رجال الأعمال أدركوا خطورة الآلة الإعلامية فاستخدموها لإنهاء أزماتهم مع الأنظمة «مبارك» رفع شعار «اطعم الفم تستحي العين والقلم واللسان» عندما أعلن عدد كبير من الكتاب الصحفيين عن غضبهم، من حالة التجاهل التي يتعامل بها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر معهم، وفي الوقت ذاته يسعي دائما لإبقاء الكاتب الصحفي «محمد حسنين هيكل» قريبا منه لدرجة دفعت عددا منهم للتأكيد علي أن «ناصر» كان رئيس مصر سياسيا، و»هيكل « رئيسها الإعلامي، «عبد الناصر» قال لهم -وقتها- أنتم تبحثون عن الأخبارعندي أما هيكل فأنا أعرف منه الأخبار. تقارب «ناصر» و»هيكل « وحسب تأكيدات وتحليلات عدد كبير من الخبراء السياسيين والاستراتيجيين، لا يتعدي كونه مشروع «لوبي إعلامي» أراد الزعيم الرئيس الثاني للجمهورية الأولي أن يصنعه بعدما أدرك أن «الإعلام» يجب أن ينحاز - شاء أم أبي- للثورة ومبادئها وأهدافها، وأدرك «ناصر»أدرك أيضا خطورة وجود تيار داخل الإعلام وقتها مناهضا للثورة وأفكارها. قرر -بلا رجعة- أن يصنع إعلامه الخاص ويمنحه صلاحيات غير منتهية وهو ما تزامن مع طلب تقدم به الضابط أحمد حمروش لجمال عبد الناصر لإصدار مجلة أو صحيفة تعبر عن حركة الضباط والجيش ، ووافق عبد الناصر، وصدرت مجلة التحرير التي رأس تحريرها حمروش وعمل معه عدد من الضباط مثل مصطفى بهجت بدوى ،ووجيه أباظة، وكمال الحناوى، يعاونهم عدد من الصحفيين، منهم عبد الرحمن الشرقاوي، وعبد المنعم الصاوي، وسعد لبيب، وصلاح حافظ ،والدكتور يوسف إدريس، وحسن فؤاد ،وصدر العدد الأول في 16 سبتمبر 1952. بعد شهرين من صدور المجلة اضطر حمروش للالتحاق بكلية أركان الحرب ، وأثناء دراسته فوجئ بخبر منشور بجريدة المصرى بتعيين الرائد ثروت عكاشة رئيسا لتحرير المجلة، بدلا من حمروش فى نوفمبر عام 1952، ولما علم عبد الناصر بذلك اتصل هاتفيا ب»حمروش» وطلب منه الاستمرار فى الكتابة بالمجلة ، لكنه رفض، وفي الوقت ذاته حدث التحول الذي أثار قلق «عبد الناصر» حيث تحول عدد كبير من الذين امنوا بالثورة للمعسكر المضاد، وهو أمر ساعد عليه قيام «الثورة» بتصفية الأحزاب وإلغاء الدستور، فانضم الرافضون لتلك الخطوات إلي رجال «العهد البائد» ومن أطلقوا عليهم «أعداء الثورة» وتكونت جبهة الرفض من الوفديين والشيوعيين والإقطاعيين وغيرهم.. ولما بدأت أعدادهم تتزايد يوما بعد يوم قرر عبد الناصر السيطرة على الإعلام لإحداث توازن ما ، لذلك أصدر عبد الناصر عدة قرارات أهمها تعيين العسكريين فى رئاسة مجالس إدارات الصحف ورئاسة تحريرها .جاءت فكرة إنشاء التليفزيون المصري عام 1960 بمثابة الخطوة الأكبر التي سعى لها عبد الناصر بهدف توسيع نطاق اللوبي الإعلامي لضمان حسم معارك الصراع مع القوى الداخلية والخارجية برغم أن الدولة كانت تعاني أزمة مالية في ذلك الوقت ولا تتحمل ميزانية إنشاء التليفزيون، وكانت مدة الإرسال التليفزيوني في بداية الأمر 4 ساعات ثم 6 إلى أن وصلت 8 ساعات يوميا عمل خلالها على ترسيخ أفكار وتوجهات داخل المواطنين بالترويج لمشروعاته مثل تأميم قناة السويس وحركة التصنيع وبناء السد العالي والقضاء على النظام الإقطاعي والرأسمالية بتبني نظام الاشتراكية الجديد ، وبالرغم من أن كل هذه المشروعات لاقت شيئا من المعارضة في البداية من بعض الخبراء إلا أن عبد الناصر وجد تشجيعا كبيرا من المواطنين تجاهها وهو ما أرجعه البعض لحالة التعبئة التي قام بها «لوبي الثورة». الطريق امام الرئيس السادات لم تكن ممهدة فالوافد الجديد للقصر الجمهوري وجد خلال سنوات حكمه الأولى صعوبة في إزاحة شعبية عبد الناصرعند الجمهور رغم محاولاته المستمرة التي اطلق عليها ثورة التصحيح لكن ازمة مراكز القوي جاءت لتعيد ترتيب البيت من الداخل، وجاءت ايضا ملكية الصحافة للدولة وتبعيتها للحكومة وامتلاك الرئيس سلطة تعيين وعزل رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف لتكون الورقة الرابحة التي بدأ منها السادات تكوين اللوبي الإعلامي الذي يعبر عنه ويكسبه الشعبية الجماهيرية ، فقام باختيار رؤساء الصحف طبقا لمعايير ولائهم له ، وخلق لنفسه علاقات كثيرة مع عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين وقام بإقناع الشعب به من خلال اللعب على وتر أنه امتداد لعبد الناصر وأفكاره وأن مراكز القوى هي من تريد الإطاحة بتحقيق حلم عبد الناصر ، وكان ما صنعه السادات لنفسه بفضل الإعلام هو أكبر العوامل التي ساعدته في القضاء على هذه المراكز بعد ذلك بعد ظهور»موسي صبري: أو ما أطلق عليه»هيكل السادات»الذي لعب دورا كبيرا في ازاحة هيكل من مقعده .. ولعب اللوبي الإعلامي دورا كبيرا في الترويج للسادات والسيطرة على عقول المواطنين بعد حرب أكتوبر والانتصار الغير متوقع ، وكما كان عبد الناصر يروج للاشتراكية من خلال إعلامه أيضا استخدم السادات نفس الطريقة في الترويج لمشروع التحول الديمقراطي والسماح بعودة الأحزاب عام 1977 وحقها في إصدار الصحف وخلق نوع جديد من المعارضة وبدأ إعلام «الرئيس المؤمن» في إبراز جماليات هذا المشروع وأنه القائد العربي الوحيد القادر على بناء الديمقراطية . أما الرئيس المخلوع مبارك فلم يجد أمامه الصعوبات التي واجهت من سبقوه في تكوين اللوبي الإعلامي الذي يخدم الترويج له ، وكانت له طريقة مختلفة عن سابقيه في التعامل مع الإعلاميين والصحفيين حيث أنه تعامل معهم بطريقة ( اطعم الفم تستحي العين ) وتم ذلك من خلال عقد نظام مبارك العديد من الصفقات مع الصحف الحكومية وكذلك الحزبية كتمويل هذه الصحف من خلال إعلانات الشركات الحكومية أو طباعة المطبوعات الحكومية عند الصحف الحزبية والتي كانت تدر أموالا كثيرة للصحيفة والحزب أو تمويل رجال أعمال النظام للصحف وغيرها من أشكال الصفقات التي جعلت الإعلاميين والصحفيين مستفيدين من وجود مبارك مما جعله ينجح في تكوين قاعدة إعلامية له لعبت دورا كبيرا في تجميل وجهه وتصفية حساباته السياسية والشخصية ، ولم تتوقف خطواته عند ذلك بل قام أصحاب الصحف والقنوات بممارسة الضغط السياسي على الحكومة بضخ التمويلات للصحف الخاصة والحزبية باعتبار أنها القادرة على دخول المواجهات مع رءوس النظام من الحكام ورجال الأعمال والقدرة على تصفيتهم،كما أنها استخدمت وسائلها الإعلامية التي تملكها أيضا في هذا الأمر ولعل أبرز مثال على ذلك هو قناة دريم واستقطاب أحمد بهجت لأقوى رموز المعارضة لنظام مبارك في مصر لتقديم برامج القناة أمثال الكاتب محمد حسنين هيكل والإعلامي حمدي قنديل والإعلامي إبراهيم عيسى فكلما ضيقت الحكومة الخناق على أحمد بهجت تكلم هيكل عن مشروع التوريث أو ابراهيم عيسى عن ضرورة انتخاب الرئيس أو حمدي قنديل عن المجازر الفلسطينية ووقوف الحكومة المصرية مكتوفة الأيدي فتتراجع الحكومة فورا عن التشويه بأحمد بهجت ، وتوالت بعد ذلك إصدار صحف رجال الأعمال كصحيفة المصري اليوم المملوكة لرجل الأعمال صلاح دياب وصحيفة الدستور التي كانت مملوكة لعصام فهمي ثم رضا إدوارد وغيرها وكل هؤلاء كانت لهم ممارساتهم في العمل السياسي وتشكل نوعا من الضغط على الحكومة ، ففكرة تعدد اللوبيات الإعلامية وتحويلها لجماعات ضغط تبلورت في رجال الأعمال في فترة مبارك . د . علي عجوة أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة اكد انه بعد ثورة 25 يناير ظهرت جماعات الضغط الإعلامية بمفهومها الحقيقي وشهد مرور عام على الثورة تزايدا في استثمارات رجال الأعمال في الصحف والقنوات والتي اتجهوا نحوها لتكون منبرايحميهم وقت الهجوم عليهم أواتهامهم بأنهم فلول النظام أوالتلويح بعدم شرعية ثروتهم،وتبنت هذه الصحف والقنوات رؤى سياسية تخدم في المقام الأول مصالحها ودخلت في العديد من الصدامات مع المجلس العسكري باعتباره الحكومة الآن ومارست الضغط عليه لتغيير قراراته السياسية وظهر ذلك في العديد من القرارات التي اتخذها المجلس العسكري خلال الفترة السابقة وقام بالرجوع فيها بسبب حشد الإعلام وقنوات الضغط للجماهير ضد هذه القرارات مثل إلغاء المجلس لوثيقة السلمي الدستورية بعد إصدارها وكذلك قبول استقالة حكومة عصام شرف تحت ضغط بعد إصراره على بقائها والرجوع في قرار تأجيل تسليم السلطة لرئيس منتخب وأيضا إعادة الأمن للشوارع مرة أخرى بعد سيل من الانتقادات الإعلامية عليه بعدم إصداره قرار عودة الأمن وكذلك الرجوع في قرار تطبيق المحاكمات العسكرية على المدنيين ووقف تصدير الغاز لإسرائيل فكلها كانت قرارات تم التراجع فيها بسبب أن اللوبي الإعلامي الذي كان أحد فروع جماعات الضغط في مصر الآن . المراجع : كتاب إدارة المؤسسات الصحفية واقتصادياتها في العالم المعاصر للدكتور محرز غالي استاذ الإعلام بجامعة القاهرة . دراسة عن تيار الإثارة في الصحافة المصرية للدكتور محمد الباز أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة .