اتخذ السياسيون والرواد المصريون الأوائل فى بداية القرن العشرين من العلمانية منهجاً وطريقاً اقتداءً بحالة الحداثة الأوروبية المتسارعة، فلم يعتبروا للدين كياناً فى المعادلة السياسية المصرية آنذاك، فظهرت الحركة الوطنية المصرية علمانية الانتماء غربية التوجه، وبالرغم من خطابها الفكرى للخاصة فقد توجهت للعوام فوحدت بين المصريين جميعاً، حيث التفوا حول زعماء وطنيين لأول مرة فى تاريخ البلاد، فقامت ثورة 19 للتعبير عن قيامة مفهوم الوطن والأمة المصرية الواحدة . وأثناء ذلك قامت دعوة مناوئة لكل ذلك الزخم السياسى على يد حسن البنا سنة 28، ترفض الوطنية والمواطنة، وتنبذ المصرية لمصلحة فكرة الخلافة الإسلامية، وتتهم المجتمع بالكفر والفسوق، وتتخذ من المفهوم المنغلق للدين أساساً للعمل السياسى ومنطلقاً له، فقسمت المجتمع بين مؤمن وكافر بعد أن جمعه السياسيون الوطنيون فى كيان واحد، واجتهدت فى الانتشار نحو المغالبة والتمكين ، فنقضت مادعا إليه الإسلام للوحدة والاتحاد بعد أن عارضت مفهوم الحركة الوطنية الناشئة، تلك التى حققت من مقاصد الإسلام مالم تحققه تلك الدعوة وإن لم ترفع لواءه وتدعو له . وقد عادت الكَرَّة من جديد ووقعت مصر بين ذات الطائفتين بعد ثورة يناير، الأولى وطنية علمانية لم تضع للدين فى المعادلة السياسية موضعاً، وإن تطابقت مطالبها مع مقاصده فى مفاهيم الحرية والعدالة ، ولكنها لم تتواصل مع قلوب العوام ومعتقداتهم وأفئدتهم، والأخرى دينية عقائدية منغلقة لا تؤمن بالوطنية والمواطنة ولا تتعامل مع المثقفين وأصحاب الإرادة الحرة والعقول المستنيرة، لأنها لا تريد إلا التابعين الطائعين للأوامر والمنقادين لرؤاهم، فتوجه خطابها إلى العوام والبسطاء من الأكثرية . فما بين إبعاد الوطنيين للدين المستنير وإهمالهم للبسطاء والعوام وقهرالمتأسلمين المنغلقين الناس بالدين وعدائهم للخاصة المثقفين، وقعت مصر فى ذات الفخ وآتون الصراع ، فما أحوجنا لطريق ثالث يجمع عقول الخاصة وقلوب العامة، يقوم منهجه على جماع نتاج العقول المستنيرة ... وهَدْىِ القلوب الوضيئة !