الطوفان حين يأتي.. يأذن الله لأبواب السماء أن تتفتح فينهمر منها ماء أكثر من أنفاس البشر.. ويأمر عيون الأرض أن تتفجر كالبراكين التي ينصهر فيها كل شئ.. يلتقي هبوط وصعود.. ليحدث أمرًا مقدرًا.. يمزج عالي البسيطة بسافلها.. ويآخي لحوم وعظام البشر بالحجر.. فتعود مكونات المخلوق كما كانت قبل خلقها. لذلك من يفكر أن يسير ومن خلفه الطوفان فهو عابث.. يحاول مخطئًا أن يسبق مالا يٌسبق.. لأن خطاه لا شك ستتعثر ولو بحبة رمل.. وحينها سيجهز عليه الطوفان.. وسيحول بينه وبين الحياة ليكون مصيره من الغارقين. أما من يجيد التدبر فسيكون قراره السير ومن أمامه الطوفان.. سيجعل من تدفق مياهه أداة لإصلاح المعوج.. وتمهيد الصعب.. ستتيح له التبعية هنا انتقاء أرض ممهدة.. قابلة لأي بذرة تغرس فيها.. صالحة لتشييد بيت يقطن فيه الناجون من الغرق. وبداخل كل واحد منا طوفان إما أن يسبقه فيغرق ويموت.. أو يخلفه فينجو وينعم بالحياة.. وطوفان البشر في هذا الزمان هو مجموعة القيم والمبادئ التي يحاول البعض عبثًا التمسك بها.. الحب.. الصدق.. الشفافية.. إسداء النصح.. وغيرها من مصطلحات راقية عرفها الإنسان فٌفضل بها عن باقي الخلق.. كلها باتت طوفانًا يموت غرقًا من يحاول التمسك بها أو حتى إهداؤها إلى بني جلدته.. إحاكة المؤمرات.. وخلق الوقيعة بينه وبين المحبين والداعمين له.. هو الطوفان الذي سيغرقه به "الشللية" كارهي نبتة الحب والخير على هذه الأرض.. وما أكثرهم في مجتمعنا هذا..!! وأمام "الشللية" لم يعد أمام الراغب في النجاة من الموت غرقًا، والظفر بحقه في الحياة سوى السير خلف الطوفان برؤية وتأني.. فلا مانع من "المداهنة" التي سيصبح معناها "المحاباة"، ولا حرج من تغيير مسميات ومصطلحات الشر.. إلى ضدها.. ففي النهاية سيندرج الكل تحت نظريات "أكل العيش".. ولا عار في هذا حتى وإن اختلط طعمه بكثير من مرارة النفاق والإذلال.. المهم أن يرتاح بعد خوضه لهذه المباريات الشاقة من أحد رؤوس أفاعي "الشللية" ليتهيأ في خوض سباقات مماثلة مع أفاعي أخرى وأخرى. أنا وأنت وهذا وذاك.. وكل من ينوي أن يحبو ومن أمامه الطوفان يمهد له طريقًا لا تتعثر فيه الأقدام.. سيبقي أمامه معادلة صعبة.. إما أن يموت غرقًا لأنه قرر أن يحيا بمبادئه وقيمه وأراد أن يكون كما خلقه الله "مكرمًا" لا يعرف سوى إهداء المحاسن والمكارم لغيره.. وإما أن يعيش بمبدأ "بيدي لا بيد عمرو" ويمتلك الشجاعة التي تمكنه من التشكل بوجوه لا تعد ولا تحصي.. من احتراف رسم الابتسامة الصفراء على الوجه.. من التحول إلى أي شئ لا يصلح أن يطلق عليه "الإنسان".. وهنا فقط سينجو من الغرق.. إلا أنه لن يعود يومًا كما كان.. راقيًا.. مفضلًا عن كل شئ خلقه الله.. ف «المسخ" حين يفيق ويقرر العودة يتلاشي ويذوب كقطعة الثلج التي أرادت أن تواجه لهيب الشمس.