كان يوم 28 سبتمبر من عام 1965 يحمل صدمة مروعة ومفاجأة حزينة مدوية للكرة المصرية وجماهيرها وبخاصة جماهير الإسماعيلية حيث لقي في هذا اليوم نجم نجوم الملاعب الأسطورة «رضا» كابتن الإسماعيلي مصرعه في حادث سيارة قرب «إيتاي البارود». لعب رضا قبل هذا الحادث بأيام معدودة آخر مبارياته بملعب نادي الزمالك في مباراة ودية بين فريقه الذي كان يرأسه «الاسماعيلي» أمام نادي «الزمالك» وكانت المناسبة هي اعتزال لاعب الزمالك والمنتخب «رأفت عطية» ولعلها كانت أول مباراة جماهيرية تقام بمصر بمناسبة اعتزال أحد اللاعبين، وكان مما أعطي المباراة أهمية خاصة. مشاركة لاعب الكرة الانجليزي «ستانلي ماتيوز» الذي حافظ علي مستواه الفني الرائع وحافظ علي لياقته البدنية حتي استمر في الملاعب لسن الخمسين ومنح لقب «سير» من ملكة بريطانيا. وقد دعاه نادي الزمالك ليلعب هذه المباراة الاستعراضية فأعطي جماهيرية للمباراة التي شاهدها في ملعب «حلمي زامورة» بنادي الزمالك جمهور ملأ جنبات الاستاد.. جاء هذا الجمهور أيضا لمشاهدة فريق النادي الاسماعيلي في عصره الذهبي بقيادة المرحوم «رضا».. وكانت هذه المباراة - التي تابعها الملايين عبر شاشات التليفزيون مباراة لا تنسي، قدم فيها لاعبو الفريقين عرضا جميلاً، وكنت مشاهداً لتلك المباراة وكان تركيزي - مع معظم الحشد الجماهيري علي اثنين من اللاعبين: ستانلي ماتيوز الانجليزي الذي كان يجري ويتحرك في الملعب وكأنه ابن العشرين ولعب جناحا أيمن للزمالك وكانت مهمة الكابتن «سيد حامد» لاعب الاسماعيلي شاقة، فقد كان مكلفا بمراقبته مراقبة لصيقة طوال المباراة. أما اللاعب الآخر الذي كان محط أنظار الجماهير كالعادة فكان «رضا» قائد فريق الاسماعيلي الذي كانت تتهافت الجماهير علي مشاهدته مع فرقته التي يقودها بالزي الأصفر.. كان رضا في تلك المباراة مبدعاً كعادته بلمساته السحرية وتمريراته الذكية.. وانتهت المباراة بتعادل الفريقين بهدف لكل منهما، وأحرز هدف الإسماعيلي المرحوم رضا من ضربة حرة خارج منطقة الجزاء خدعت حارس مرمي الزمالك «سمير محمد علي» فكان هذا الهدف هو آخر أهداف رضا في ملاعب الكرة، لقد كان الغرض من المباراة هو وداع «رأفت عطية» للملاعب بالاعتزال، فإذا بالقدر يقدر أن تكون تلك المباراة هي وداع للاعب الكرة العبقري رضا الذي لقي الله بعدها بأيام. ومن المفارقات أنه أثناء حفل التكريم الذي أقيم لتكريم اللاعب الانجليزي «سير ستانلي ماتيوز» وأثناء مصافحته لجميع لاعبي فريق النادي الاسماعيلي وجاء الدور علي اللاعب «رضا» لم يكتف ماتيوز بمصافحته، بل خلع طوق الورد الذي كان يلف صدره وطوق به عنق رضا وقال إنه كان أحسن لاعب بالمباراة ويملك من المواهب ما يمكنه أن يكون نجما عالمياً إذا ما احترف بأوروبا.. فهل كان ماتيوز يدري بأن رضا سيودع الدنيا بعد ساعات من هذا اللقاء؟ توفي رضا وهو في سن السادسة والعشرين، لكنه كان معجزة بكل المقاييس، فقد تم اختياره للمنتخب وهو لم يتجاوز السابعة عشر من عمره، فلعب أساسياً بجوار الضظوي وصالح سليم ورفعت الفناجيلي وطه اسماعيل ويكن وعادل هيكل ولم يكن منتخب مصر يستطيع اللعب بدونه كمهاجم وصانع ألعاب وهداف في الوقت نفسه. ولد رضا بمدينة الاسماعيلية، وعشق الكرة منذ الصغر حتي أن الجماهير كانت تلتف حوله وهو يلعب الكرة وهو طفل صغير بشوارع الاسماعيلية، وكان تميزه ملحوظا وموهبته خارقة، كون رضا ثالوثا يندر أن يتكرر في الكرة المصرية بالاشتراك مع المرحوم «شحته» و«العربي» فكان فريق الاسماعيلي تحت قيادته يقدم أمتع كرة يمكن أن يقدمها فريق.. بعض النقاد أطلقوا عليه هذا الفريق «فرقة رضا» تشبهاً بفرقة رضا للفنون الشعبية، أما الناقد الرياضي الراحل نجيب المستكاوي فقد أطلق علي الفرقة «فريق الدراويش»، والتصقت التسمية بهم حتي الآن وكان السبب وجود أكثر من لاعب من عائلة واحدة في الفريق هي عائلة «درويش» كان أشهرهم «ميمي درويش». كان من حسن حظ جماهير الاسماعيلي أن يكونوا علي مقربة من مشاهدة «فرقة رضا للفنون الكروية» وقال لي أحد الأصدقاء من الاسماعيلية: إن الكثيرين كانوا يتركون مصالحهم لمشاهدة «تدريب» الفريق فقد كانوا يستمتعون بلمسات رضا السحرية ورفاقه. خمسون عاما مضت لكنني لا أنسي أن فريق رضا هذا قد فاز في أسبوع واحد علي الزمالك ثم علي الأهلي، بل يسجل في شباك عادل هيكل حارس مرمي الأهلي والمنتخب أربعة أهداف أحرز منها رضا هدفين وصنع هدفين آخرين! كان مشجعو النادي الاسماعيلي -ولا يزالون- متحمسين جدا لفريقهم، وكان رضا يخرج مع الفريق الضيف حتي مشارف مدينة الاسماعيلية ليمنع متعصبا من الإساءة إلي ناديه. ما أحوجنا الآن إلي عودة هذه الروح حتي تعود مصر إلي مكانتها، ليس فقط في الرياضة، بل في كل حقل ومجال.. وقبل خمسين عاماً كنا بالقاهرة نحسد جماهير الاسماعيلية المحظوظة لأن لديها الفرصة لمشاهدة كل مباريات «الاسماعيلي» في عصره الذهبي بينما نحن هنا لا نراه إلا مرات قليلة طوال الموسم.. فقط عندما يلعب هذا الفريق الساحر أمام الأهلي أو الزمالك أو الترسانة. وقد قدم فريق الاسماعيلي في ذلك الوقت كل فنون الكرة من جماعية في الأداء إلي تحكم في الكرة إلي لمسات سحرية وكان من بين صفوفه لاعب فذ هو المرحوم رضا ومن ورائهم مهندس عبقري رائع وراع للفريق هو المرحوم عثمان أحمد عثمان وجماهير متحمسة للعبة الحلوة.. فتحية لجماهير الاسماعيلية وتحية لروح المرحوم رضا.