بدأ المجتمع الكويتى بالتجرد من كونه "مسالماً"، وتخلى قسرًا عن هذه الصفة التى التصقت به ردحًا من الزمن، بينما هو يشهد موتاً متتالياً لأبنائه عبر جرائم بشعة وأخرى أكثر بشاعة وثالثة بلا أسباب أو دوافع منطقية، فى ظاهرة تستحق البحث والتنقيب عن أسبابها ودوافعها. وتعطى المؤشرات نتائج سلبية عن خلل ما فى المجتمع؛ إما فى السلوك الفردى، أو فى القانون الجزائى، أو فى التوجيه والتوعية، وإما فى كل تلك الأمور مجتمعة، وهو ما يوجب التوقف والتأمل والبحث. ولعل جريمة مقتل الطبيب اللبنانى، جابر سمير، فى مجمع "الأفنيوز"، الجمعة الماضية، ومن بعدها محاولة قتل شاب فى محطة بنزين، وقبل ذلك دهس عسكرى تحت عجلات سيارة صديقه فى أحد المخيمات، ثم مقتل حارس مخيم مصرى، كلها حوادث تدق ناقوس الخطر أمام المجتمع الكويتى. والأرقام والإحصاءات الرسمية لوزارة الداخلية تكشف أن هناك جريمة كل نصف ساعة تقع بالبلاد، ونحن بإزاء أكثر من 15 ألف جريمة متنوعة خلال 9 أشهر فقط ، بزيادة قدرها 10 فى المئة عن المدة نفسها من العام الماضى 2011، وأظهرت الإحصائية أن عدد جرائم الجنايات بلغ 3 آلاف و906 جرائم، فى حين بلغت جرائم الجنح 11 ألفا و595 جريمة جنح. وأوضحت الإحصائية أن أعلى الجنسيات ارتكابا لجرائم الجنايات هى الجنسية الكويتية، حيث بلغ مجموع مرتكبى الجرائم 906 مواطنين، فى حين بلغ مجموع مرتكبى الجرائم فى عام 2011 ، 779 مواطنا، بارتفاع قدره 127 مواطنا ، أى بنسبة ارتفاع قدرها 16 فى المئة ، وجاء المصريون فى المرتبة الثانية، حيث بلغ مجموع مرتكبى الجرائم 247 مقيما مصريا. فى حين أن مجموع مرتكبى الجرائم فى عام 2011 قد بلغ 209 مقيمين مصريين، بارتفاع قدره 38 مقيما مصريا، أى بنسبة ارتفاع قدرها 18 فى المئة، وجاء فى المرتبة الثالثة المقيمون بصورة غير قانونية "البدو"، حيث بلغ مجموع مرتبكى الجرائم 218 شخصا، فى حين أن مجموعهم فى عام 2011 قد بلغ 187 شخصا بارتفاع قدره 31 شخصا أى بنسبة ارتفاع قدرها 5,16 فى المئة. وأصبح الأمر لا يحتاج ردود فعل آنية، فثمة حراك شعبى شبابى على المستوى العربى يلقى بظلاله على الكويت، وثمة حراك شعبى شبابى فى الداخل ما بين تظاهرات وتجمعات ومسيرات، قابلة للتحول فى لحظة فارقة الى حالة من "العنف الوطنى" بين فئات المجتمع. ويحتم هذا الوضع على المسئولين فى أجهزة الدولة المختصة أن يقرعوا جرس الإنذار ليباشروا إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح قبل أن نتحول إلى مجتمع مجرم، وقبل أن تفلت الأمور من عقالها. وارتفعت فى الآونة الأخيرة تحذيرات من أن العنف أصبح يسيطر على ثقافة شباب الوطن، وأصبح العراك هو النتيجة المحتملة لأى اختلاف فى الرأى أو المنافسة على اى شىء. ففى المدارس الكويتية أصبح العنف الطلابى متفشيا داخل المدارس بمختلف المراحل التعليمية، وعلى وجه التحديد المرحلة الثانوية، هذه العبارة أجمع عليها مسئولو وزارة التربية، الذين يؤكدون كذلك أن ما تشهده البلاد فى السنوات الأخيرة من أحداث لافتة بدء باقتحام مؤسسات دولة، وتنظيم مسيرات وتظاهرات، أشاع أكثر مفهوم العنف واستخدام القوة للوصول إلى أى غاية. وفى هذا الإطار، يعترف رئيس قسم بإحدى المدارس أن الخناقات "الهوشات" هى مشهد مألوف فى المدارس، وكذلك شيوع لغة الانقسام الطائفى بين الطلبة، ويوضح أن إدارة المدرسة تجرى بشكل دائم فى الأسبوع عمليات تفتيش مفاجئة لما يحمله الطلبة من أدوات غير مسموح بها، حيث ترصد السكاكين أو المقصات والأسلحة البيضاء، وهى أدوات يستخدمها الطالب عند الدخول فى أى "هوشة" قد يتطور الأمر إلى عنف وعراك بالأيدى. ومن ناحيته، أكد الوكيل المساعد لقطاع المساجد فى وزارة الأوقاف، وليد الشعيب، أن خطب الجمعة لها دور توعوى، وهى تقام على مدار العام، بالإضافة إلى البرامج التوعوية والأنشطة التى تنبذ العنف بكل أنواعه، وتحث على احترام الرأى الآخر والحرص على الصحبة الصالحة. وأضاف أن دور المسجد فى توعية النشء والشباب دور فعال، لكن لم ينكر الدور الأسرى فى إبعاد أبنائهم عن رفاق السوء، وغرس القيم والأخلاق الحميدة وتربيتهم على التسامح وتقبل الآخر، مشدداً على أن الأسرة هى النواة الأولى للقيم. من جانبها، أرجعت أستاذة علم الاجتماع والناشطة السياسية، دكتورة دلال الزين، العنف إلى التفكك الأسرى الذى يعد من الأسباب الرئيسية التى تساهم فى انتشار معدل الجرائم فى البلاد، وهذا التفكك ينتج من ارتفاع الطلاق فى المجتمع، ولذلك "يجب على الزوجين أن يفكرا جيدا قبل الإقدام على فكرة الطلاق من أجل الأبناء لأن من يدفع فاتورة هذا التهور هم الأبناء الذين يتعرضون بسهولة إلى الإدمان أو الإجرام بسبب غياب الرقابة الأسرية". ولفتت دكتورة الزين إلى أن انتشار المخدرات يعتبر ضمن العوامل الأساسية التى تساهم فى ارتفاع معدلات الإجرام فى البلاد بالإضافة إلى وجود عمالة هامشية منتشرة فى طول البلاد وعرضها، كما أن الرقابة الأسرية ضرورية جدا لحماية الأبناء من الضعف أو من الاقتراب من السلوكيات الإجرامية ولذلك يجب أن نعوّد أبناءنا منذ الصغر على حب القراءة والتثقيف. وتقول دكتورة الزين: "إن حالة الرفاهية الزائدة قد تدفع الأبناء نحو التكاسل وعدم تحمل المسئولية ولذلك يجب أن نربى فى نفوس الأبناء حب العمل وتحمل المسئولية ومراقبة تصرفاتهم حتى لا يختلطوا بأصدقاء السوء، وطالبت الدولة بحل مشكلة البطالة حتى يعمل الخريجون دون أن ينتظروا طويلا فى صفوف البطالة، لأن طاقة الشباب إذا لم يتم استغلالها بصورة إنتاجية من خلال العمل فهذه الطاقة ينفثها الشباب فى السلوك الإجرامى بسبب حالة الملل وانتظار الوظيفة فيجب أن نحفظ شبابنا من أى نزعات عدوانية تدفعهم نحو الإجرام".