قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مدينة قلقيلية وتداهم منازل المواطنين    جراحة ناجحة لأحمد حمدي في ألمانيا    الدخان وصل للسماء.. شاهد حريق هائل في منطقة الزرايب بالبراجيل    باستعلام وتنزيل PDF.. اعرف نتائج الثالث المتوسط 2024    دياب: راض بنسبة 80% عن مشواري وهطرح أغنية بعد العيد    صلاح عبد الله عن صداقته بعلي الحجار: أنا الأصغر.. ولكنه يصر على مناداتي ب «الأستاذ»    باسل عادل: لم أدع إلى 25 يناير على الرغم من مشاركتي بها    سبب ارتفاع درجة الحرارة بشكل غير مسبوق.. القبة الحرارية (فيديو)    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    «زد يسهل طريق الاحتراف».. ميسي: «رحلت عن الأهلي لعدم المشاركة»    حزب الله يحول شمال إسرائيل إلى جحيم ب150 صاروخا.. ماذا حدث؟ (فيديو)    الخارجية الأمريكية: نضغط على إيران لتتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية    بايدن يحدد "العائق الأكبر" أمام تنفيذ خطة وقف إطلاق النار في غزة    مودرن فيوتشر يكشف حقيقة انتقال جوناثان نجويم للأهلي    يورو 2024| تصنيف منتخبات بطولة الأمم الأوروبية.. «فرنسا» تتصدر و«جورجيا» تتزيل الترتيب    سموحة يرد على أنباء التعاقد مع ثنائي الأهلي    فيديو| مشادة بين محمود العسيلي ومسلم.. والجمهور: "حلو الشو ده"    محافظ شمال سيناء يعتمد درجات تنسيق القبول بالثانوي العام    هشام قاسم و«المصري اليوم»    ننشر صور الأشقاء ضحايا حادث صحراوي المنيا    تحرير 14 محضر مخالفة فى حملة للمرور على محلات الجزارة بالقصاصين بالإسماعيلية    ضبط مريض نفسى يتعدى على المارة ببنى سويف    الخدمات الصحية بوزارة الدفاع تستعد لتقديم خدمة الإسعاف الجوي خلال موسم الحج    هل الأشجار تقلل من تأثير التغيرات المناخية؟.. البيئة ترد    بايدن يزيد من آمال أوكرانيا في الحصول على المزيد من منظومات باتريوت من الحلفاء    سموحة يعلن موافقته على تطبيق نظام الدوري البلجيكي في مصر    الحركة الوطنية يفتتح ثلاث مقرات جديدة في الشرقية ويعقد مؤتمر جماهيري    برج الجدى.. حظك اليوم الجمعة 14 يونيو: انتبه لخطواتك    أهم الأعمال التي يقوم بها الحاج في يوم التروية    عيد الأضحى 2024| هل على الحاج أضحية غير التي يذبحها في الحج؟    ما ينبغي على المسلم فعله في يوم عرفة    إصابة 11 شخصا بعقر كلب ضال بمطروح    صحة دمياط: تكثيف المرور على وحدات ومراكز طب الأسرة استعدادا لعيد الأضحى    بايدن يكشف العائق الأكبر أمام تنفيذ خطة وقف إطلاق النار    أماكن ذبح الأضاحي مجانا بمحافظة الإسماعيلية في عيد الأضحى 2024    بعد استشهاد العالم "ناصر صابر" .. ناعون: لا رحمة أو مروءة بإبقائه مشلولا بسجنه وإهماله طبيا    يورو 2024| أصغر اللاعبين سنًا في بطولة الأمم الأوروبية.. «يامال» 16 عامًا يتصدر الترتيب    تحرك نووي أمريكي خلف الأسطول الروسي.. هل تقع الكارثة؟    مستقبلي كان هيضيع واتفضحت في الجرايد، علي الحجار يروي أسوأ أزمة واجهها بسبب سميحة أيوب (فيديو)    جماعة الحوثي تعلن تنفيذ 3 عمليات عسكرية بالصواريخ خلال ال 24 ساعة الماضية    مصطفى فتحي يكشف حقيقة البكاء بعد هدفه في شباك سموحة    استعجال تحريات شخص زعم قدرته على تسريب امتحانات الثانوية بمقابل مادي بسوهاج    5 أعمال للفوز بالمغفرة يوم عرفة.. تعرف عليها    مصطفى بكري يكشف موعد إعلان الحكومة الجديدة.. ومفاجآت المجموعة الاقتصادية    بشرة خير.. تفاصيل الطرح الجديد لوحدات الإسكان الاجتماعي    3 مليارات جنيه إجمالي أرباح رأس المال السوقي للبورصة خلال الأسبوع    رئيس "مكافحة المنشطات": لا أجد مشكلة في انتقادات بيراميدز.. وعينة رمضان صبحي غير نمطية    عماد الدين حسين يطالب بتنفيذ قرار تحديد أسعار الخبز الحر: لا يصح ترك المواطن فريسة للتجار    سعر ساعة عمرو يوسف بعد ظهوره في عرض فيلم ولاد رزق 3.. تحتوي على 44 حجرا كريما    سعر الأرز والسكر والسلع الأساسية بالأسواق الجمعة 14 يونيو 2024    عماد الدين حسين: قانون التصالح بمخالفات البناء مثال على ضرورة وجود معارضة مدنية    وكيل صحة الإسماعيلية تهنئ العاملين بديوان عام المديرية بحلول عيد الأضحى المبارك    دواء جديد لإعادة نمو الأسنان تلقائيًا.. ما موعد طرحه في الأسواق؟ (فيديو)    نقيب "أطباء القاهرة" تحذر أولياء الأمور من إدمان أولادهم للمخدرات الرقمية    دعاء يوم التروية مكتوب.. 10 أدعية مستجابة للحجاج وغير الحجاج لزيادة الرزق وتفريج الكروب    تراجع سعر السبيكة الذهب (مختلف الأوزان) وثبات عيار 21 الآن بمستهل تعاملات الجمعة 14 يونيو 2024    حدث بالفن| مؤلف يتعاقد على "سفاح التجمع" وفنان يحذر من هذا التطبيق وأول ظهور لشيرين بعد الخطوبة    قرار جمهوري بتعيين الدكتور فهيم فتحي عميدًا لكلية الآثار بجامعة سوهاج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«التكفير هو الحل».. حكاية جماعة أضلها الشيطان

أسرار مثيرة وحكايات مريبة تكتنف دائما وأبدا تحركات ومؤامرات جماعة الإخوان منذ أن أبصرت النور عام 1928 على يد مؤسسها حسن البنا..وفى السطور التالية نلقى الضوء على جانب مهم من دور سيد قطب وشقيقه محمد قطب في إعادة بعث الإخوان بعد قرار حل الجماعة الذي أصدره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر وتفاصيل وأسرار شديدة الإثارة..
مقام إبراهيم
في فصل «وكانت بيعة»، تروى زينب الغزالي، في كتابها «أيام من حياتي» قصة إعادة بعث تنظيم الإخوان المسلمين من جديد، بعد قرار حله إثر أحداث المنشية الشهيرة عام 1954 التي تعرض فيها عبد الناصر لمحاولة اغتيال على يد أعضاء من الجماعة.
تقول زينب الغزالي، مؤسسة أول جمعية إسلامية نسائية باسم «جمعية السيدات المسلمات»، في مذكراتها: «لما كانت جماعة الإخوان المسلمين معطلا نشاطها بسبب قرار الحل الجاهلى لسنة 1954، كان ضروريا أن يعود إحياء هذا النشاط، لكنه بالطبع سيكون سريا.»
مشيرة إلى أن تحركات مجموعة من الكوادر الإخوانية الذين لم تطلهم حملة الاعتقالات، تكثفت من أجل إعادة تنظيم صفوف الجماعة من جديد، وكان من أبرزهم: عبد الفتاح إسماعيل، وعلى عشماوي، وأحمد عبد المجيد، ومحمد فتحى رفاعي، وعوض عبد العال وآخرون، ضمن ما عرف بتنظيم «سيد قطب»، أو «تنظيم 1965».
في حج عام 1957، كان أول لقاء بين زينب الغزالى وعبد الفتاح إسماعيل، الذي يوصف بأنه «دينامو تنظيم 1965 وثالث ثلاثة أعدموا عام 1966».
تتحدث الغزالى عن تلك الواقعة بقولها: «بعد ركعتى الطواف، جلسنا خلف بئر زمزم بالقرب من مقام إبراهيم، وأخذنا نتحدث عن بطلان قرار حل جماعة الإخوان المسلمين ووجوب تنظيم صفوف الجماعة وإعادة نشاطها. واتفقنا على أن نتصل، بعد العودة من الأرض المقدسة، بالإمام حسن الهضيبي، المرشد العام لنستأذنه في العمل، فلما هممنا بالانصراف، التفت على عبد الفتاح وقال: «يجب أن نرتبط هنا ببيعة مع الله على أن نجاهد في سبيله، لا نتقاعس حتى نجمع صفوف الإخوان، ونفاصل بيننا وبين الذين لا يرغبون في العمل أيا كان وضعهم ومقامهم، وبايعنا الله على الجهاد والموت في سبيل دعوته».
بدأت التحركات للم شتات الإخوان من جديد، على مستوى محافظات مصر كلها، بتوجيهات وتعليمات تصل من داخل السجن، وفى قصاصات يكتبها سيد قطب تحت مسمى «خيوط خطة»، صدرت، فيما بعد، ضمن كتابه الشهير «معالم في الطريق»، وفقا لأحمد عبد المجيد، في مذكراته «الإخوان وعبد الناصر القصة الكاملة لتنظيم 1965».
تحكى الغزالى تفاصيل هذا المخطط الذي يبدأ من الإعداد والتكوين التربوي، وصولا إلى إقامة الدولة أو الخلافة الإسلامية، فتقول: «بتعليمات من الإمام سيد قطب، وبإذن الهضيبي، قررنا أن تستمر مدة التربية والتكوين والإعداد ثلاثة عشر عاما - عمر الدعوة في مكة - على أن قاعدة الأمة الإسلامية الآن هم (الإخوان) الملتزمون بشريعة الله وأحكامه، فنحن ملزمون بإقامة كل الأوامر والنواهى الواردة في الكتاب والسنة في داخل دائرتنا الإسلامية، والطاعة واجبة علينا لإمامنا المبايع، على أن إقامة الحدود مؤجلة، مع اعتقادها والذود عنها، حتى تقوم الدولة.. وكنا على قناعة كذلك بأن الأرض اليوم خالية من القاعدة التي تتوافر فيها صفات الأمة الإسلامية الملتزمة التزاما كاملا، كما كان الأمر في عهد النبوة والخلافات الراشدة. ولذلك وجب الجهاد على الجماعة المسلمة، حتى يعود جميع المسلمين للإسلام، فيقوم الدين القيم، لا شعارات ولكن حقيقة عملية واقعة».
محمد قطب وتنظيم 65
على خلاف شخصية أخيه الأكبر سيد، كان محمد قطب، الذي رحل في شهر أبريل الماضى، منضويا تحت لواء أخيه، كان امتدادا وظلا وفيا له في العمل الحركى والإنتاج الفكري، فأعاد إنتاج مفاهيم أخيه، وكررها وجسدها، وقربها كمنهج مفصل شكل تأثيرا كبيرا على فكر التيارات الإسلامية وبالأخص المتفرعة من إطار «الإخوان المسلمين»، حيث حظيت أفكاره بحضور بارز ومفصل في أفكار التيار الإسلامى الحركى في السعودية، تماما كما كان لأخيه سيد ذلك الحضور.
لكن ما علاقته بتنظيم 65، وما هي قصة «تنظيم محمد قطب»، الذي فتحت من أجله سلطات أمن الدولة المصرية تحقيقات موسعة مع عدد من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين؟
تروى زينب الغزالى مجددا تفاصيل نشاط أعضاء الجماعة الفاعلين خارج السجون فترة الستينيات، حين كانت تصلهم التوجيهات مباشرة من سيد قطب، وتقول: «رأينا خلال فترة الإعداد التربوى أن يكون هناك مستشار يشرح ويوضح لنا توجيهات سيد قطب وتعليماته..لذلك قررنا، ورأينا أن يكون الأستاذ محمد قطب هو مرجعنا، وبإذن من المرشد الهضيبى كان الأستاذ محمد يأتى بشكل دوري إلى بيتى في مصر الجديدة، ليوضح للشباب ما غمض عليهم فهمه، وكان الشباب يستوضحونه ويسألونه أسئلة كثيرة يجيب عنها».
وضمن منهج الإعداد التربوى للتنظيم السري، وضع سيد قطب مجموعة من الكتب والمراجع التي تشكل المنهج الدراسى والتربوى لكوادر التنظيم، وكان من أبرزها، بالإضافة لكتبه، كتب أخيه محمد قطب، حيث يروى أحمد عبد المجيد في مذكراته: «كنا نركز أساسا على العقيدة، ثم الحركة بهذه العقيدة في تنظيم حركي، ثم الدراية والمعرفة بالمخططات الصهيونية والصليبية وأعوانها لضرب الإسلام ووسائلهم في ذلك. فوضع لنا سيد قطب منهجًا دراسيًا وتربويًا للسير عليه مع إخواننا، ومن أهم الكتب والمراجع التي احتواها هذا المنهج: «منهج التربية الإسلامية»، و»جاهلية القرن العشرين»، و»هل نحن مسلمون؟»، و»معركة التقليد» لمحمد قطب، إضافة إلى كتب من تأليفه، وأخرى لأبى الأعلى المودودى وآخرين».
ونتيجة لذلك، كان موضوع محمد قطب من أكثر المحاور الرئيسة التي تناولتها ملفات التحقيق مع زينب الغزالي، كما تروى في مذكراتها، حيث كان شمس بدران - وزير الحربية في عهد عبد الناصر - يسألها كثيرا عن «التنظيم الخاص الذي أسسه محمد قطب، وخطط لاغتيال عبد الناصر».
الحيرة والتحول
في قرية موشا بأسيوط، ولد محمد قطب في شهر أبريل عام 1919، ونشأ في عائلة كان لها أثر بالغ في تاريخ الحركة الإسلامية بمصر، بشقيه الفكرى والحركي، بين الرجال والنساء على حد سواء. فأخوه الأكبر سيد كان الرجل الثانى في الجماعة بعد حسن البنا، تأثيرا وحضورا، وأعدم عام 1966.، أما أختاه أمينة وحميدة فكانتا من أبرز «الأخوات المسلمات» الفاعلات في الجماعة، وجميعهن تعرضن للاعتقال. تزوجت أمينة من القيادى الإخوانى كمال السنانيرى الذي توفى داخل معتقله عام 1981. أما حميدة فكانت تلقب في الأدبيات الإخوانية، ب«عذراء السجن الحربي»، ووجهت لها اتهامات بنقل معلومات من سيد قطب داخل السجن إلى زينب الغزالي.
يقول محمد عن أخيه سيد: «لقد عايشت أفكار سيد بكل اتجاهاته منذ تفتح ذهنى للوعي، ولما بلغت المرحلة الثانوية أصبح يشركنى في مجالات تفكيره، ويتيح لى فرصة المناقشة لمختلف الموضوعات، فامتزجت أفكارنا وأرواحنا امتزاجا كبيرا، بالإضافة إلى علاقة الأخوة والنشأة في الأسرة الواحدة، وما يهيئه ذلك من تقارب وتجاوب»، بحسب كتاب محمد المجذوب في كتابه «علماء ومفكرون عرفتهم».
وكما كان سيد مهموما في بداية حياته بالأدب والتصوير الفني، و«النقد الأدبى أصوله ومناهجه»، ثم تحول حتى وصل إلى مرحلته الأخيرة التي جسدها بوضوح في كتابه «معالم في الطريق»، كان كذلك محمد قطب في مسرى حياته كما يقول، فقد كان تائها ضائعا في الأدب والشعر، ولم ينتبه لحقيقة «المكائد ضد الإسلام» من حوله، حتى جاءت «فتنة السجن الحربي» التي اعتقل فيها هو وأخوه سيد بعد أحداث 1954، حيث كان لذلك الحدث بالغ الأثر في نفسه، إذ إنها كما يقول «أول تجربة من نوعها، كانت من العنف والضراوة بحيث يمكن لى القول إنها غيرت نفسى تغييرا كاملا. كنت أعيش من قبلها في آفاق الأدب والشعر والمشاعر المهمومة، أعانى حيرة عميقة، وكانت تلك الحيرة تشكل أزمة حقيقية في نفسى استغرقت من حياتى عدة سنوات، غير أن الدقائق الأولى منذ دخولى ذلك السجن، والهول الذي يلقاه نزيله، بدلت ذلك كل التبديل. لقد أحسست إذ ذاك أننى موجود، وأن لى وجودا حقيقيا، وأن الذي في نفسى حقيقة وليس وهما، وهذه الحقيقة هي السير في طريق الله، والعمل من أجل دعوته، وعرفت حينها حقيقة المؤامرة الضارية ضد الإسلام، وانتهت الحيرة الضالة، ووجدت نفسى على الجادة».
تكفير المجتمعات الإسلامية
أصبح محمد قطب يشك في إسلام كل المجتمعات الإسلامية، وصار يتساءل دائما: هل نحن مسلمون؟.. أم أننا نعيش في «جاهلية القرن العشرين»، ونغرق في «ظلمات التيه»، وتنتشر بيننا «شبهات حول الإسلام؟!».. ولذلك يقرر محمد قطب أن الحل في «منهج التربية الإسلامية» الذي يجب أن يقوم عليه «واقعنا المعاصر»، حتى ننتصر في «معركة التقاليد»، ونكشف «المذاهب الفكرية المعاصرة»، وما بين الأقواس عناوين لمؤلفاته.
اعتقل محمد قطب، هو وأخوه سيد، للمرة الأولى بعد حادثة المنشية عام 1954 وخرج محمد بعد مدة قصيرة، في حين حكم على أخيه بالسجن 15 سنة.
في تلك الفترة، أتم سيد كتابة عدد من كتبه، أهمها «في ظلال القرآن». لكن محمد عاد إلى السجن مرة أخرى في يوليو 1965، وبقى ست سنوات، فلم يفرج عنه إلا في مطلع عهد السادات، في أكتوبر عام 1971.
بعد خروجه من السجن، لجأ محمد قطب إلى السعودية مطلع السبعينيات الميلادية باحثا عن الأمان وبقى فيها حتى موته.
القاعدة الصلبة.. قبل الحكم
في كتابه «واقعنا المعاصر»، يقدم قطب الرؤية الحركية المعاصرة لأهم مفاصل التاريخ الحديث، والموقف من مخططات الاستعمار، ووسائل تغريب المرأة، والتعليم، والإعلام والفكر والأدب، ومعالم الغزو الفكرى والصليبى على بلدان المسلمين.. بعد أن يستعرض محمد قطب في كتابه ظلامات «الجاهلية» التي يرزح تحتها العالم الإسلامى في كل المجالات، قدم في الربع الأخير منه الحل الأمثل من وجهة نظره لمواجهة الواقع المعاصر، والمنهج الأصلح لتحقيق التمكين والوصول إلى الحكم، عن طريق «بناء قاعدة إسلامية صلبة» تكون النواة الرئيسة الأولى للمواجهة مع السلطة «الجاهلية» القائمة، والسند الفعلى الداخلى لأبناء الحركة أمام مخططات أعداء الإسلام، وأعداء الحكم الإسلامي.
بناء القاعدة الإسلامية
يقول قطب: «لا بد من ارتياد الطريق الطويل، المجهد الشاق المستنفد للطاقة، وهو طريق التربية.. التربية من أجل إنشاء (القاعدة الإسلامية) الواعية المجاهدة التي تسند الحكم الإسلامى حين يقوم، وتظل تسنده لكى يستمر في الوجود بعد أن يقوم.. فهل يمكن أن يقوم حكم الحركة الإسلامية قبل أن توجد القاعدة المؤمنة التي تواجه النتائج المترتبة على إعلان الحكم الإسلامي، وأولاها تحرش الصليبية الصهيونية كما حدث في أفغانستان والسودان؟!.. إن حكم الحركات والأحزاب العلمانية والشيوعية داخل بلاد المسلمين تجد سندها من القوى الغربية، وتدعمها أميركا وروسيا، ولذلك تصل بسهولة للحكم، أما الحكم الإسلامى فإنه لن يواجه من القوى الغربية إلا العداء، ولن يجد سنده الحقيقى إلا من الداخل، من القاعدة الإسلامية الصلبة المجاهدة!».
لا يضع قطب أي مدى زمنى لعملية الإعداد والتربية، يورد في ثنايا حديثه تساؤلات أبناء الحركة المستعجلين، فيقول: «أما الذين يسألون إلى متى نظل نربى دون أن نعمل؟.. فنقول لا نستطيع أن نعطيهم موعدا محددا، فنقول لهم عشر سنوات من الآن أو عشرين سنة، فهذا رجم بالغيب، إنما نستطيع أن نقول لهم: نظل نربى حتى تتكون القاعدة المطلوبة بالحجم المعقول».
أعداء المواطنة
ومما تقدم من أقوال محمد قطب يتبين جليا أن الإخوان منذ أن ابتلى بهم العالم الإسلامى أعداء المواطنة يفرقون بين المسلمين ويستعملون التكفير كفكرة استعمارية لتأبيد التناحر وقتال الناس في أوطانهم ومعادات الأنظمة السياسية، وفى هذا الموضع يربط الباحث اللبنانى صالح زهر الدين بين الأخوين قطب وبين "أبو الأعلى المودودي" الذي أسس بدوره لمرجعية فكرية كانت توجه المصرى سيد قطب في كل أفكاره وتحركاته التي أسست للإرهاب الإخوانى اليوم.
ومثلما أوجد المودودى أصول مصطلح الحاكمية، فإنه يعد الأول الذي أوحى ب"التكفير" المؤسس على غيبة الحاكمية (أي تمثيل الله على الأرض) وتجهيل المجتمعات في تقييمه وحكمه على المجتمعات الإسلامية المعاصرة وعلى مراحلها التاريخية التي وصمها بالجاهلية. فكل المجتمعات في نظره التي لا تطبق الشريعة الإسلامية والفروض الاجتماعية التي يراها هو (أي المودودي) هي مجتمعات جاهلية. وفى هذه الحالة فإنه ينفى الإسلام عن الغالبية الساحقة من المسلمين.
ويرى صالح زهر الدين أن المودودى قد استخدم مفهوم الجاهلية كحكم مسقط وغريب، وكسلاح معرفى لرفض الفكر الغربى وفلسفته التي أسست لمفهوم الدولة والنظام والمؤسسات والتحرر من السلطة الدينية.
كما استخدمه كأداة لرفض أنماط العيش والنظم السائدة في بلاده (الهند) وفى العالم على حد سواء، وكأنه يسقط تجربته الذاتية داخل الجغرافيا الهندية على العالم أجمع.
ويستشهد الباحث بكلام المودودى ذاته الذي كتبه في "نظرية الإسلام" والذي يصف المسلمين بأن "فكرهم موروث وجاهلى والوافد الذي أخذوه عن الحضارة الغربية هو جاهلية جديدة معاصرة".
لم يتوقف المودودى عن تكفير الخارجين على دائرة أفكاره ومعتقداته في المجتمعات الغربية فقط، بل إنه يعيد هيمنة الغرب إلى اضمحلال الخلافة وابتعادها عن الحدود الجغرافية والثقافية والعسكرية لأوربا في إشارة إلى سقوط الدولة العثمانية التي كان يعتقد أنها فعلا خلافة للمسلمين في العالم، داعيا إلى العودة فعلا لفكرة الحرب والغزو وضم الشعوب والثقافات الأخرى قصرا إلى دولة المودودى التي يعتبرها إسلامية محضة تواجه الكفر المحض.
دولة رعاع
يخلص الكاتب من خلال فكرة الحاكمية والتكفير إلى مسألة تتعلق بالدولة "المودودية". إذ يصف المودودى دولته بأنها "دولة أيديولوجية بالمعنى العقائدى (ثيوقراطية)" فهى لا تشكل وحدة إقليمية أو قومية أو عرقية أو طبقية، بل وحدة عقائدية روحية غير ملموسة، وهى "دولة شاملة لا مجال فيها للريب لأنها مهيمنة ومطلقة أساسها القانون الإلهى الذي وُكّل إلى الحاكم المسلم تنفيذه في الناس"، وطبعا دون أن يشير المودودى في "نظريته" إلى طبيعة هذا الحاكم وماهيته وشروط اختياره وكسب الرضاء من المسلمين.
يقول المودودى في هذا الصدد "إنّ من لا يقبل بحكم الجماعة لا يُسمح له بالتّدخل في شئون الدولة أبدا، وله أن يعيش في الحدود كأهل الذمة (...) ولا يكون له حظ في الحكومة في أيّة حال من الأحوال، لأنّ الدولة دولة حزب خاص مؤمن بعقيدة خاصة وفكرة خاصة به". فطريقة المودودى في فهم الإسلام هنا، هي معيار المواطنة بالنسبة له؛ حيث ينقسم الناس في هذه الدولة بين مسلمين وأهل ذمّة.
أمّا من كان مسلما فله أن يمارس حقوقه السياسية كاملة وأمّا من لم يكن مسلما فلا يَأمن إلاّ بحياته وممتلكاته وشرفه. ومن يعارض الحكم من بين المسلمين تسلب حقوقه ويعتبر من أهل الذمّة، هذا إذا لم يتم تكفيره والإفتاء بإهدار دمه.
يشير الباحث زهر الدين إلى أن هذا التفكير هو الذي شرّع للأصوليين قتال الناس في أوطانهم ومعادات كل الأنظمة السياسية والمنظومات الفكرية والفلسفية، حيث يقسم هذا التفكير البشر إلى قسمين؛ قسم تابع ينتمى إلى حزب الدين والله، وقسم عدوّ ينتمى إلى الدنيا والبشر.
وراثة الظلام
عبّر سيد قطب عن تأثره بالمودودى من خلال كتابه الذي كتب معظمه في السجون، وهو "معالم في الطريق"، والذي مثل وثيقة ملتهبة وملهمة لكل الجماعات العنفية، لا جماعة الإخوان المسلمين فحسب، على اعتبار أنّه كان الكتاب الحاضن للأفكار الرئيسية للنظرية المودودية القائمة على الحاكمية الإلهية والعبودية والجاهلية الحديثة.
وفى هذا الإطار يذهب صالح زهر الدين إلى القول بأنّ سيد قطب "لا ينقل فقط نظرية المودودي، بل يمتصها ويحولها ويعيد بناءها في إستراتيجية نظرية جديدة، بعد أن عرّبها بمعنى أنّه قدمها واستوردها للعرب". وقد أكسب كتاب "معالم في الطريق" سيد قطب بعده التكفيرى الجهادى في صياغته لمفهوم الحاكمية المستوحى من فكر المودودي.
استنتج زهر الدين أنّ محاكاة سيد قطب للمودودى كانت ناتجة عن العقدة المشتركة التي تجمعهما، وهى "التأثر بالمعتقل لسنوات طويلة" وإنتاج منظومة أفكار تعكس التمثل البائس والفاقد للأمل للعالم والموجدات، وهو انعكاس للشعور المحبط الذي يسود فكر الرجلين أثناء قضائهما لسنوات الاعتقال. ويعتبر سيد قطب الرجل الّذى استصاغ الطرق الحركية لأفكار المودودي.
سعى قطب سريعا لترجمة الجانب النظرى الذي اختزله إلى أوجه تنظيمية وحزبية وحركية تتماهى مع ديناميكية المجتمع الذي تنشط في جماعة الإخوان، ليتحول شيئا فشيئا إلى مجال واسع لتغلغل الجماعة. فقد كان قطب المؤسس الفعلى للتنظيم الخاص السرّى للإخوان المسلمين، وهو الذي أشرف على العديد من العمليات الإرهابية ومحاولات الاغتيال المتكررة، الّتى أراد من خلالها أن يفتك بسياسيين وزعماء، وقد طالت فعلا العديد منهم، وخاصّة المفكرين والكتاب.
يعود هذا العنف المتشدد، حسب صلاح زهر الدين، من خلال قراءته لكتابات قطب والمودودي، إلى نفى هذا الفكر للحضارة الحديثة ورفضه لإرادة الإنسان في التطور والتماشى مع التاريخ، بل إنّ "التكفير والحاكمية ربما تعودان إلى إيعاز كولونيالى يريد تأبيد التخلف لدى شعوب العرب والإسلام"، إذ لم يعلن أيّ من المودودى أو قطب عن تبنى أيّ منوال في الاقتصاد أو الثقافة أو التربية أو السياسة، بل إنّ أساس نظرتهما إلى العالم قائم على الدم والقتل والدمار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.