الحكم على الكاتبة فاطمة ناعوت بثلاث سنوات سجنا، بتهمة ازدراء الاديان، لن يكون الأخير، فمازال أمام المحاكم خمس قضايا أقيمت ضد كتاب ومفكرين. ويبدو أن الحكم الصادر ضد المفكر إسلام بحيرى وقضى بسجنه فتح شهية بعض المحامين لإقامة الدعاوى ضد كل من يحاول الاجتهاد وتقديم رؤى مخالفة للتيار السلفي. ومن أسف المحاكم لم تكن تنظر مثل تلك القضايا في زمن مبارك إلا في أضيق نطاق، وكانت تصدر أحكام البراءة انتصارا لحرية الفكر، ولكنها بدأت تتوسع في نظرها منذ أعلن الرئيس السيسي دعوته لتجديد الفكر الدينى في محاولة لحشد الرأى العام ضد التجديد، وتخويف كل من تسول له نفسه الاقتراب بالنقد لأفكار السلف. أما القضاة الذين يصدرون أحكاما تقضى بسجن أصحاب الآراء المخالفة للتيار السلفي، فأنهم يلتزمون بتطبيق نصوص القانون وإذا كان الدستور يؤكد على حرية الفكر.. وأن الفكرة يرد عليها بالفكرة وليس بالحبس، والدين السمح لا يجبر غير المؤمنين على أن يؤمنوا به.. ويترك حسابهم عند الخالق، فإن استمرار تلك القوانين تبدو متناقضة مع توجه مصر نحو دولة مدنية تتيح لمواطنيها حرية الفكر والاعتقاد.. وتشكك في جدية الدولة ودعوتها لتجديد الخطاب الديني، وتحول دون أية محاولة جادة للاجتهاد لأن عواقبها لم تعد مأمونة.. والسجن يواجه كل من يخاطر بتقديم آراء مخالفة للتيار السلفي، الذي يثبت كل يوم قدراته الفائقة على تعطيل عجلة الاجتهاد ويتصدى بعنف للمجتهدين. رغم أن المجددين يناقشون أفكار السابقين التي هي من اجتهاد البشر وليست منزلة من السماء، كما أن آراء المجددين تحتمل الخطأ والصواب.. وهناك من يقبلها ومن يرفضها، وعلى سبيل المثال لم يقبل قطاع واسع من المواطنين أسلوب إسلام بحيرى في طرح أفكاره، وإن لم يختلفوا معه في صحة تلك الآراء.. وبالطبع هناك من رفضها واعتبرها تطاولًا على السلف الصالح. واتسعت رقعة الخلاف مع الكاتبة فاطمة ناعوت.. ولكن الخلاف في الرأى لا يعنى تأييد الحكم بحبسها.. ليس اعتراضا على القضاء.. إنما إدانة لنصوص قانونية لم تعد تلائم العصر. ناعوت قدمت رأيا يحتمل الصواب والخطأ.. ولم تحمل بندقية أو تزرع قنبلة، ومن حق من يختلف معها أن يطرح رؤيته عبر وسائل الإعلام ويترك للرأى العام مهمة الحكم على تلك الآراء. المشكلة أن صدور الأحكام التي تقضى بسجن المفكرين، أنها تزرع الخوف في صدور كل من يحاول الاجتهاد، ويحرم المجتمع من تلك الآراء وتسد الطريق أمام دعاة تكفير البشر الذين يدعون أنهم يملكون مفاتيح الجنة والنار.