من المميزات الفارقة لجماعة الإخوان المسلمين أن مشروعهم الأساسى وهو استرداد الحلم المفقود ونعنى إعادة تأسيس الخلافة الإسلامية يقوم على مجموعة من الأوهام التى لا علاقة لها بالواقع، ومع ذلك هم يصرون على أن هذا الحلم المستحيل يمكن تحقيقه فى أرض الواقع! وهم بذلك فى الواقع يجهلون جهلاً تاماً الأوضاع السائدة فى النظام الدولى المعاصر. وفى هذا النظام لن تسمح القوى الكبرى المسيطرة عليه بإقامة هذا الكيان الوهمى للخلافة الإسلامية لأن فيه اعتداء واضحاً على سيادة الدول المختلفة التى يراد إدخالها فى نظام الخلافة، بالإضافة إلى أنه لا يمكن تحقيقه إلا بانقلابات سياسية تؤدى إلى التصفية السياسية للملوك ورؤساء الجمهوريات الذين يحكمون مختلف البلاد الإسلامية التى يراد إدخالها قسراً فى نظام الخلافة! وأهم من ذلك أننا نعيش الآن فى عصر الديمقراطية بعد أن سقطت قلاع النظم الشمولية والسلطوية وأصبح الزحف الديمقراطى حقيقة لا شك فيها. فكيف يمكن فى هذا السياق إنشاء كيان دولى يقوم على أساس الدين ولا يعترف بالآخر؟ وحلم تحقيق الخلافة الإسلامية ليس هو الحلم الأدق فى أوهام جماعة الإخوان المسلمين.. فقد ترددت أكثر من مرة أوهام أخرى تذهب إلى أن المسلمين سيكونون أسياد العالم، وفى قول آخر أساتذة العالم! مع أنه بالإطلاع العابر على أحوال المجتمعات الإسلامية ندرك على الفور أن التخلف سائد، وتدنى الظروف المعيشية لدى ملايين البشر ظاهرة مؤكدة.. فكيف يمكن للبلاد الإسلامية التى يسودها التخلف السياسى والاقتصادى والاجتماعى أن تصبح سادة العالم وعلى أى أساس؟ وأخطر من التخلف المادى التخلف الفكرى والفقر الثقافى. ويكشف عن ذلك كله سيادة النزعات التعصبية وسيطرة الأفكار المتطرفة على العقول مما ينعكس سلباً على السلوك الاجتماعى. وحتى لا يكون حديثنا على سبيل التجريد لنتأمل الأفكار البدائية للتيار السلفى الذى يقوده «حازم أبو إسماعيل»، ليس ذلك فقط بل السلوك الهمجى لأنصاره. ولا شك أن قادة السلفية لديهم القدرة على حشد أنصارهم بمئات الألوف للدفاع عن قضايا باطلة أو لإرهاب الخصوم السياسيين. ولو تأملنا الحصار الذى فرضه أنصار «حازم أبو إسماعيل» على مدينة الإنتاج الإعلامى لإرهاب الإعلاميين والسياسيين والمثقفين لأدركنا خطورة هذه الجماعات التى تسلك سلوكاً بدائياً لا يمكن أن يؤدى بهم تحت أى ظرف من الظروف أن يكونوا فى يوم ما سادة العالم أو أساتذته! إن التقدم الغربى كانت له مقدمات معروفة ولم يكن يمكن أن يتحقق إلا بتوافر مجموعة من الشروط الأساسية التى كونت ما يطلق عليها الحداثة الغربية. وأهم شرط على الإطلاق هو المبدأ الذى يقول إن العقل هو محك الحكم على الأشياء وليس النص الدينى! كان ذلك رد فعل لطغيان الكنيسة ومحاولتها سد آفاق حرية التفكير وحرية التعبير بل منع المجتمعات من التقدم بحكم المحرمات التى كانت تنص عليها القرارات الكنسية والتى كانت تقيد حركة الإنسان وتمنعه من الانطلاق. وبالتالى يمكن القول إنه إن لم يتحقق هذا الشرط الضرورى من شروط الحداثة ونعنى أن يكون العقل وليس النص الدينى هو محك الحكم على الأشياء، فلا يمكن الخروج من دائرة التخلف التى تعيش فيها الشعوب الإسلامية وتجعلهم من فرط تخلفهم وفقرهم وبؤسهم خدم العالم لا أساتذته كما يحلم الواهمون من التيارات الإخوانية والسلفية! أساتذة العالم مرة واحدة؟ ممكن ولكن فى التخلف!