مضت سنة 2012 تجر في ذيولها مرارات الألم والحزن على بلد من كثرة ما فقد، لم يعد يمتلك ما يفقده الآن، ويمضي العام الجاري وهو يلملم جراح الوطن، ويحاول تجفيف بقع الدم التي تناثرت في كل أرجاء البلاد، حتى صارت رائحة دماء الشهداء والقتلى تزكم الأنوف. يعد عام 2012 فارقاً في تاريخنا المعاصر، لأنه العام الفيصل بين الحكمين العسكرى والمدني، كما أنه العام الأكثر دموية، حتى إن كل يوم من أيامه أضاف على ثوب البلاد بقعة جديدة من اللون الأحمر، الذي سال بالشوارع والحواري والميادين العامة، وتلطخت به أسوار الكنائس وحوائط المساجد، ليبقى العنف عنواناً لوطن مأزوم بالنخبة المريضة بشهوة بالسلطة. فى مساء يوم الأربعاء الدامى الأول من فبراير عام 2012، ارتوى النجيل الأخضر باستاد بورسعيد بدماء الألتراس الأهلاوي، في فاجعة وصفتها الصحف الأجنبية بأنها الأسوأ في تاريخ كرة القدم العالمية، وراح ضحية الأحداث ما يقرب من 74 شهيدا، ومئات الجرحى والمصابين، كل ذنبهم أنهم أحبوا ناديهم وذهبوا خلفه يشعجونه في محافظة أخرى من نفس الوطن، وبدلاً من أن يتجولوا في شوارع المدينة الباسلة للتنزه بعد المباراة، هرولوا هرباً من الموت الذي لاحقهم في كل شارع وحارة خارج أسوار الاستاد. أما يوم الخميس الثالث من مايو من نفس العام، تجمهر الآلاف أمام مقر وزارة الدفاع بالعباسية للاعتراض على سياسات المجلس العسكري، الذي كان يقود البلاد وقتها، لم يجد العسكر إلا القوة لتفريق المتظاهرين الغاضبين، وانتهى ذلك اليوم بقتل 9 من المدنيين وإصابة 168 بإصابات متعددة. وفى الذكرى الأولى لأحداث شارع محمد محمود، وتحديدا فى مساء يوم ال19 من شهر نوفمبر من نفس العام، وقعت اشتباكات بين المتظاهرين بميدان التحرير وقوات الشرطة، وحدث كر وفر بين الشرطة والمتظاهرين بشارع قصر العيني بوسط القاهرة، حيث قامت قوات الأمن بإطلاق القنابل المسيلة للدموع، فيما رد المتظاهرون بالحجارة وزجاجات المولوتوف، ما أسفر عن وقع عشرات الجرحي بين الطرفين. وقد أعادت تلك الأحداث إلى الأذهان ما وقع فى فى نفس اليوم من العام السابق، عندما حدثت اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين وراح ضحية تلك الأحداث 50 شهيداً، فضلا عن مئات الجرحى، وكانت الكثير من الإصابات في العيون والوجه والصدر نتيجة استخدام الخرطوش، بالإضافة إلى حالات الاختناق نتيجة استخدام الغاز المسيل للدموع، وقد وصف مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب أحداث ذلك اليوم بأنها كانت حرب إبادة جماعية للمتظاهرين باستخدام القوة المفرطة وتصويب الشرطة الأسلحة على الوجه مباشرة بقصد إحداث عاهات مستديمة بالمتظاهرين واستهداف المستشفيات الميدانية. وأكدت تقارير رسمية أن الشرطة استخدامت الهراوات وصواعق كهربائية ورصاص مطاطي وخرطوش ورصاص حي وقنابل مسيلة للدموع أقوى من الغاز القديم وقذائف مولوتوف وبعض الأسلحة الكيماوية الشبيهة بغاز الأعصاب وقنابل الكلور (en) المكثف وغاز الخردل والفسفور الأبيض والغازات السامة، وذلك مقابل استخدام المتظاهرين الحجارة والألعاب النارية، مثل الشمروخ والمولوتوف. ونتيجة لتلك الأحداث قامت منظمة العفو الدولية، بمطالبة وقف تصدير الأسلحة والقنابل المسيلة للدموع للداخلية المصرية حتى إعادة هيكلة الشرطة بعدما استوردت مصر من أمريكا 45.9 طن من قنابل الغاز والذخائر المطاطية. وفى يوم الخميس السادس من ديسمبر، تجددت الأحزان وتفرقت الدماء على أسوار قصر الاتحادية بمقتل 9 شهداء، على رأسهم الزميل الحسينى أبوضيف الصحفي بجريدة الفجر، وأصيب في تلك الأحداث التى وقعت بين مؤيدى ومعارضى الرئيس 346 مصاباً. ساعات ويرحل عام 2012، لترحل معه آلام المصريين جميعاً، متوجهين إلى السماء بالدعاء، لعل العام القادم يكون أكثر تفاؤلاً وأملاً لهم.