لا يمكن أن يمر العيد صغيرًا كان أو كبيرًا دون إتمام هذه "الطلعة" إلى تلك المنطقة التي يسكنها الصمت وبقايا أجساد واراها الثرى، فزيارة المقابر في العيد تحولت لدينا مع مرور السنوات إلى عادة لا يمكن إغفالها أبدًا. وبالرغم من أن هذه المنطقة صامتة بطرقاتها الضيقة وتحيطها هيبة الموت من كل جانب ويثير سكونها حفيظة أكثر النفوس طمأنينة، إلا أن كل هذا "يهون" في سبيل إطفاء نار الشوق إلى الأحباب الراحلين الراقدين بسلام في قبورهم.
عند مدخل مقابر السيدة نفيسة، هبت علينا نسائم الموت والفناء التي طالما اعتدنا عليها، ولكن حواسنا في اللحظة ذاتها التقطت رائحة خافتة للحياة تسللت من قلب زهور حمراء وردية اللون منثورة بأوراقها الخضراء في الأرجاء.
اقتربنا منها.. بائعة خمرية ذات ملامح جادة اكتسبتها من طبيعة المكان الذي اعتادت أن تبيع فيه الزهور إلى القلوب الوفية التي لا تجد للعيد معنى بدون زيارة أحباب اختفت ملامحهم تحت الثرى.
بينما تتنقل أعيننا بين زهور بائعة الورد الخمرية الزاهية تهادت إلى مسامعنا ضحكة أربكتنا تحت وطأة الهدوء والسكون المعتاد في مقابر الموتى.. ضحكة حياة من زهرة سمراء طغت بجمال روحها على الزهور جميعها.
انتبهنا إلى ذلك الثغر الصغير الذي كشف عن أسنان كحبات اللؤلؤ الصغير في وجه أسمر كالأرض الطيبة التي نعيش عليها، وعيون سمراء لامعة تعكس المعنى الحقيقي لبراءة الأطفال وصفائهم.
أعادتنا ضحكة "جنة"، السمراء الصغيرة، إلى الحياة في قلب مملكة الموت، فأذابت كآبة وخشية الموت من قلوبنا، ونسينا بفضل براءة ابتسامتها حالة الحزن التي اعتدنا أن ننخرط فيها بمجرد أن تطأ أقدامنا مدخل المقابر، فكانت "السمراء" بمثابة ملك أوجده القدر ليجعل الشجن بردًا وسلامًا على أرواحنا.