الجبالى دخلت التاريخ من أوسع أبوابه بعد تفصيل مادة على مقاسها فى مشروع الدستور نحن فى مأساة لا قرار لها صنعها الطمع والغلو والغرور والاستعلاء إذا كان الدكتور عبد المجيد محمود النائب العام المُقال قد دخلَ التاريخ باعتباره جبلاً ثقيلاً لم يتزحزح بقرارٍ جمهوري ، وظلَّ خلعُهُ شاقًّا ومُضنيًا ، واستوجبَ عملية جراحيّة بدون بنج وهي إصدار إعلان دستوري ( باطل ، إلا أنّه حقق المُراد)، فإنّ السيّدة تهاني الجبالي قد دخلت التاريخ من أوسع أبوابه ، إذ تمّ تفصيل مادة على مقاسها في مشروع الدستور ( ذات نفسه ) ، ولم يكن يتبقّى سوى ذكر اسمها رُباعيّا ، مع تاريخ الميلاد ومحلّ الإقامة ! غيرَ أنّ المأساة لم تقف عند حدّ قطع الطريق على المستشارة المذكورة ، ولكن أصيبَ معها سبعةٌ آخرونَ أبرياء أبرزهم زميلها المستشار حاتم بجاتو ، لكنّها ستظلُّ بطلةَ الأفيش المزمنة على شاشاتِ التاريخ القضائي والدستوري ، وسوف توضعُ إلى جوار كثيراتٍ من أيقونات الحِراك المصري مثل كليوباترا وأوزوريس ونفرتيتي وشجرة الدّرِّ ... ، ويبدو أنّها موعودة بإثارة اللغط والضجيج حول كلّ خطواتها ، بالرغم من أنّ تاريخها يشهدُ لها بالتفوّق ، والمناصب التي تبوّأتها تشرّفُ كلّ مصري ، والأوسمة والدروع التي حصلت عليها تعادل حمولة سيارة نقل بمقطورتين ، لكنّ سيئتَها الكبرى أنها محسوبة على «شجرة الضُّرّ»، امرأةِ المخلوع ، التي جاءت بها من معسكر القضاء الواقف ، كمحامية ، لتصبح أوّل قاضية في تاريخ القضاء المصري ، وليس كأية قاضية إذ قفزت رأسًا إلى أعلى هيئة في بلادنا وهي المحكمة الدستوريّة العليا ! بدأت تهاني الجبالي ، المولودة بمحافظة الغربيّة في العام 1950م ، حياتها العملية بقسم الشئون القانونيّة بجامعة طنطا ، لكنّها لم تُكمِل المسيرة هناك وقدّمت استقالتها لتعملَ بالمحاماة ، وبسرعة البرق تقافز اسمها إلى الأسماع ولمع مصريّا وعربيّا ودوليّا ، وجاءت القفزة الكبرى في يناير 2003م عندما صدر القرار الجمهوري بتعيينها ضمن هيئة المستشارين بالمحكمة الدستوريّة العُليا ، ما أثار ردود فعلٍ كثيرة كانت في غالبيتها رافضة ومتعجّبة بل ومُستهجِنة ، ولم تسلم من الهمز واللمز والغمز والاتهام بأنها مسنودة بسيّدة القصر الرئاسي ، شخصيًّا . بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير المسروقة، فرضت تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستوريّة حضورها الطاغي على وسائل الإعلام المعروفة وغير المعروفة ، بداعٍ ، وبدون داع ، وأصبح كلامها كثيرًا ومثيرًا ومكررا ومملاً إلى الدرجة التي لا تُطاق فقد كنت تراها على الهواء فتقوم بتغيير القناة فتجدها على قناة أخرى في حوار مسجّل ، تطير إلى ثالثة فتجدها في حلقة مُعادة ، تغلق التليفزيون وتبحث في كومة الجرائد لتتسلّى فتجدها على الصفحة الأولى في معظم الصحف ، وكان كلامها الكثير الوفير المثير يحمل الانتقاد للمحظورة وتوابعها ، وأهل المحظورة كما تعلم عزيزي المشاهد ليس في وسعهم النسيان ، لكنّهم يؤجّلون كلّ شيءٍ لميعاد ! لم تكن المستشارة تدرك أن الكرة ستتدحرج بسرعة ليقفز الإخوان على الثورة في حماية المجلس العسكري الغلبان ، وأنهم سينتقمون من كلّ الذين هاجموهم أو أفشوا أسرارهم ومساوِيهم ، وأنها في القائمة الأولى (بما يليقُ بمقامها) ، وليس بيننا مَن ينسى تصدّيها كثيرًا بالنقد للسيّد الرئيس ، شخصيّا ، وللأسف الشديد فقد كانت على حقّ في تسعين بالمائة من مواقفها المناوئة للإخوان ، أمّا موقف السيّد الرئيس من القضاء تحديدا فلا يحتاجُ إلى إعادة ما قلناه ، ويكفي أنّه جعلَ كلّ الهيئات القضائية تعود ككتلة واحدة ، بما فيها القضاء الواقف أعني السادة المحامين ، إلا المنتمين لمعسكر الإخوان هذا الموقف المشرّف من غالبية رجال القضاء والنيابة العامة والمحامين أعطانا الأمل مرّة أخرى ، وضرب المثل الأعلى لقيمة الاتحاد من أجل الحقّ وكرامة المهنة وأبنائها ، وهذا ليس معناه أنني ضدّ السيّد الرئيس ، لا سمح الله ، ولكنني مع الحقّ والصواب أينما كانا ، فكلّ الضرباتِ التي تمّ كيلُها للقضاء ورجاله كانت موجعة ، وكلّها باطلة ، بدءًا من قرار إعادة مجلس الشعب المنحلّ المعدوم ، وقرار إقالة النائب العام ، ثم الإعلان الدستوري الباطل الذي أشعلَ البلاد وقسّمها إلى خمسمائة شِلْوٍ في حجم قبضة اليد ، وكانت الفضيحة الكبرى هذا الحصار لمبنى المحكمة الدستورية ومنع القُضاة من الدخول (إلى الآن ) ، وهذه الهتافات الجارحة التي لا تليق والتي نرفض أن يزجّ باسم رئيسنا فيها : « يا مرسي إدّينا إشارة واحنا نجيبهم لَكْ ف شْكارة» هل يقبل السيّد الرئيس هذا ضد بعض رعايا دولته من بعض رعاياها الآخرين ؟ و.. أين السيّد وزير الداخلية ؟ لماذا لم ينتفض ليقبض على هؤلاء ويحاسبهم على هذه الإساءة إلى مقام السيّد الرئيس ؟ هذا الهتاف أصابني بالخجل ، فمهما اختلفنا مع رئيسنا فإننا نختلفُ تحت سقف البيت ، حتى وإن كان الصوتُ عاليا ، لكن أن يوضعَ اسمه في مثل هذه البذاءات فهذا ما نرفضه ونصرّ على منعه ( من أيّ فردٍ في المجتمع كلّه ) ، اهتفوا كما تشاءون ، ولكن لا تسيئوا إلى الرجل الذي يمثّل واجهتنا جميعا ، واعلموا أنه مسنود على الشرعيّة التي جاءت به من خلال صناديق الانتخاب وليس من خلال أصواتكم المزمجرة وشعاراتكم الفجّة المُسيئة ، ولا تظنّوا أنه رئيسكم وحدكم ، لا ، إنه رئيسكم ورئيس الذين يعارضونه ويعارضونكم ولو كانوا على خطأ ، وفي الدولة المحترمة التي تحافظ على القانون والدستور ، يكون التسامح عند الخطأ ، أو اللجوء إلى القضاء ، غير ذلك فلا ! و... لأنّ المستشارة تهاني الجبالي هي بطلة الأفيش كما قلت ، فقد حوصرت بالتشويه والسباب من كلّ جانب ، فضائيّا وصحفيّا وفي شبكة الانترنت ، وأستحي أن أذكر الأوصاف التي نعتتها بها كتائب الشتّامين باسم ديننا الحنيف الشريف، كما كان لزامًا على القوات الصامدة حول المحكمة أن تخصّها بعدة هتافات ، أهمها : صوّتي يا تهاني .. مانتش داخلاها تاني على مستوى الصورة الأدبية والفنيّة ، هناك توفيق شديد لمن نحت هذا البيت الزجلي ( وأحسده فعلا ، حسد الإعجاب وليس الحقد أو الغلّ ، فخلفي ثلاثون عامًا من الكتابة الشعريّة والحمدُ لله ) ، ولكن على مستوى الصورة الأخلاقية لمجتمع أغلبيته مسلمة ، وتقاليده تحرّم الإساءة إلى الآخرين بما يهينهم أو يحقّرهم أو يجرح مشاعرهم فإن النتيجة : صفر مربّع ! هل كان أحدٌ يتخيّل ما حدثَ أمام القصر الجمهوري رمز هيبةِ الدولة وكرامتها ؟ أبدًا ، ما كنّا نتخيّل ولا نأمُل أن تُراق دماءُ المصريين بأيدي المصريين على أبوابه ! مَن السبب ؟ وهذه الأرواح التي صعدت إلى بارئها بلا ذنب ؟ وهذه المشاهد التي طرّزت سماءنا بالسواد وقلوبنا بالحزن والكمد والأسى ! لا أجد الإجابة ، لكنني أستعيرها من زميلنا الراحل نزار قبّاني ، وأترك الباب مفتوحًا : فإنَّ مَنْ بدأَ المأساةَ يُنهيها وإنّ مَنْ فتحَ الأبوابَ يغلقُها وإنَّ مَنْ أشعلَ النيرانَ يُطفيها سقطنا بين شقّي رحى ! وفي كلّ سقطة نعود إلى نقطة الصفر ! غير أننا في هذه المرّة تراجعنا إلى ما تحت الصفر : الإعلان الدستوري الباطل تم إلغاؤه وإبداله بإعلان دستوري باطل مثله ! والقوات المرابضة في كلّ شوارع مصر وميادينها تزداد اشتعالا وكلٌّ متمترسٌ عند لاءاته وشروطه المسبقة ، الاستفتاء على الدستور المعيب في موعده ، ومَن يعترض يضرب رأسه في صخر المقطّم (بشرط أن يكون بعيدا عن مقرّ الإخوان ) ، كتائب الإخوة الأعداء تتحرّك في كلّ اتجاه ، لدينا أسلحة نارية وخرطوشيّة وبيضاء وسوداء ومولوتوف وسنج وطوب وزلط ونبابيت شوم ، ولدينا وحدات خاصة لتشويه السمعة ، والسّحبُ السوداء التي تطلّ برءوسها لم تحرّك ساكنا في رءوس قادة المعركة ، وملابس الحداد التي تتدلّى من الشرفات جعلتنا أكثر تعطّشًا لدمائنا المُراقة بأيدينا ، وأتساءل : متى سيسقط شعار « الدستوريّة مقابل الاتحاديّة «؟ ومتى نفضّ اشتباك « التحرير مقابل سور مدينة الإنتاج الإعلامي «؟ متى سيتم تبادل الأسرى بين القوى المتحاربة هنا وهناك ؟ هل قبل الاستفتاء على الدستور المشموم ، المشئوم ، أم بعده ؟ وهل سنكون بحاجة إلى تدخّل كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي وربّما كيسنجر ، أم سنكتفي بوساطة الشيخ محمّد حسّان ومعه الشيخ المُستَورَدُ إيّاه ؟..... ؟؟؟ نحن في مأساة لا قرار لها ، صنعها الطمعُ والغلوُّ والغرورُ والاستعلاءُ والاستهانة بحاضر الوطن ومستقبله ، تحوّلت مصرُ إلى كرة شراب في أقدام مجموعة من الهواة والخارجين على القانون يتقاذفونها في ملاعب المجهول ، بينما رءوس الدولةُ وبوليسها وسيادة قانونها في مدرجات المتفرّجين ، ولا أحد ، إلا الله ، يعلم متى تُطلق صافرة النهاية ! وإذا كان الناحت المجهول قد صاغ بيتا شاردًا يؤلم به المستشارة تهاني الجبالي التي ستتجاوزه وتدوسه وتمضي ، فإنني أصرخُ فيها وفي كلّ تهاني قائلا : صوّتي يا تهاني ... ولكن ... على مصر وثورتها !!! غابت الدولة تماما عن المشهد ، والعالم كلّه يتابع بذهول واندهاش ، الكلّ ضدّ الكلّ.