عندما يعتصر الجوع الأحشاء، وينخر البرد العظام البارزة , مخترقا الأسمال البالية التى لاتكاد تستر أكثر مما تفضح من الأجساد النحيلة، وعندما لا تقوى الحوائط الخشبية أن تصد لسعات البرد، وقيظ الشمس، وتضيق العشش الصفيح على ساكنيها، وعندما يختصر المرحاض فى جردل، أو كيس بلاستيكى يصطحبه أهالى المنزل إلى المقابر المجاورة.. فى حال كهذه ومع أناس يعيشون تلك الحياة لا تنتظر غير الغضب الذى ما أن يتفجر حتى تتولد ثورة دافعها سد الجوع, لتأتى على الأخضر واليابس.. فى محافظة الغربية أكثر من 47 منطقة عشوائية، تمثل أحزمة ناسفة تحيط مدن المحافظة الثمانى، وتتمدد المناطق العشوائية كأنها سرطان , تستشرى أو أورمة فى جسد بلد المشاهير. يعيش فى تلك المناطق- بحسب تقديرات الجهاز المركزى للمحاسبات- مايقرب من 2 مليون نسمة، من جملة تعداد سكان الغربية الذين يتجاوز عددهم حاجز الأربعة ملايين ونصف المليون نسمة، ويشكل أبناء تلك المناطق النسبة الأكبر من الأمية القرائية التى تصل نسبتها فى المحافظة إلى ما يقرب من 25 % من أبناء الغربية. تؤكد تقارير مركز المعلومات -التابع لمحافظة الغربية -أن مدينة طنطا بها 9 مناطق عشوائية, يعيش بها نحو 227 ألفا و453 نسمة، ومن أخطر تلك المناطق فى مدينة طنطا « 25 كاكولا، والسلخانة، وكندلية، والكفور القبلية، وتزيد فى تلك المناطق معدلات البطالة، والفقر، ويترتب على تلك المشاكل، مشاكل وأمراض أخطر، فترتفع معدلات الجريمة، وتنتشر المخدرات، وحوادث العنف بها. بينما توجد 8 مناطق من تلك العشوائيات بمدينة المحلة الكبرى، ويقطنها اكثر من 359 ألف نسمة،وهى مناطق « سوق الجمعة، وسوق اللبن، وأبودراع، والرجبى، ومحلة البرج، وصندفا، والششتاوى،والجمهورية، ومحيى سعد المجاورة لشركة مصر للغزل والنسيج. ولعل أخطر تلك المناطق منطقة المحلة القديمة وصندفا،وسوق اللبن، وهى أساس مدينة المحلة، ترتفع منطقة سوق اللبن عن مستوى مدينة المحلة، والوصول إليها يتطلب الصعود لأعلى فى شارع سوق اللبن الذى يتقاطع مع شارعى سوق الحدادين وسوق السمك، وتقع المنطقة علي مساحة 8 كيلومترات مربعة، وتعد المنطقة مركزا للحرفيين، والصنايعية، والتوك توك يعد وسيلة المواصلات رقم واحد فى تلك المنطقة، نظرالضيق شوارعها التى لا يزيد عرضها على 3 أمتار. فى مدخل منطقة المحلة القديمة التقينا نبيل بسيونى- موجه سابق بالتربية والتعليم- وأسفل منزله رحب بنا، ولم يخف استياءه من الوضع الأمنى بالمنطقة، وبكل بقاع الجمهورية, وأكد فشل حكومة الدكتور هشام قنديل فى استعادة الأمن إلى الشارع، معتبرا أن جماعة الإخوان المسلمين لم تقدم شيئا ملموسا للناس حتى الآن. وقال: إن الدكتور محمد مرسى أكد انه أضعف من أن يحكم بلدا بحجم مصر، كما أن كل المتواجدين على الساحة السياسية ,الذين كانوا فى انتخابات الرئاسة الماضية أقل من أن يحكموا البلد، مضيفا أن الامل فى عودة الأمن إلى الشارع بات أشبه بالحلم، لأن الناس فى الشارع تجرأت على الداخلية، ولم يعد المواطنون يهتمون بضباط الشرطة ، مستنكرا ثورة أمناء الشرطة ضد وزارة الداخلية، معتبرا انه عندما يثور أفراد الشرطة على الداخلية فمن حق البلطجية ان يفعلوا ما يريدون. وفى شارع حسن البدوى - أحد الشوارع الرئيسية بالمنطقة- التقينا محمد الغبارى الذى يسكن كشكا خشبيا منذ 16 عاما، وله زوجة وولدان فى بداية مرحلة الشباب, يقول الغبارى : لقد تعبت من كثرة دق أبواب المحافظة من أجل الحصول على شقة تأوينى أنا وأسرتى، ولكن دون جدوى، ومازالت الأمور فى الدولة تدار بالواسطة والمحسوبية، مشيرا إلى أن البيوت المقامة فى المنطقة تعانى من عدم وجود شبكة صرف صحى، لكنها تعتمد على الخزانات فى تصريف حاجتها، أما ساكنو الأكشاك والعشش فهم يقضون حاجتهم فى «جردل» أو فى «تشت غسيل» ويفرغوه خارج المنطقة بالقرب من المقابر التى تفصل بينهم وبين العرب المرابطون على أطراف تلك المنطقة. وفى منطقة سوق اللبن، توجد شوارع مثل العاطفة، و نقرة صابحة،وهى تذكرك بمنطقة «الدويقة» بالقاهرة، حيث البناء العشوائى، والمنازل التى تعلوها منازل، والبيوت نصف المهدمة، التى تعلوها منازل حديثة البناء. ويعانى سكان تلك المنطقة من انتشار البلطجة، وحوادث العنف، خاصة على الطريق السريع القريب منهم،والذى يسيطر عليه مجموعة من الخارجين على القانون، مستخدمين البنادق الآلية فى تثبيت السيارات المارة بالطريق وترويع المواطنين. ويعتقد كاكا حسان- أحد سكان المنطقة - أن الحكومة الحالية لا تشعر بآلام المواطنين، معتبرا أن أيام الرئيس المخلوع كانت أفضل من أيام الإخوان، لافتا إلى ان الثورة المقبلة ستكون ثورة من أجل انتزاع لقمة العيش من البطون التى أصابتها التخمة، قائلا :« الحكومة مش عارفة إن احنا لو اتحركنا مش هنخلى غالى ولا رخيص، والثورة الحقيقية لسه ما جتش». وبعيدا عن المحلة الكبرى يوجد فى سمنود ثلاث مناطق عشوائية، يقطنها أكثر من 16 الف نسمة، بينما يرتفع عدد تلك المناطق فى بسيون إلى أربع مناطق يقطنها ما يقرب من المليون نسمة، وفى قطور منطقتان عشوائيتان، بهما ما يقرب من 4 آلاف نسمة، وتعد السنطة أقل مدن الغربية بالنسبة للعشوائيات، فلا توجد بها سوى منطقة واحدة فقط، يعيش بها ما يزيد على ثلاثين ألف نسمة.