نشرت صحيفة "بوسطن جلوب" الأمريكية، مقالًا للكاتب الصحافي "ستيفن كنزر" اليوم الإثنين، تناول فيه انفلات الأوضاع وغياب مظاهر الدولة في ليبيا بعد 3 سنوات منذ قيام التحالف الدولي بقيادة أمريكا بإسقاط نظام الديكتاتور الليبي معمر القذافي في ليبيا. وقال الكاتب إن الغرب ظن في البداية أنه انتصر للسلام والحرية، وأن الأمور ستستقر بسرعة وسيتجه الليبيون نحو تأسيس ديمقراطية مؤيدة للولايات المتحدة، لكن كان هناك سوء تقدير كارثي للعواقب غير المقصودة التي نجمت عن التدخل في ليبيا، الذي يُعتبر الأسوأ في فترة أوباما. وأكد الكاتب أن التقارير الأخيرة القادمة من ليبيا، التي تتزامن مع الذكرى الثالثة لسقوط القذافي، تفيد أن الدولة لم يعد لها وجود، ولا توجد حكومة مركزية. وتقول منظمة العفو الدولية إن "الجماعات المسلحة والميليشيات تعيث في الأرض فسادًا، وتشن هجمات عشوائية على المناطق المدنية، وترتكب انتهاكات واسعة النطاق، بما في ذلك جرائم الحرب، مع الإفلات التام من العقاب". ويقول المبعوث الخاص للأمم المتحدة برناردينو ليون، إنه لا يستطيع التوسط "لأن أمامه المئات من الميليشيات"، وهناك احتمالات حقيقية لنشوب حرب أهلية شاملة، وبالتالي فإن الأسوأ لم يأت بعد. وأوضح الكاتب أنه كان يجب توقُّع هذه الفوضى، حيث لا يمكن إسقاط نظام قائم منذ فترة طويلة ما لم يكن البديل واضحا وجاهزا. ففراغ السلطة يغري المنافسين بالقتال من أجل الحصول على مكان في النظام الجديد، وبإسقاط رأس ليبيا مرة واحدة، فإن الولاياتالمتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي جعلوا الصراع والفوضى والإرهاب واقعًا محتومًا. وأشار الكاتب أنه في الوقت الذي كان يفكر فيه الغرب بإسقاط القذافي، كان تخلى عن طموحاته النووية، وتوقف عن تهديد المصالح الغربية، وأبقى بلاده مستقرة لعقود من الزمن، وإن كان يستخدم في ذلك أساليب وحشيةً أحيانًا، لكن الأمريكيين سمحوا لأنفسهم، بكل تفاؤل ساذج وأنانية ثقافية، بأن يعتقدوا أن في إمكانهم تحطيم ليبيا وتدمير كل مؤسساتها التي عاشت في ظلها لأكثر من 40 عامًا مفترضين أن الأمور ستمضي سلميًّا من تلقاء نفسها وستصبح ليبيا "حرة". ووصف الكاتب هذا التفكير الأمريكي بأنه فشل مؤسف لإستراتيجية وهمية، لأن أي مفكر حكيم سيتوقع تفجر الصراع المدني عقب القضاء على هيكل الحكم في ليبيا بين عشية وضحاها، وتوقع وزير الدفاع حينها روبرت غيتس هذه المأساة التي يتردد صداها فيما وراء الحدود الليبية. ولفت الكاتب إلى أن جيش القذافي كان يضم فيلقًا من قوات النخبة من قبائل الطوارق في مالي، وعندما أُطيح به، داهم مقاتلو الطوارق ترسانة أسلحته ودفعوا بها نحو بلدهم الأم مالي، واستخدموها هناك في تفجير صراع أدى إلى تحويل رقعة شاسعة من شمال أفريقيا إلى منطقة لا تسيطر عليها الحكومة، إذ يترعرع فيها الإرهاب ويعاني فيها الناس من القمع والتطرف. ووقعت أسلحة القذافي أيضًا في أيدي مليشيات متطرفة أخرى، بما في ذلك بوكو حرام في نيجيريا، التي تشتهر بخطف فتيات المدارس، وهذا مجرد جزء من العواقب الناجمة عن قرارنا بقصف ليبيا منذ 3 سنوات. وختم الكاتب مقاله بأن الحياة في ظل القذافي لم تكن تتميز بالحرية، ومع ذلك، كان معظم الليبيين يعيشون حياة طبيعية إلى حد ما طالما بقوا بعيدًا عن السياسة، لكن لا يحيا أي ليبي اليوم حياة طبيعية، فهو مهدد على الدوام بالجماعات التي تحمل السلاح المنهوب من مستودعات القذافي، داعيًا الغرب للتوقف عند هذه العواقب الوخيمة قبل القيام بأي تدخل آخر.