الصوفية أنواع ومذاهب، وكل مذهب له أتباع وأئمة، ومع ذلك فالصوفية من حيث الموضوع نوعان هما نوع العقل والمعرفة، والآخر نوع القلب والرياضة، كما أن الصوفية من حيث موقفها من الدنيا كذلك نوعان، نوع يرفضها باعتبارها وهم، ونوع يخوض غمار الدنيا ليمتحن نفسه بتجاربها وغواياتها، وعنده أنها جميلة لأنها من خلق الله، وهذا النوع من الصوفية أقرب أنواعها إلى الإسلام، فليس على المسلم حرج فى أن يرى للدنيا ظاهراً خداعاً وباطناً صادقاً أجمل من ظاهرها. كان زهد النبى صلى الله عليه وسلم مقروناً بالإيثار والجود والكرم فقد ترك كل متاع الدنيا ومنذ كان طفلاً، فقد آثر حياة التقشف فى الدنيا التى فضل عليها الآخرة. انشغل رسول الله بالرسالة عن ملذات الدنيا ومباهجها، فأصبح عنواناً للعطاء المتواصل، ولم يدخر درهماً ولا ديناراً، وكان يحذر المسلمين من أن يلهيهم حب الدنيا ويفسد عبادتهم لربهم. وقد ربطت الدراسات الحديثة بين التصوف والزهد، ووصفت التصوف فى صورته الحقيقية بأنه فلسفة حياة تهدف إلى الترقى بالنفس الإنسانية أخلاقياً، وثمرته هو السعادة الروحية التى يصعب التعبير عن حقائقها بألفاظ عادية، بسيطة. يقول الدكتور أبو الوفا التفتازانى فى كتابه «مدخل إلى التصوف الإسلامى: «إن التصوف بما يقوم عليه من زهد وامتناع عن المتاع صار علماً للاخلاق الدينية ودفع الناس وحثهم على المبادئ الأخلاقية ودعاهم إلى التعمق فى النفس البشرية ودقائق أحوالها وسلوكها، وقادهم ذلك إلى الكلام عن الذات الإلهية، من حيث صلتها بالإنسان، وصلة الإنسان بها، وظهر هذا فى الغناء الصوفى، ونشأ بعدها علم للصوفية مختلف عن علم الفقه. ويشرح «التفتارانى» أن الصوفية أنواع ومذاهب، وكل مذهب له أتباع وأئمة، ومع ذلك فالصوفية من حيث الموضوع نوعان هما نوع العقل والمعرفة، والآخر نوع القلب والرياضة، كما أن الصوفية من حيث موقفها من الدنيا كذلك نوعان، نوع يرفضها باعتبارها وهم، ونوع يخوض غمار الدنيا ليمتحن نفسه بتجاربها وغواياتها، وعنده أنها جميلة لأنها من خلق الله، وهذا النوع من الصوفية أقرب أنواعها إلى الإسلام، فليس على المسلم حرج فى أن يرى للدنيا ظاهراً خداعاً وباطناً صادقاً أجمل من ظاهرها، إلا أن المسلم الصوفى - وخاصة الزاهد فيها - يقاوم مطامع الدنيا لأنها تحجبه عن حقائقها العليا. ويضيف «أبو الوفاالتفتازانى» فى كتابه:مدخل الى التصوف الاسلامى إن لكل عصر من العصور علمآء يهتمون بمعرفة المصير، والوقوف على حقائق الدنيا، وقد كشف العلم للبشرية الكثير من غوامض الكون، وقد تخيل البشر أن عصر النهضة الأوروبية جاء لهدم الدنيا من قواعدها، ثم إعادة بنائها من جديد، وعندما جاءت الثورة الفرنسية علت الصيحات تطالب بإهمال الأديان وما فيها من حكم ومواعظ، إلا أن التجارب أثبت إخفاق العلم فى إعمار الناس وضمائرهم وأن المادية ستصل بالبشر إلى السعادة اللامتناهية. الدكتور إبراهيم عبدالشافى - أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر يؤكد أن نعمة الزهد فى الدنيا تأتى للانسان من خلال كثرة عباداته وطاعاته لله عز وجل والتى عن طريقها يعرف أن الله هو الذى يرزق كل النعم وأنه أوصى الانسان ألا يبخل على أحد بها، فلو نفذ الإنسان هذا الشىء أصبح من الزهاد فى الدنيا لأنه يرى أن هذا الأمر وسيلة لحب الله له استنادا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «إزهد فى الدنيا يحبك الله»، فالزهد وسيلة الانسان لكسب حب الله، وهناك طريقة أخرى تأتى بها نعمة الزهد على الانسان وهى أن تحدث له كارثة تأخذ منه شيئاً عزيزاً عليه فى حياته فتوقظه، من طريق الجشع والطمع وحب الدنيا وملذاتها التى كان يعيش بها وتجعله يشعر أن كل هذه الأشياء لا قيمة لها أمام ما أخذ منه فيبدأ فى زهد الدنيا وملذاتها. ويري عبدالشافي أن الإنسان يمر بثلاث مراحل فى زهده حتى يصبح زاهداً، فيبدأ بالمرحلة الأولى وهى مرحلة «قصر الأمل» والتى يعلم فيها الإنسان أن للدنيا نهاية فيترك المعاصى وما يشغله عن ذكر الله فتصبح متع الدنيا عنده ليس لها أى قيمة وهو ما يضع قدميه على أول طريق الزهد ثم من هذه الخطوة ينتقل لدرجة أعلى وهى درجة الشعور بالرضا والراحة النفسية نتيجة رضاه بما قسمه الله له ولأن لديه يقينا مسبقا بأن ملذات الدنيا لا قيمة لها أمام عبادة الله والجنة التى يسعى إليها فيظل عابداً لله وزاهداً على هذا الحال حتي يصل لأعلى درجات الزهد، وهى الفوز بحب الله . ويشير عبدالشافى إلى أن طبيعة الزهد تختلف من عصر لآخر بحسب سمات هذا العصر، فكلما مرت العصور كلما قل الزهد والزاهدون لأن متع الدنيا تزيد فيرتقى الزاهد فى هذا الوقت لأعلى درجات الزهد لعدم انسياقه وراء المتع الجارفة، فعهد النبى عليه السلام يعتبر هو النواة الحقيقية للزهد والزاهدين والذى تمثل فى النبى والصحابة والتابعين، وبعد عصر النبى انشغل الناس بالدنيا ومتاعها فكان لبعض الزهاد دور فى إرجاعهم عن المعاصى أمثال الحسن البصرى وعمر بن العزيز وغيرهما الذين أقاموا مدرسة التصوف الإسلامى التى اتبعها الناس وعلمتهم الابتعاد عن حب الدنيا، ثم جاء عصر الإمام أحمد بن حنبل والإمام ابن القيم والتى أثرت مدارسهما أيضا فى كثير من الناس رغم أن عصرهما كان يتسم بازدياد متع الدنيا وانجراف الناس وراء المال، أما الزهد الآن فهو عملة نادرة لأن الناس انشغلت قلوبهم بحب الدنيا ومغرياتها، ولهذا يرتقى زهاد هذا العصر لأعلى درجات الزاهدين بسبب كثرة الفتن والمغريات الموجودة الآن والتى لم تكن موجودة بهذه الصورة فى عصر الصحابة ولا التابعين ولا حتى الزهاد المعروفين. ويوضح دكتور عبدالفتاح الفاوى - أستاذ الفلسفة الإسلامية بجامعة القاهرة - معنى الزهد وفلسفته فى الإسلام فيقول : الزهد فى الإسلام هو العزوف عن مغريات الدنيا ووساوس الشيطان والبعد عن متاع ومتع الدنيا، فالزهد فى الأساس هو صفة من صفات المسلم وليس معنى الزهد هو ترك الدنيا بأكملها كما يتخيل البعض فالله جعل عمارة الأرض على يد الانسان ولكن لا يجعل همه وشغله الشاغل فى الحياة منصبا فى الدنيا الفانية، والزهد هو من الفضائل الدينية الأخلاقية بالنسبة للمسلم مثله مثل الصدق والأمانة، حيث يختلف الزهد بين مسلم وآخر بمعنى أن زهد الغنى يختلف عن زهد الفقير، فزهد الفقير هو أن يكتفى بما عنده ولا يمد يده للناس إلا لم يحتج إليه للضرورة فالفقير الذى يملك طعام قوت يومه لا ينبغى عليه أن يمد يده لآخرين، أما بالنسبة لزهد الغنى فألا يطلب المال من غير وجوهه الشرعية وأن يتعفف عن الحرام وما فيه شبهة الحرام. ويشير دكتور الفاوى إلى أن الزهد هو فضيلة وقيمة أخلاقية إسلامية لا تختلف طريقة المريد بها من عصر إلى آخر، ولا من وقت إلى وقت مثل الصدق والأمانة والشجاعة، وأن يختلف من حال إلى حال ولا تختلف طريقة الزهد بين الرجل والمرأة فيسمى «زهد الإنسان المسلم» والمسلم تطلق على الذكر والأنثى. ويقول دكتور الفاوى إن الزهد فى حياة الإنسان له علامات منها الرضا بما قسمه الله له والقناعة بما بين يديه ومحبة الآخرين مهما كانوا أكثر منه غنى أو أشد منه فقراً، ولا يترفع المسلم بأخلاقه عن الآخرين إن كان غنيا ولا يحقر من نفسه أمام الآخرين إن كان فقيراً. ويضيف دكتور الفاوى أن للزهد مراتب بين الزاهدين والمريدين فأول درجاته هو عدم الطمع والجشع وحقد الآخرين الذين يراهم أفضل منه، والدرجة الثانية أن يرضى بما قسم الله له، ويتعفف عن الحرام وما يقلل من شأنه، أما الثالثة فإذا كان فقيراً يعتبر ذلك امتحاناً، من الله ويسعد به أبداً. وبالنسبة للزهد والتصوف والدروشة فهناك فرق بينهم فالزهد هو علامة من علامات التصوف أو مظهر من مظاهره أو خلق من أخلاقه ويمكن اعتباره حالاً أو مقاماً من التصوف فالصوفية مقسمة إلى أحوال ومقامات، فالأحوال ينتقل فيها الإنسان من حال إلى حال ولا تستمر كثيراً أما المقامات فتستمر مع المريد، وكلمة الدروشة معناها المبالغة فى التصوف والعبادة التى لا يرضاها الإسلام ولكن لا يحرمها، فعلى الانسان أن يعمل لدنياه كأنه يعيش أبداً ويعمل لآخرته كأنه يموت غداًَ، أما «الدروشة» فهى كلمة شعبية مفتعلة - ومختلقة - وليست من الإسلام ومعناها للعوام الشخص الذى فقد عقله وأصبحت العبادة هى كل همه تاركاً الدنيا وما فيها لا يعرف ليلها من نهارها وما إلى ذلك.