بعد يوم عمل طويل وشاق، جلس محقق "فيتو" يقلب في أوراق بعض قضايا الجماعات والتنظيمات الإرهابية المتطرفة، المنظورة أمام المحاكم المصرية حاليا، ومن بينها القضية المعروفة إعلاميا ب"كتائب أنصار الشريعة"، والتي تضم 23 إرهابيا، متهمين بقتل ضابط و11 فرد شرطة، والشروع في قتل 9 آخرين، وحيازة أسلحة نارية، وعبوات ناسفة ومتفجرات مختلفة قاموا بتصنيعها بأنفسهم.. توقف عند تقرير أحراز القضية الذي أشار إلى أن المتهمين، تدربوا وآخرين على 11 أسلوبا لتنفيذ الاغتيالات، من بينها الرسائل والسيارات والدراجات النارية المفخخة، وتفجير الغرف عن طريق عبوات صغيرة الحجم، يتم تفعيلها عن طريق "زر الإنارة" أو الهاتف المحمول، وغيرها من الأساليب المبتكرة.. بعد تفكير طويل قرر المحقق، حصر أكبر عدد من أساليب الاغتيالات تلك، خصوصا بعد المحاولة الفاشلة لاغتيال المفتى السابق الدكتور على جمعة، وعرضها على خبراء متخصصين في التعامل مع المفرقعات، ومواجهة الجرائم والهجمات الإرهابية، لمعرفة كيفية تنفيذها، وكذلك طرق اكتشاف المتفجرات والعبوات المفخخة، مهما كانت درجة إتقان صنعها وإخفاؤها. في البداية أكد خبير متفجرات رفض الإفصاح عن هويته، أن هناك عشرات الأنواع والأشكال للعبوات الناسفة.. منها "بدائية الصنع" وتعتمد في تركيبها على مواد بسيطة، مثل المسامير، و"البلى"، وقطع الحديد الصغيرة، بالإضافة إلى البارود العادى، ويتم توصيلها بدائرة كهربائية، مع "تايمر" لتحديد وقت الانفجار، وهذا النوع من السهل تصنيعه نظرا لتوافر المواد المستخدمة وبساطة فكرة عمله، وتلجأ الجماعات الإرهابية له في العمليات البسيطة التي تستهدف شخصا واحدا أو مجموعة صغيرة، الخبير أضاف: "وهناك المتفجرات "معقدة التصنيع"، وهذا النوع يعتمد على مواد شديدة لانفجار مثل ال "t n t"، وال "c4 أو سي 4"، وهى معقدة للغاية في تركيبها وأسلوب تصنيعها، وتحتاج إلى خبرة طويلة وتدريب دقيق على أيدى خبراء متخصصين.. ويدخل في تركيبها دوائر كهربائية، ولاسلكية للتحكم في التفجير عن بعد، وبالطبع يمكن تفجيرها عن طريق "التايمر".. وأوضح الخبير أن كمية صغيرة جدا من المواد شديدة الانفجار المشار إليها، تكفى لتدمير مبنى مكون من عدة طوابق تماما، بعد أن تعرف المحقق على أنوع المتفجرات من حيث التركيب، التقى مصدر خاص وسأله عن الأساليب التي تتبعها الجماعات الإرهابية، في تنفيذ عمليات الاغتيالات المختلفة وكيفية اكتشافها فأجاب: القتل المباشر "هناك عشرات الأساليب، تختار الجماعة الإرهابية من بينها وفقا لمعايير محددة، مثل الشخصية المراد التخلص منها، والمكان المناسب لتنفيذ العملية، وأفراد الحراسة المحيطين به، ووسائل تأمينه خلال تنقلاته أو إقامته في منزله أو عمله".. المصدر أضاف: "عندما تقرر جماعة إرهابية اغتيال شخصية معينة، تبدأ في جمع المعلومات عن تلك الشخصية، من خلال مجموعة يطلق عليها "مجموعة الاستطلاع"، وهى ترصد تحركات "الشخصية" بدقة متناهية، وأعداد أفراد الحراسة المرافقين له، وخط سيره والخطوط البديلة ونوعية السيارات التي يستقلها.. تقدم تلك المجموعة تقريرا مفصلا لقيادات الجماعة التي تقرر الأسلوب الأمثل لتنفيذ العملية، بعد تحديد الحلقة الأضعف في تأمين الشخص المراد اغتياله.. ومن أشهر أساليب الاغتيالات "القتل المباشر" بالرصاص، ويتبع هذا الأسلوب عند اغتيال شخص يتحرك بدون حراسة أو حراسته ضعيفة، وينفذ العملية مجموعة لا تقل عن شخصين، يستقلان وسيلة تنقل سريعة من الممكن أن تكون دراجة نارية أو سيارة، أحدهما يتولى القيادة، والآخر إطلاق النار بكثافة على الضحية. تفخيخ السيارات أما الأسلوب الثانى فهو "تفخيخ السيارة"، وله عدة أشكال مختلفة منها زرع عبوة ناسفة أسفل السيارة، بعد تزويدها بمفجر يتم التحكم فيه عن بعد.. ويحتاج هذا الأسلوب إلى 3 أشخاص أحدهم يتولى زرع العبوة عن طريق مادة لاصقة، والثانى يتولى تفجيرها عن طريق جهاز تحكم عن بعد يعمل وفق تردد محدد، وهو أهم العناصر إذ يقع عليه عبء اختيار التوقيت المناسب لضغط زر التفجير بحيث تحقق العملية هدفها.. أما الثالث فمهمته إجلاء زميليه عن طريق سيارة مستغلا حالة الفوضى، التي يسببها الانفجار، وهذا الشكل تم اتباعه في اغتيال الشهيد العميد أحمد زكى الضابط بالإدارة العامة لقوات الأمن المركزى.. الأسلوب الثالث – بحسب المصدر - هو "التفجير غير المباشر" وهو معقد للغاية، وفيه يتم وضع العبوة الناسفة في سيارة أو دراجة نارية، وتركها في خط سير الشخصية المستهدفة، والعبوة هنا لا بد أن تصنع من مواد شديدة الانفجار مثل "تى. إن. تى" أو "سى 4"، وبكميات كبيرة حتى تحدث الأثر المطلوب، وتلجأ إليه الجماعات الإرهابية عند استهداف شخصية شديدة الحراسة.. وتتولى تنفيذ العملية 3 مجموعات، الأولى مهمتها رصد تحركات موكب الشخصية، وتحديد المكان الأنسب لوضع "المفخخة"، والثانية مهمتها وضع السيارة الملغومة في المكان المحدد والضغط على زر التفجير في الوقت المناسب، والثالثة مهمتها تصوير الانفجار والتأكد من وفاة "الهدف" وتأمين خروج عناصر المجموعتين الأخريين، وتم استخدام هذا الأسلوب في اغتيال النائب العام الشهيد هشام بركات، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم. استهداف الشقق السكنية واصل المصدر حديثه للمحقق قائلا: "الأسلوب الرابع لتنفيذ الاغتيالات، هو "تفخيخ الشقق السكنية"، وهو من أخطر وأعقد الأساليب، وتلجأ إليه الجماعات المتطرفة، لتصفية أكثر من شخص.. ويتطلب جمع معلومات شديدة الدقة عن المبنى أو الشقة المراد تفجيرها، والتقاط صور لها من الداخل والخارج، ورسم خريطة دقيقة للشوارع المحيطة وطرق الانسحاب، فضلا عن معلومات دقيقة عن الشخص المراد اغتياله والحراسة المرافقة له والقوات التي ربما تأتى لإنقاذه.. وبطريقة أخرى تتسلل مجموعة إلى داخل الشقة بعد التأكد من خلوها، أو بعد التنكر في زى عمال صيانة مثلا، وتتولى مهمة زرع عبوات ناسفة صغيرة في السقف، لضمان سقوط جزء خرسانى على المتواجدين ويدخل في تركيبها مواد كيميائية معقدة بغرض إحداث تفجير هائل مثل "نترات الأمونيوم، وبيروكسيد الأسيتون، ونترات الجلسرين، ودائرة كهربائية يتم التحكم فيها عن بعد.. أيضا يمكن زرع عبوت ناسفة صغيرة الحجم من مادة " تى. إن. تى" في "كوالين" الأبواب، وتوصيل المفجر الخاص بها بالمقبض بحيث تنفجر فور فتح الباب، وذلك تحسبا لاستخدام أجهزة تشويش تبطل العبوة الأساسية. قنبلة تحت السرير والأسلوب الخامس كما أوضح المصدر هو "تفخيخ غرف النوم"، وفيه تتسلل مجموعة صغير لا تزيد على شخصين من الإرهابيين المدربين على زرع العبوات الناسفة صغيرة الحجم، إلى غرفة "الهدف" وتستفيد من الوصلات الكهربائية الموجودة في الغرفة، وتدمجها في دائرة تفجير القنبلة، مثل وصلات "الأباجورة" أو مفاتيح الإنارة، بحيث تنفجر العبوة فور الضغط على الزر.. أيضا من الممكن وضع العبوة أسفل السرير وتفجيرها عن بعد عند التأكد من خلود "الشخصية" للنوم، وقد توضع العبوة في "الدولاب" أو أي "درج"، وتوصيل المفجر به، بحيث تفعل القنبلة بمجرد فتح الدولاب أو الدرج، ومن الممكن أن يكون حجم العبوة الناسفة نصف كيلوجرام أو أقل من المواد شديدة الانفجار، وقد تزيد بحسب مساحة الغرفة المراد تفجيرها. رسائل قاتلة الأسلوب السادس هو "الاغتيال بالرسائل المفخخة"، وعنه قال المصدر للمحقق: " في هذا الأسلوب يتم زرع عبوة ناسفة صغيرة الحجم ذات قوة تفجيرية هائلة، في طرد معين وتوصيل المفجر الخاص به بغطاء الطرد، بحيث يتم تفعيل الشحنة فور نزع الغطاء.. وهذا الأسلوب لا يتطلب سوى شخص واحد لتنفيذه، حيث يتسلم الطرد الملغوم من فريق إعداد المتفجرات، ويتنكر في زى عامل في شركة توصيل، ويتوجه إلى منزل الشخص المراد التخلص منه، ويصر على تسليمه العبوة شخصيا، ثم ينصرف من المكان بهدوء شديد حتى لا يلفت الأنظار إليه.. ومن الأساليب التي يعتمد عليها أعضاء الجماعات الإرهابية المتطرفة في اغتيال الشخصيات، "الاختراق" وهو الأسلوب السابع، وفيه يتم زرع عنصر إرهابى داخل الدوائر الضيقة المحيطة، بالشخصية المستهدفة لرصد تحركاتها، واستخدام هذا العنصر في تنفيذ المهمة في الوقت المناسب، بعد تزويده بأسلحة صغيرة الحجم وفى أشكال مختلفة كالقلم مثلا.. وفى بعض الأحيان يتم الاعتماد على هذا العنصر في تسهيل مهمة دخول عناصر أخرى لزرع عبوات ناسفة ومتفجرة في أماكن تواجد "الهدف".. أما الأسلوب الثامن فهو "السم" وهو يعتمد على أنواع معينة من "السم" يتم إعدادها خصيصا، بحيث يصعب اكتشافها، واختتم المصدر حديثه لمحقق "فيتو" قائلا: "هناك طرق أخرى كثيرة لتنفيذ الاغتيالات من بينها "الهجمات الانتحارية" وفيها يتم إقناع شخص متطرف بأنه على بعد خطوات من الجنة، وكل ما يحتاجه هو ارتداء حزام ناسف، واقتحام موكب شخصية مهمة، المصدر أشار إلى أسلوبين آخرين هما إلقاء الشخصية من الطائرة، واستخدام طائرة صغيرة بدون طيار في إلقاء المتفجرات على «الهدف، ولكنهما أسلوبان نادران. انتقل المحقق لمصدر آخر له خبرة في التعامل مع العناصر الإرهابية شديدة الخطورة، وسأله عن طرق اكتشاف "المفخخات" بصفة عامة والتعامل معها فأجاب: "العبوات الناسفة تحتاج إلى تقنيات متطورة للغاية لاكتشافها، خصوصا مع التقدم المذهل في طرق تصنيعها ووسائل إخفائها.. وهناك تقنيات حديثة لاكتشاف المتفجرات، تعتمد في عملها على أجهزة إلكترونية حساسة، تصدر أصواتا معينة في حالة تعرفها على دوائر إلكترونية محددة، أو مواد شديدة الانفجار.. أيضا هناك أجهزة تشويش متطورة، تعمل على قطع الاتصال بين العبوة الناسفة والمفجر".. المصدر أضاف أنه تتم الاستعانة بسيارات خاصة مثبت عليها أجهزة تعمل على قطع الاتصالات وإيقاف عمل الأجهزة الإلكترونية في نطاق معين محيط بالشخصية المهمة.. هذا فيما يتعلق بالعبوات الناسفة التي يتم تفجيرها عن بعد.. أما عن المتفجرات التي تعتمد على الحركة في تفجيرها فقال المصدر: "قبل دخول الشخصية المهمة إلى غرفة نومه أو مكان إقامته، يتم تمشيط المكان بأجهزة خاصة لكشف المتفجرات، أيضا يتم فحص المكان بدقة ومراجعة كافة الوصلات الكهربائية للتأكد من عدم وجود أي تغيير فيها، وفتح كافة الأبواب والأدراج بحذر شديد وإعادة فحصها بدقة.. ونفس الأمر يتم تطبيقه مع السيارات.. أما بالنسبة لعمليات الاغتيال المباشر بالرصاص، فهذه تتطلب زيادة الحراسة المرافقة للشخصية، وتدريب أفرادها على التعامل مع أية أخطار".