كانت مهمتنا الرئيسية صد خطط العدو وعرقلة حركته ومد الجيش المصري نحو القنال وعبور خط برليف المنيع، ومن ثم تحقيق مكتسبات على الأرض في التوغل داخل سيناء، بهذه الكلمات استرجع الدكتور محمد نور الدين، الخبير الدولى بالأمم المتحدة -أحد أبطال حرب أكتوبر- أهم وأصعب المشاهد الحاسمة في ملحمة كبريت والحصار الذي تعرض له الجنود المصريون ودام 114 يومًا دون مياه أو إمدادات ولم يستسلموا بل كانوا يبادرون بالهجوم. وقال نور الدين ل«فيتو»، إن «قصة صمود كبريت هي قصة صمود للشعب المصري بأكمله، ودون قصد أو ترتيب كان مختلف المصريين الموجودين في كبريت من كل فئات الشعب المصري، وتوافقنا جميعًا على شيء واحد وهو عدم ترك الأرض للعدو الإسرائيلي، مهما حصل، والدليل على ذلك أن آخر شهيد كان قائد الموقع اللواء إبراهيم عبد التواب بتاريخ 18 يناير 1974». وعن معاناة الجنود خلال هذه الفترة، أكد صعوبة الحصار طيلة هذه المدة وما عاناه الجنود المصريون من انعدام في الحد الأدنى لموارد الحياة ونقص حاد في الزاد والزواد، كان نتيجته الحتمية درجة مرتفعة من الإعياء الشديد، مشيرا إلى أن الجنود شربوا كل أنواع المياه الموجودة هناك حتى المياه المالحة. وتابع: «من صعوبة الموقف كان حتمًا علينا التفكير في طريقة للحصول على الماء الصالحة للشرب، وبالعصف الذهنى توصلت لفكرة تحلية مياه البحيرات الموجودة داخل كبريت، واعتمدنا كليًا في تجربتنا على أدوات بدائية واستطعنا أن نحصل على المياه عن طريق تبخير المالح باستخدام الخيش والخراطيم لاستخلاص البخار، ثم طور الجنود المصريون الفكرة بعد ذلك وأنتجنا ما يقضي حاجتنا من المياه». وأضاف «نور الدين»: «لن أنسى ذاك المشهد عندما اعتدنا إقامة صلاة الجمعة في ظل هذا الحصار، وكان يؤمنا الشهيد إبراهيم عبد التواب، ويلقي علينا خطبة الجمعة التي كانت بمثابة فرصة حقيقية لشحن طاقتنا الإيجابية ودفعا معنويا، ومع تعدد الجمعات استشعر اليهود ثمة شيء ما يحدث وقد يمثل لهم خطرا قريبا، حتى قرروا أن يهاجمونا في توقيت الصلاة للتوقف عن هذه العادة، لكننا لم نهب هجوم العدو، ليقرر زملاؤنا من الأقباط المصريين حمايتنا أثناء الصلاة ناصبين المدافع فوق التلال وفي حالة تأهب مستمر لأي غدر من اليهود، واستطاعوا بالفعل حمايتنا في أكثر من مرة». واختتم حديثه: «في ظل كل هذه الحالة كنا نتابع ما يحدث عن كثب ما يجري من محادثات الكيلو 101 بين مصر وإسرائيل في ذلك الوقت، وكنا نعلم جيدًا أن صمودنا وتحملنا يزيد الموقف المصري قوة في هذه المحادثات، رغم محاولات العدو لإثنائنا عن قرار البقاء في الأرض وحثنا عن الانسحاب والخروج أكثر من مرة، لكننا عقدنا العزم على ألا نفرط في حبة رمل من تراب هذه الأرض حتى وإن كان الثمن أرواحنا».