تتطور الحركة السلفية تطورات دراماتيكية حتى لا تكاد تميز بين خطواتها الانفتاحية عن خطوات جماعة الإخوان المسلمين، فقد قرر الإخوان أن يتنصلوا من اتفاقاتهم مع آخر حليف لهم وهو القوة السلفية، وهو أمر متوقع منذ البداية ليس فقط لوجود خلاف عقائدى بينهم، لكن لأن تقسيم الغنائم لم يتم حسب الاتفاق. لقد خاضت القوى السلفية معارك ضارية ضد الشعب منذ عهد مبارك لحساب النظام المباركى، ورفضت الخروج على النظام أو عن طوع الحاكم، كما يقولون، بل وبررت وراثة جمال مبارك لمنصب الرئاسة بعد والده المخلوع. وبعد قيام ثورة 25 يناير تابعت القوى السلفية سياساتها، ولكن هذه المرة كانت لدعم الإخوان، وكفرت المعارضين من قوى مدنية وليبرالية وديمقراطية، وحللت دماءهم وهددت بسحلهم وقتلهم، ودعت للتعبئة من أجل خوض حرب مقدسة لحماية نظام الإخوانجية الآيل للسقوط. كما قامت بحشد الآلاف من بلطجية أمن الدولة وبلطجية الإسلام السياسى للاعتداء على المعتصمين وقتلهم فى ميادين التحرير وأمام قصر الاتحادية بالتعاون مع ميليشيات جماعة الإخوان المسلمين. ولكن "الجماعة" كعادتها بدأت تبحث عن سبيل للتنصل من وعودها للسلفيين ومطالبهم المتصاعدة، باعتبارهم شركاء للجماعة، وجزءًا من المشاركة الفعلية فى الحكم وصنع القرار السياسى للدولة، وهو ما حدث من خلال رصد سلوك الإخوان التقليدى فى عدة ملفات منها أنها لم تمنح السلفيين سوى ثلاثة مقاعد ومثلها للجماعة الإسلامية، على الرغم من أن مكتب إرشاد "المحظورة" وعد السلفيين والجماعة الإسلامية بنحو 10 مقاعد، فيما حصل حزب الوسط على 9 مقاعد. ولابد من توضيح أن الصراع التناحرى بين السلفيين والإخوان بدأ بالفعل منذ عدة شهور، وقد كشفت عنه تصريحات الداعية ياسر برهامى، الذى اعتبر أن تمكن الإخوان من الهيمنة على السلطة سيبدأ بمحاولاتهم للقضاء على الدعوة السلفية. كما أعلن الداعية أبوإسحاق الحوينى أنه لا يتفق مع الإخوان لفساد عقيدتهم وأخلاقهم، ما دفع العديد من الخبراء والباحثين المختصين بملف الإسلام السياسى للاعتقاد بأن حربا شرسة تناحرية ستقوم بين مختلف التيارات السلفية من جهة، والإخوان من جهة أخرى سببها تجاهل السلفيين فى توزيع الغنائم. فى هذا الشأن، يعتقد ثروت الخرباوى، القيادى السابق فى جماعة الإخوان، أن "الجماعة" رغم أنها كانت تسير نحو التسلف أو تبنى الفكر السلفى، إلا أنها ستدخل فى صدام حاد وتناحرى ضد الحركة السلفية، بعد أن استولت على السلطة، نتيجة تغير أولويات مكتب الإرشاد، التى تفرضها ضرورات السلطة، كما أنها تراجعت عن وعودها للسلفيين بتسليمهم مناصب فى السلطة التنفيذية، لأنها تنطلق من مصالحه وضرورة فرض سيطرتها المطلقة على السلطة، ما أدى لتهاوى طموحات الحركة السلفية أمام سيطرة الجماعة المحظورة على السلطة وتجاهلها لاتفاقاتهم مع تيارات الحركة. ومنها على سبيل المثال، اتفاقات خيرت الشاطر مع السلفيين على تشكيل هيئة أهل الحل والعقد، التى يفترض أنها ستراقب القوانين بعد صدورها لتصبح بديلا للمحكمة الدستورية. هذه الطريقة التى تعاملت بها الجماعة المحظورة مع الجماعة السلفية جعلت السلفيين يفجرون مفاجأة من العيار الثقيل عندما شهدت جولة الإعادة فى الانتخابات السابقة تطورات غاية فى الغرابة فالتحالفات فى جولة الإعادة شملت أطياف مختلفة جذريًا فى السياسية، كما تشهد التحالفات مفارقة من قبيل أن حزبى النور السلفى والحرية والعدالة التابع للإخوان المسلمين متحالفان فى بعض الدوائر ومتنافسان بشراسة فى دوائر أخرى عديدة. ومن هذه المفارقات التى شهدتها جولة الإعادة، قرار حزب النور السلفى التحالف مع المرشح طارق طلعت مصطفى عضو الحزب الوطنى المنحل أمام منافسه المستشار محمود الخضيرى المدعوم من حزب الحرية والعدالة، وأيضا تحالف بين السلفيين والمرشح حيدر بغدادى عضو الحزب الوطنى المنحل بدائرة الجمالية وذلك فى مواجهة مرشح حزب الحرية والعدالة فى نفس الدائرة، وأيضا تحالف حزب النور بالسنبلاوين بمحافظة الدقهلية، مع المرشح المستقل أسامة محمد عبدالمعطى، وهناك أيضا التصويت لصالح المرشح محمود الخشن عضو مجلس الشعب عن الحزب الوطنى المنحل وقيام أنصار حزب النور بدعمه والتصويت والدعاية له. وهو ما جعل جماعة الإخوان تبدأ فى رصد أعضاء الوطنى المنحل وقيادات بجهاز أمن الدولة على قوائم السلفيين. تحالفات حزب النور السلفى مع فلول الوطنى المنحل جاءت بعد تخلى الجماعة المحظروة عنها، كما أعلن الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، قنبلة من العيار الثقيل عندما قال: إنه لا مانع من الاستعانة بالأعضاء السابقين بالحزب الوطنى المنحل ضمن مرشحى "حزب النور" خلال انتخابات مجلس النواب القادمة. واستمرارًا لمسلسل التحالفات بين السلفيين والفلول أعلن الدكتور عماد عبدالغفور، مساعد رئيس الجمهورية للتواصل المجتمعى السابق، رئيس حزب الوطن، عدم ممانعة حزب الوطن فى انضمام أعضاء سابقين من الحزب الوطنى المنحل إلى عضويته. ولاشك أن الصراع بين الإخوان والسلفيين تصاعد كثيرًا فى الآونة الأخيرة بعد إجهاض الجماعة لثورة 25 يناير، فهل يحتدم بعداء وثورة؟.