إن كنت ممن يحبون العبث بمصائر الشعوب، أو كنت ممن يرون أنهم هم فقط وعشيرتهم المستحقون للحياة دون جميع الخلائق، فمرحبًا بك في مصر إن نجح الإخوان فى اختطاف مصر بدستورهم «المشوه». الدستور الذى تم تمريره بليل به مادتان هما المادة (10) التي تنص على أن «الدولة والمجتمع يحميان الأخلاق والنظام العام وفقا لما ينظمه القانون»، والمادة (8) التى تنص على أن «يقوم المجتمع المصري على العدل والمساواة والحرية والتراحم والتكافل الاجتماعى والتضامن بين أفراده في حماية الأنفس والأعراض والأموال»، الأمر الذي يتيح للجم عن المادة 10 يقول الدكتور أحمد بهاء الدين شعبان- رئيس الحزب الاشتراكي المصري : إن هذه المادة من المواد الخطيرة التي وضعت في الدستور من التيار الإسلامي الموجود بالجمعية التأسيسية، مؤكدا أن وضع الإسلاميين لكلمة «المجتمع» بهذه المادة يعتبر إعلانا صريحًا لإنشاء مؤسسات الدولة الدينية، وعلى رأسها جماعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجماعات الجهادية والتنظيمات السرية التي تخرب في المجتمع باسم الدين ونشر الأخلاق ، وتابع : لم تكن كلمة «المجتمع» موجودة في الدساتير السابقة، وكانت فقط الدولة هي المذكورة والمنوطة بحماية الآداب العامة والثقافات والمعتقدات المختلفة، هذا بالإضافة إلى أن الجمعية التأسيسية وضعت بالمادة مصطلح «الأخلاق» دون تحديد ماهية الأخلاق المطلوب حمايتها، ومن الذي سيحميها من المجتمع، وكأن المصريين يعيشون بلا أخلاق، ما يترك الفرصة لجماعات الأمر بالمعروف أن يفرضوا ما يريدون على الناس باسم الدين وحماية الأخلاق. وأكد شعبان أن شوكة هذه الجماعات قَوَت وأصواتهم بدأت تعلو في الفترة السابقة بوجود الرئيس مرسي، بدليل الحادثة الشهيرة لطالب السويس الذي قتل على أيديهم، بالإضافة إلى ما يحدث في سيناء الآن. وأضاف أن هذه المادة تضع المجتمع تحت سلطات ورغبات شيوخ الإخوان والسلفيين الذين يتبعون مناهج الوهابية السعودية ويفتون طبقا لنزواتهم ومصالحهم، وأشار إلى أن المادة أيضا تتيح للرئيس مرسي أن يحتمي بمليشيات الإخوان المسلمين كبديل عن الحرس الجمهوري والداخلية، طبقا لنص المادة الذي يقول إن «المجتمع يحمي النظام العام للدولة» وهذا ما يمكنه من الاستعانه بمليشياته لحمايته حال انقلاب الشعب عليه كما هو الحال الآن، بسماحه لمؤيديه بالنزول إلى الميادين لتأييد قراراته، ووضعهم في حالة استعداد للاشتباك مع المعارضين لهذه القرارات. فيما قال الدكتور سعيد صادق- أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية- إن هذه المادة تعد انتهاكا لحقوق الإنسان، وستخلق العنف في المجتمع المصري بين ميليشيات الأمر بالمعروف والجهاديين من ناحية، وبين المواطنين البسطاء من ناحية أخرى، لأن الأخلاق بطبيعتها مختلفة بين الناس وكل منهم يعيش طبقا لثقافته، ولو جاء أحد وحاول أن يفرض عليه أخلاقاً أو ثقافة معينة فسيؤدي ذلك لحدوث اشتباكات وعنف بين الطرفين. وأضاف أن كل ما يشغل بال الإخوان والسلفيين والجهاديين وجماعات الأمر بالمعروف من الناحية النفسية هو الجنس والحقد على الآخرين، لأنهم لايملكون ما يملكه المواطنون البسطاء من علاقات حميمة وشريفة بين الجنسين من الرجال والنساء، مؤكدا أن غرض هذه الجماعات حينما يرون شابا يجلس مع فتاة في أي مكان ليس منع الشاب أو الفتاة من الجلوس مع بعضهما من أجل تطبيق الأخلاق ، ولكنهم يفعلون ذلك بدافع الغيرة والحقد على الشاب ، بل ويتمنون أن تكون لهم مثل هذه العلاقة مع الفتيات. وأكد صادق أن وجود هذه المادة في الدستور والتي ستؤدي للعنف بين أفراد المجتمع ستجعل المواطنين البسطاء يضطرون لحمل السلاح للدفاع عن أنفسهم أثناء وجودهم في أي مكان . وقال الدكتور حازم عبد العظيم- الناشط السياسي: إن الإسلاميين بالجمعية التأسيسية وضعوا بهذه المادة جملة « وفقا لما ينظمه القانون» من أجل إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمؤسسة واضحة تعمل في الدولة بالقانون ، مشيرا إلى أنهم لم يضعوا نص إنشاء هذه الهيئة صراحة بالمادة خوفا من انقلاب الناس عليهم وقاموا بتحويرها في صياغتها كي لا يفهمها المواطنون . وأكد عبد العظيم، أن الإخوان وضعوا هذا النص بالدستور لحين انتخاب مجلس الشعب الذي مهمته تشريع القوانين، على أن يقوم ممثلوهم بالمجلس بصناعة قانون يجعل جماعة الأمر بالمعروف هي المسئولة في المجتمع لحماية أخلاقه، وإجبار المصريين على العمل به، ما يضعنا في النهاية تحت سلطة الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تريد تطبيق شرعها بالعنف . أما المادة 8 فتتحدث عنها الدكتورة عايدة نصيف - استاذ الفلسفة السياسية بكليات اللاهوت والعلوم الإنسانية – قائلة : هذه المادة تفتح «أبواب جهنم» إذ تتيح للجماعات المتطرفة المستثمرة للاسلام بطريقة سيئة، وباسم الشريعة؛ تكوين ميليشيات تحمل شعار جماعة «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»، مستندة على غطاء دستوري تكفله هذه المادة لفرض احكام خاصة على المجتمع، وأضافت: «إن عوار هذه المادة التى نحتت من سيادة الدولة وجعلت المتشددين مشاركين فى حماية الأنفس والأموال والأعراض هو بداية لمستنقع الفتنة الطائفية الذى سيهدد المجتمع لاحقًا». ولا تخفى الدكتورة عايدة أن هذه المادة تفتح الباب على مصراعيه للتأويل والاجتهادات الشخصية عندما تجد الجماعات الطامحة فى هذه المادة السامة التى تفتك بالمجتمع سندا من الدستور لممارسة مقاصدها المغرضة فى المجتمع باسم الدين. أما أيمن عقيل- المدير التنفيذى لمؤسسة ماعت للدراسات الحقوقية والدستورية- فيرى أن هذه المادة فى مسودة الدستور ليست الوحيدة التى تخلط الأدوار فى اقتسام السلطات بين الدولة والمجتمع، وأن هناك كثيرا من مواد هذا المشروع مصابة بالعوار الذي يهدد كيان المجتمع ويبث روح الفرقة والفتنة بين فصائله المختلفة، ويسهل للعناصر المسلحة باسم الشريعة أن تستثمر الدستور فى القيام بدور ليس مطلوبًا منها، بما يهدد الوحدة الوطنية. وأضاف: «هذه الألغام الدستورية للمواد المتشعبة فى المسودة لابد من نزعها قبل أن تدمر المجتمع بتطبيقها، ونحن جميعًا نرفض مسودة الدستور باسرها والاستفتاء عليه، لأن هذا الدستور ولد ميتًا، ولا يصلحللحياة بهذه الصورة بعد ثورة 25 يناير».