ((لَحْمِي وَدَمِي، وَعَصَبي وَشَعْرِي وَبَشَرِي))، وذكر خصلتين، وفي رواية النسائي في هذا الحديث، وكان يقولُ في سجوده وفي رواية لمسلم في هذا الحديث: فخرج إلى الصلاة يعني صلاة الصبح، وهو يقول... فذكر هذا الدعاء، وفي رواية له أيضاً، ((وفي لِسَاني نُوراً وَاجْعَلْ في نَفْسِي نُوراً، وَأَعْظِمْ لِي نُوراً))، وفي رواية له، ((وَاجْعَلْني نُورا)).

وذكر أبو داود، والنسائي من حديث أبي بن كعب، قال: ((كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر، {سبح اسم ربك الأعلى} و {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو اللَّهُ أحد}، فإذا سلم قال: ((سُبْحَانَ المَلِكِ القُدُوس ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، يَمدُّ بها صَوْتَهُ في الثَّالِثَةِ ويرفع)). وهذا لفظ النسائي. زاد الدارقطني ((رَبِّ المَلاَئِكَةِ وَالرُّوح)).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.