يأتى لقب «الخط» للدلالة على أن حامله مجرم يعمل له الجميع ألف حساب، وأنه «دوخ» الشرطة ولا تستطيع الإمساك به، ولكن كثيرين لا يعلمون لماذا يسمى مجرمون الصعيد العتاة باسم «الخط» ؟ الإجابة على السؤال السابق ترجع إلى أول من تسمى بالخط وهو محمد محمود منصور هاشم، ابن قرية «درنكة» بأسيوط، الذي ولد في مطلع القرن الماضي، هو أول من يطلق عليه اسم «خط الصعيد». تشير أغلب التقديرات إلى أن «منصور» ولد في عام 1907، إلا أن أول جريمة قتل تنسب له كانت في عام 1914، وهو ما يهدم تلك التقديرات، وترجح أن يكون ولد قبل ذلك بسنوات وجاء تسمية منصور ب»الخُط» لأن لا أحد يعرف «خط سيره» أي تحركاته ومكان تواجده، سُمى «منصور» ب»الخط».. كان هذا ما ذهبت له بعض الروايات المتداولة عن ابن قرية «درنكة»، فيما قالت روايات أخرى إن جده كان فقيها في علوم القرآن واشتهر ب»سر الختمة» أي الأمين على القرآن، وعرفت العائلة باسم «الختمة» بكسر الخاء ثم تحور اللفظ فأصبح «الختم» ثم «الخت» ثم تطور إلى «الخط» بضم الخاء وتضاربت الروايات حول بداية مشوار خط الصعيد الإجرامي، حيث تقول إحدى الروايات إن أول جريمة له كانت قتل أحد أبناء قريته انتقاما لمقتل أحد أقاربه، فيما تقول رواية أخرى إنها كانت انتقاما من شيخ خفراء بلدته ويدعى «حميدة» لأنه منعه من الرعى في مكان بعينه وتمادى في تعديه عليه، فقتل «منصور» نجل «شيخ الخفر» في اليوم التالي. «منصور» الذي قيل إنه كان يتمتع بذكاء شديد، فر بعد أول جريمة ارتكبها إلى الجبال التي تحتضن قريته، حيث التف حوله عدد من الخارجين عن القانون والهاربين من أحكام قضائية، ويطلق عليهم في الصعيد اسم «المطاريد»، وقاموا تحت قيادته بأعمال إجرامية تنوعت بين قتل وخطف وسرقة. على الرغم من أنه لا توجد إحصائية دقيقة عن عدد من قتلهم «منصور» خلال مشواره الإجرامي، فإن ما اتفقت عليه معظم الروايات والقصص المتداولة عن خط الصعيد الأول تقول إنهم 20 شخصا على الأقل، فيما تقول بعض الروايات الأخرى إنهم 60 شخصا. تحدى «منصور» للشرطة وسخريته منها جعله في إحدى المرات يدخل السينما ليجلس بجوار مأمور شرطة أسيوط الذي دخل ليرفه عن نفسه بعد معاناة البحث عن الخط، حيث أشعل له سيجارة، ثم بعث له برسالة في اليوم التالى أخبره فيها أنه هو من أشعل له السيجارة التي دخنها في السينما أمس. لقي الخط مصرعه في أواخر الأربعينيات من القرن الماضي، حيث قتل أثناء تبادل لإطلاق النار إثر خطفه لصبي، ومثلما تعددت الروايات حول بداية مشواره الإجرامى وسبب تسميته بالخط، تقول بعض الروايات إن من قتله هو عمدة قرية تسمى «جحدم» ويدعى حمدى خليفة، الذي كانت تربطه علاقة وثيقة بالخط، فيما تقول روايات أخرى أن من قتله ضابط شرطة نتيجة لغدر من عمدة جحدم له. حكاية نوفل في عام 1967، ولد نوفل سعد الدين ربيع، أحد أبرز من حملوا لقب «خط الصعيد»، وذلك بقرية «حمرة دوم» التابعة لمركز نجع حمادى بمحافظة قنا. لم يسلك نوفل بن عائلة «سليمان» التي تنتمى لقبيلة «الهوارة» طريق الدم بخاطره، ولكن ساقه الثأر إليه، حيث قُتل والده وشقيقه وعمه وأبناء عمه عام 1979، في خلافات ثأرية مع عائلة «هنداوي» التي نصبت كمينا لهم أمام قسم شرطة نجح حمادي. حمل «نوفل» السلاح وهو في الثالثة عشرة ليثأر هو وآخرون من أفراد عائلته، من عائلة «هنداوي»، التي تربصت بوالده وشقيقه وعمه وقتلوهم أمام قسم شرطة نجع حمادي، في واقعة هزت أرجاء المحافظة حينها، وقتل اثنين من عائلة «هنداوي» ليبدأ مشوار الدم. «نوفل» الذي كان يرفض تسميته ب»خط الصعيد» ساعد الداخلية في تسعينات القرن الماضى في الإمساك بعدد من العناصر الإرهابية، بعد أن لجأ له الأمن عقب حادث الدير البحرى الإرهابى الذي وقع بمدينة الأقصر عام 1997، واستطاع أن يفك لغز اقتحام بنك المراغة في سوهاج، وكشف الجناة، كما أنه ساعد الشرطة في ضبط قتلة اللواء عبد الحميد غبارة. شيد «نوفل» الذي كان يبث اسمه الرعب في نفوس كثيرين، مسجدا في قريته ومدرسة لمحو الأمية، ويتداول بعض أبناء نجع حمادى مواقف وقصصا عن ابن «حمرة دوم» تعتبره «شهما»، كحكاية عن شخص نجده الخط عندما كان يقف في «منطقة مقطوعة» يبحث عن وسيلة مواصلات تقله لقريته، فوجد شخصا يقله بسيارته، ليفاجأ فيما بعد بأنه «خط الصعيد». اُتهم «نوفل» بقتل «شمبري» نجل شقيقه «فيصل» بسبب خلافات على الميراث، وهى تهمة ظل «نوفل» ينكر ارتكابه لها حتى وفاته، وانتهت فترة الود بين «نوفل» والأمن، بخاصة مع القضاء على الإرهاب في الصعيد، وصدور أحكام عديدة ضده. في 4 مايو 2007، شنت قوات الأمن حملة أمنية استهدفت «نوفل»، حيث قتل في تبادل لإطلاق النيران مع الشرطة استمر لصباح اليوم التالي، تاركا طفلا في الخامسة عشر من عمره، حمل لواء والده فيما بعد، إلا أنه ألقى القبض عليه قبل أن يتحول لخط جديد في 4 يوليو من العام الجارى داخل شقة بالعجوزة واثنين من أصدقائهم ومعهم ثلاثة ساقطات، بحسب ما أعلنته حينها مديرية أمن الجيزة. الخط الشريف!! بمحافظة الأقصر، ولد ياسر عبد القادر أحمد إبراهيم الحامبولي، في مدينة الزينية، عام 1978، وهو آخر من حمل لقب «خط الصعيد». تزوج «الحامبولي» مرتين، وأنجب أربعة أطفال، تعلم الإجرام على يد أبيه الذي كان مسجل خطر في 37 قضية جنائية، وبحسب تقارير صحفية تطرقت لنشأته كان أخطر طفل بين أقرانه. «الحامبولي» الذي بدأ مشواره الإجرامي، بسرقة الماعز والحمير والمواشي، ثم السطو المسلح على الطرق السريعة وعلى محطات البنزين، بدأت شهرته بعد استيلائه على منطاد سياحى في وسط النهار حتى يتم الإفراج عن ابنه من قبل قوات الأمن، وتعتبر أبرز جرائمه قتل رئيس مباحث القصير أثناء قيامه بعملية سطو مسلح على خزانة إحدى محطات البنزين بالقصير. الغريب أن خط الأقصر كان في نظر البسطاء «روبين هود» الذي يسرق الأغنياء لأجل إطعام الفقراء، حيث يروى بعض أهالي الأقصر عنه أنه كان يعطى ما يسرقه إلى الفقراء، وقيل إنه في ذات مرة طرق باب منزل وطلب من أهله كوب من الماء، فأتوا له بماء ليس بارد لعدم امتلاكهم «ثلاجة» فاشترى ثلاجة لهم. مع تزايد النشاط الإجرامى ل»الحامبولي» الذي هرب من سجن قنا العمومي، في أحداث ثورة 25 يناير، حيث كان يقضى عقوبة السجن ثلاث سنوات، شنت الشرطة حملات أمنية للقبض عليه، خاصة بعد حادثة «المنطاد». حتى ألقت أجهزة الأمن القبض على «الحمبولي» الذي كان يدعى أنه مخترق لأجهزة الأمن بالأقصر، في 27 يناير 2012، وصدرت ضده أحكام بالسجن يتجاوز مجموع الأحكام فيها 250 عامًا، ويواجه تهمًا في عشرات القضايا الأخرى مقسمة على عدد من المراكز والمحافظات. في النماذج الثلاث السابقة نلاحظ أن بداية خط الصعيد في الإجرام كانت هي جرائم الثأر، مما يؤكد أن هذا النوع من الجرائم، هو المصنع الأول لإنتاج المجرمين العتاة، كما نلاحظ أنهم دائما يلعبون دور روبن هود الذي يسرق من الاغنياء ليعطى الفقراء، مما يؤكد أن العامل الاقتصادى يأتى في المقام الثانى بعد الثأر، ويدفع الأبرياء اللى أن يرتدى أحدهم ثوب الخط.