في كتابه "خواطر إداريّة.. قصص ودروس وتجارب إنسانيّة" الصادر حديثًا عن جمعية المهندسين في الإمارات العربيّة المتّحدة، يسلّط الدكتور حسام يوسف، الخبير الإداري، عضو الجمعية البريطانية لمستشاري إدارة الأعمال، الضوء على علم الإدارة وأهمّيته على مستوى الأفراد والشركات والدول، وفي كافة تفاصيل الحياة اليوميّة. يستلهم يوسف الكثير من تجربة دبي التي يجدها معجزة القرن الحالي، وأيقونة التطور في الدنيا، وواحة الأمان، والاستثمارات، وقبلة السياح في الشرق الأوسط، وحاملة راية العرب التي حقّقت هذا التقدّم والرقي المشهود له بفضل إدارتها الرشيدة. وأكد الكاتب أنّ التاريخ سيقف طويلًا أمام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بما أضافه سموه إلى علم الإدارة من خلال قيادته الحكيمة، وسعيه نحو تحقيق الأفضل لأمّته وشعبه، قائلًا: "إنّ سموه مدرسة يتعلّم فيها القادة كيف تكون إدارة البلاد وشئون العباد..فإنجازات سموه وخطاه على صعيد التنمية الإداريّة يراها القاصي والداني، ويقرّها ويشهد بها الجميع". يبيّن يوسف أنّ علم الإدارة وضع حلولًا دقيقة واقعيّة للمؤسّسات والشركات الدوليّة، وهي تبدأ من كلّ تفاصيل حياتنا، ويجد أنّ العمليات الإداريّة عمومًا تعاني من أمراض شتّى، تتنوّع ما بين التطبيق والانحراف عن المعايير المحددة بالزيادة أو النقصان، وعدم القدرة على تنفيذ الخطط الموضوعة، فضلًا عن عوامل أخرى تتعلّق بالفساد الإداريّ. يتألّف الكتاب من سلسلة من المقالات التي نشرها في زاويته الأسبوعية "دردشة إدارية" في ملحق الإدارة الأسبوعي في جريدة الخليج، وصنّفها في ثمانية أبواب. يتناول في الباب الأول بعنوان "تجارب إنسانية" بعض الظواهر السلبية، وطرق معالجتها مثل الإشاعات، التي يجد أنّها تنتشر في المجتمعات ذات البنية الاجتماعيّة الهشّة، وأنّ الأفراد في المجتمعات المتقدّمة ليس لديهم الوقت لنقل الإشاعات ونسج القصص الخياليّة عن الآخرين، وكذلك يقف عند التعامل مع ما يثير حفيظة الأفراد أثناء العمل، خاصّة فيما يتعلّق بالأجور، وأساليب المعاملة، مستشهدًا بالصينيّين، حيث لا يضربون عن العمل ولايعطّلون الإنتاج، إنّما يضعون إشارة حمراء للدلالة على اعتراضهم. وفي الباب الثاني يقف على مصطلح "التنمية البشرية" وأهميته ودوره في نجاح الفرد في العمل وفي الحياة عمومًا، حيث يجد أنّها تتطلّب الاستعداد لاكتساب واستيعاب المهارات، وتخصيص الوقت اللازم لذلك، ووجود الرغبة الشخصيّة للعلم والمعرفة، مشيرًا في مقال "تطوير الذات" إلى أنّ العالم المتطوّر متسارع الخطى الذي يموج حولنا بكلّ جديد وحديث في القطاعات كافّة، يتطلّب منّا أن نسعى لملاحقته ومواكبته، أو على الأقل الاطّلاع على جديده". أمّا في الباب الثالث يتناول معنى الموظّف الشامل، وكيفيّة التعامل مع ضغوط العمل من خلال التركيز على تدريب الموظفين، وتنظيم ورش العمل، ودمجهم مع زملائهم، وخلق جوّ صحيّ للعمل، وطمأنة العامل، وعدم التلويح له دائمًا بورقة إنهاء خدماته، والحرص على رفع الروح المعنويّة للموظّف، ودفعه إلى الإبداع والإنجاز، والتركيز على العلاقات الإنسانيّة وتحقيق الاتّصال الفعّال بين جماعات العمل، والفريق الواحد. ويتطرّق في الباب الرابع إلى إدارة المنظمات من حيث الهيكل التنظيميّ، وإدارة الأزمات، وكذلك الحصول على الأداء المتوازن، حيث يجد من باب الضرورة أن تتشابه المؤسسات في هياكلها التنظيمية في بعض القواعد الثابتة، مثل التسلسل الهرميّ، وتعيين رئيس لكلّ وحدة، واعتماد مبدأ التخصّص عن طريق الفصل بين الوظائف والأنشطة المختلفة. ويتحدّث يوسف في الباب الخامس عن نجاح أساليب القيادة التي تكمن في اختيار النمط بحسب الموقف وليس الشخصية، كما لا يجد من الضرورة بمكان الالتزام بنموذج إداريّ موحّد، بل يمكن المزج للخروج بنمط قادر على تحقيق النجاح للمنظّمة، مع تناول الاختلافات في طبائع المديرين، والمؤسسات التي يديرونها، ويستشهد في مقاله "قادّة عظماء" بمقولة لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: "إنّ الحياة بغير تحدّيات مملّة، والحكومة بغير تحدّيات روتينيّة، والقادة بغير تحدّيات لا ينجزون، ثقتي كبيرة في فريق عملي، وهدفنا أن نكون من الأفضل عالميًّا". يخصّص الكاتب الباب السادس لتوضيح بعض من المصطلحات الإدارية ودلالاتها إذ يجد أنّها أضاءت الطريق أمام العديد من المؤسسات والمنظمات، وكانت نقطة انطلاق لنجاحها، وقاعدة حيويّة لإحراز نتائج غير مسبوقة ومنها هندرة المنظمات، والخرائط الوظيفيّة والقولبة العكسيّة، والتبدلات العقليّة، والهندسة النفسيّة..إلخ. وفي الباب السابع يستعرض بشكل تحليليّ موضوع الإدارة العامّة وكيفيّة تجنّب الفشل الإداريّ، وظاهرة الفساد الإداريّ في الحكومات، مشيرًا إلى أنّ الدول المتقدّمة وجّهت جلّ اهتمامها إلى ثورتها الإداريّة، من خلال دعم وتنشيط جميع عملياتها الإداريّة، وأنشطتها العامّة الحكوميّة الهادفة إلى تنفيذ سياسات الدّولة، ومن ثمّ دعم المواطنين لتحقيق الرفاهية للمجتمع بأسره، لأنّ الإدارة الحكوميّة هي الركيزة الأساسيّة لبناء الدولة الحديثة القويّة والمتقدّمة، ويجد أنّ الإمارات مثال بارز على إسعاد مواطنيها، ومواكبة التقدّم على كافة المستويات. يستكمل الدكتور يوسف في الباب الأخير من عمله تناول تجارب إداريّة متنوّعة لعدد من الدول مثل اليابانوالإمارات وسنغافورة، ويستعرض في عدد من المقالات نماذج ناجحة عن مبادرات دبي بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي جعل من دبي منارة ساطعة في العالم. يزخر الكتاب الذي جاء في 257 صفحة من القطع المتوسط بالعديد من التجارب والدروس المفيدة لدارسي علم الإدارة والمتخصّصين فيه، ويقدّم كذلك الكثير للقارئ العامّ، كون الإدارة في صلب حياتنا اليوميّة، سواء في المنزل، أو العمل، أو السفر، والكاتب بخبرته في هذا الحقل يقدّم عمله في قالب حكائي شائق، ساعيًا إلى زيادة اهتمام قرّاء العربيّة بهذا العلم.