قديمًا قالوا: حين تفقد الأوطان تموت الأبدان.. ولا فرق في ذلك بين بشر وحيوان ونبات وجماد.. فلكل مخلوق وطن لا يستطيع العيش بعيدًا عنه.. وبرروا القول إن الانتماء إلى وطن شيء لا غنى عنه.. ففيه شعور بالأمان، وحميمية لا توجد في أي مكان آخر.. وقدره ساقه للخروج من موطنه على غير موعد وبدون ترتيب، وفي لحظات مأساوية كانت أمواج المحيط الأطلنطي ثائرة، فساقته مرغمًا ليستقر وحيدًا في البحر المتوسط. . حاول العودة إلى بيئته وأقرانه ولكن جهوده فشلت.. وإثر محاولة غير ناجحة تلتها أخرى أصيب بنوبة اكتئاب، فكان قراره الانتحار على شاطئ كليوباترا بمحافظة مطروح، ليفاجئ الأهالي خلال الأيام الماضية بنفوق حوت ضخم من النوع المعروف ب«الحوت العنبر»، أو «Sperm Whale» وهو من أهم أنواع الحيتان المهددة بالانقراض. . تؤكد النظريات العلمية أن الحيتان تصاب بالاكتئاب وتقرر الانتحار لأسباب عدة من أهمها: حين تفقد القدرة على معرفة الاتجاهات أثناء هجرتها السنوية، وأيضًا حين تضل طريقها فتغادر موطنها وتفشل في العودة إليه مرة أخرى، كما أن هناك ظواهر بيئية عديدة منها الكسوف وارتفاع درجات حرارة الأرض تؤدي إلى فقدان الحيتان القدرة على تحديد الاتجاهات وتجعلها تهيم على وجهها تاركة أوطانها دون دراية. يؤكد الباحث محمود فؤاد، أن الحوت النافق بشاطئ كليوباترا في مرسى مطروح، يعد من نوع نادر يعرف ب«الحوت العنبر»، أو «Sperm Whale» وهو من أهم أنواع الحيتان المهددة بالانقراض، ولذلك تم إدراجه على القوائم الحمراء للاتحاد الدولي لصون الطبيعة، «IUCN». . يشير «فؤاد»، إلى أن الحوت النافق ذكر ، ويبلغ طوله 14 مترًا و30 سنتيمترا، ويعد أول حوت بهذا الحجم يتم العثور عليه نافقًا على شواطئ البحر المتوسط منذ 45 عامًا حين عُثر في ذلك الوقت، على حوت نافق كان طوله 12 مترًا و8 سنتيمترات. . يعترف الباحث، أن الطريقة التي تم التعامل بها مع «الحوت العنبر»، لم تكن الأمثل، ولكنها أفضل بكثير من طرق التعامل مع الحالات السابقة، فهذه هي المرة الأولى التي يتم التعامل فيها مع حيوان بحري نافق بهذا الأسلوب الفني حيث تم أخذ القياسات المختلفة لطول ووزن وأحجام الزعانف والرأس، وتم إجراء الفحص الظاهري لجسم الحوت بالإضافة إلى أخذ عينات من الزعنفة الصدرية لتحليل بصماتها الوراثية وعينة من الأسنان للوقوف بدقة على عمره، وربط كل هذه البيانات بالبرنامج الدولي لرصد هذا النوع من الحيتان. . يضيف «فؤاد»، أنه بعد إنهاء الفحص وأخذ العينات تم دفن الحوت في منطقة صحراوية جافة وبعد حفظ جسده بالبلاستيك ثم تغطيته بالجير الحي والرمال، وذلك كخطوة تمهيدية لاستخراج هيكله العظمي بعد تحلل جسده وعرضه بأحد المتاحف ضمن هياكل الحيوانات النادرة. . يذكر أن رضا عمر، مدير الثروة السمكية بمطروح، أكد أن الحوت النافق الذي عُثر عليه بشاطئ كليوباترا، أمام استراحة نادي الزمالك، طوله نحو خمسة عشر مترا، ويزن الحوت نحو سبعة أطنان، مشيرًا إلى أنه من الثدييات، التي تنتمي لفصيلة الأحدب، أو العنبر، وأن موطنه الأصلي المحيط الأطلنطي، ونزح إلى مياه البحر المتوسط للتزاوج، إلا إنه نفق بسبب تواجده بالمياه على عمق يزيد عن عشرة أمتار، مما أدى إلى وفاته. وقامت قوات الحماية المدنية، تحت إشراف مدير أمن مطروح اللواء هشام لطفي، بانتشال الحوت، ودفنه بالمدافن الصحية، في الكيلو 29 طريق مطروح - السلوم. وكانت انتقادات عديدة وجهت إلى مسئولى وزارة البيئة ومحافظة مطروح بسبب الطريقة غير الآدمية -على حد وصف البعض- التي نقل بها «الحوت العنبر» من شاطئ كليوباترا فوق سيارة نقل ثقيل، وهو مسحولًا بالحبال إلى المدفن الصحى الذي دفن فيه.
