آثار السلفيون زوبعة فى الجمعية التأسيسية لوضع الدستور برفض مواد تتعلق بتجارة الرقيق وحقوق المرأة، وادعوا زواج السيدة عائشة من النبى «صلى الله عليه وسلم» وهى فى التاسعة من عمرها، ليتخذوا من هذا الزعم مبرراً لزواج القاصرات ممن لا تتعدى أعمارهن 81 عاماً، وأثاروا معارك - بسيوفهم الخشبية - لإقرار زواج الصغيرة، ومنهم من بحث فى كتب الفقه عن «مرويات» تؤكد أوهامهم. الدكتور محمود الحنفى - من علماء وزارة الأوقاف - ينفى زواج السيدة عائشة من النبى وهى فى التاسعة من عمرها، ويصف ما يروج له السلفيون بالكلام المغلوط المنافى للحقيقة وبالتلفيق ولا أساس له من الصحة، بقوله: السيدة خديجة كانت أولى أزواج النبى «صلى الله عليه وسلم»، وبعد وفاة أم المؤمنين خديجة، تزوج سودة بنت زمعة، قبل الهجرة، ثم تزوج السيدة عائشة بعد الهجرة بعشرة أشهر. وكانت السيدة عائشة قد خطبها جبير بن مطعم، وكانت خطبة جادة ولم تكن حديثاً بين عائلتين، وقصة خطبة النبى لها - بعد جبير - أنه بعد وفاة السيدة خديجة، فى السنة العاشرة للبعثة وقبل الهجرة إلى المدينة بثلاث سنوات، جاءت خولة بنت حكيم - من أوائل المسلمات فى مكة - إلى النبى «صلى الله عليه وسلم» تقترح عليه الزواج، فتقبل النبى الفكرة، فسألته: أتريد ثيباً أم بكراً؟ فسألها النبي: من هما؟ فذكرت له سودة بنت زمعة وعائشة بنت أبى بكر، فطلب منها أن تخطبهما له، فتزوج النبى سودة، وبعد ثلاث سنوات من الهجرة تزوج السيدة عائشة. الدكتور الحنفى موضحاً: كانت زيارة خولة للنبى للتخفيف عنه، فقد كانت السيدة خديجة سنداً للنبى وعوناً له فى نشر الدعوة وتوفر له أسباب السعادة، وعندما توفيت السيدة خديجة عاش النبى فى حزن شديد، وقد أورد ابن اسحاق - فى سيرته التى تؤرخ لأحداث الدعوة الإسلامية فى عصرها الأول - قائمة تضم 15 رجلاً وامرأة كانوا أول من استجاب لدعوة النبى «صلى الله عليه وسلم» ولم تتضمن هذه القائمة أحداً فى سن الطفولة، ولم يرد فيها ذكر على بن أبى طالب «رضى الله عنه» الذى كان فى العاشرة أو الثانية عشرة عندما أسلم، ومعظم المذكورين فى هذه القائمة كانوا ممن هاجروا إلى الحبشة فى السنة الخامسة للبعثة النبوية، وقد بلغ عدد المهاجرين إلى الحبشة 101 صحابى من إجمالى 002 رجل وامرأة لذا فمن المعقول أن نقول إن جميع المذكورين فى هذه القائمة أسلموا قبل السنة الخامسة بمدة، ثم أسلم عامر بن عبد الله بن الجراح، وأبو سلمة، وعبد الله بن عبد الأسد، والأرقم بن أبى الأرقم، وعثمان بن مظعون، وأخوه قدامة، وعبد الله عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب، وعائشة بنت أبى بكر «وهى يومئذ صغيرة» وضباب بن الأرت «حليف بنى زهرة» ونعرف من السيرة النبوية أن جميع هؤلاء كانوا من السابقين الأولين، لذا فهؤلاء أسلموا قبل الهجرة، ولو افترضنا أنها أسلمت فى العاشرة من عمرها، أى أنها أسلمت فى السنة الخامسة - التى شهدت هجرة الحبشة - لكان عمرها عند زواجها من النبى تسعة عشر عاماً، أما إذا افترضنا أن ابن اسحاق يتحدث هنا عن فتاة فى الثانية عشرة، وأنها أسلمت بعد أبويها بمدة وجيزة، فإنها تكون قد تجاوزت العشرين - بعدة سنوات - عند زواجها من النبى «صلى الله عليه وسلم». الدكتور محمود الحنفى مضيفاً: ولننظر فى هذه الرواية التى أوردها ابن اسحاق - بسنده - عن عائشة «رضى الله عنها»: كان النبى «صلى الله عليه وسلم» يأتى بيت أبى بكر أحد طرفى النهار، إما بكرة وإما عشيا، حتى إذا كان اليوم الذى أذن الله فيه للرسول بالهجرة، والخروج في مكة، أتانا رسول الله «صلى الله عليه وسلم» بالهاجرة - منتصف الليل - فلما رآه أبو بكر قال: ما جاء رسول الله فى هذه الساعة إلا لأمر جلل، فلما دخل النبى وجلس، وليس عند أبى بكر إلا أنا واختى أسماء بنت أبى بكر، فقال رسول الله لأبي: أخرج من كان عندك، قال: يارسول الله، إنهما ابنتاي، وماذاك، فداك أبى وأمي؟ فقال: قد أذن الله لى فى الخروج والهجرة، فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله، فقال النبي: الصحبة، فو الله ما رأيت أبا بكر يبكى من الفرح إلا يومئذ، فقال: يانبى الله إن هاتين راحلتين قد كنت أعددتهما لذلك. والرسول كان يحرص على سرية الهجرة، وقد كان زواج النبى من عائشة بعد سنة من الهجرة قد تنقص أو تزيد قليلاً، حسب روايات مختلفة، فلو كانت فى الثامنة عندما سمعت هذا الحديث بين النبى وأبيها وشهدت أثره فى وجه أبيها وعينيه، فهل تستطيع طفلة فى الثامنة من عمرها تمييز سبب بكاء أبيها، وهل كان من فرح أو حزن؟ الدكتور الحنفى يقدم دليلاً آخر على زواج السيدة عائشة وهى فى التاسعة عشرة من عمرها بقوله: عندما سرت شائعة كاذبة تتهم السيدة عائشة، زوراً وبهتاناً، بعلاقة مع صفوان بن المعطل، وترددت الشائعة شهراً كاملاً مرضت فيها عائشة وانتقلت إلى بيت أبيها لتمرضها أمها، وزارها النبى «صلى الله عليه وسلم» فى بيت أبى بكر وقال لها: إن فى وسعك التوبة إلى الله إن كنت قد اقترفت ذنبا، فلم تجبه عائشة، وظلت لا تدافع عن نفسها بشيء ثقة منها أن الله يعلم براءتها، ثم نزلت آيات قرآنية كريمة، من فوق سبع سماوات، تؤكد براءة أم المؤمنين عائشة، وقد حدث هذا فى السنة الخامسة للهجرة، أى بعد زواجها بثلاث سنوات وليس معقولاً أن يبرئها الله وهى بنت اثنتى عشرة سنة، فهذا لا يحدث مع طفلة. ودليل آخر حدث فى غزوة بدر، فقد طالب النبى «صلى الله عليه وسلم» الفتيات دون سن الخامسة عشرة بالعودة إلى المدينة فإذا كانت عائشة فى الثانية عشرة لرحلت مع الفتيات، ولكنها كانت معه حتى حقق الله النصر لنبيه صلوات الله عليه وسلامه. دليل آخر يقدمه د. الحنفى بقوله: ذكر المؤرخ محمد بن جرير الطبرى أنه كان لأبى بكر أربعة أولاد، كل اثنين منهم لأم، وأن كل أولاده ولدوا قبل الإسلام، وكان زواج عائشة بعد أربعة عشر عاماً من بدء نزول الوحى على النبى «صلى الله عليه وسلم» والأمر الثانى هو أن اسماء - أخت عائشة- تكبرها بعشر سنوات، فإن عائشة زفت إلى النبى «صلى الله عليه وسلم» وهى ابنة ثمانية عشر عاماً أو تسعة عشر ربيعاً. وقرينة أخرى يقدمها د. محمود الحنفى أن زواج السيدة عائشة من النبى وهى فى التاسعة عشرة من عمرها بقوله: إن أبا بكر تزوج «أم رومان» فى الثامنة والعشرين من عمره، والدة عائشة، وكان أبو بكر يصغر النبى بسنتين، أى أن عمره كان ثمانية وثلاثين عاماً وقت نزول الوحى على النبى « صلى الله عليه وسلم» وهذا يعنى أن أبا بكر تزوج زوجته الثانية قبل الإسلام بعشر سنوات، لذا فإن عائشة ولدت قبل خمس سنوات - على الأقل - من بدء الدعوة، وهذا يؤكد أنها كانت فى التاسعة عشرة من عمرها عند زواجها من النبى «صلى الله عليه وسلم».