ربما هي المرة الأولى التي أترك فيها المساحة التي أكتب فيها لكاتب غيري. لكن أظن أن القارئ الكريم سيوافقني بعد أن يقرأ هذا المقال الرائع للدكتور وسيم السيسي: البلاد خربة، والقلوب حزينة. توقفت يد العامل وتحركت يد قاطع الطريق، توقف الإنتاج، وأصبح الجميع فقراء.. غابت العدالة، وحل الظلام. غابت شريعة السماء، وحلت شريعة الشياطين، فشلوا فى حكم الشعب لأنهم فشلوا فى حكم أنفسهم، خرج المجرمون ليجلسوا على منصة القضاء، ودخل القضاة، والأبرياء السجون. طردوا أهل الخبرة، وحلّ محلهم أهل الثقة من الرعاع، اذرف الدمع يا قلبى.. لقد أصبحت البلاد خراباً، لا أحد يهتم بمصر, وكأنهم ليسوا أهلها، لقد حلت اللعنة علينا بتسلل البدو من الشرق، أصبح المصرى غريباً فى بلاده، وأملاكه تنزع منه وتعطى للغريب. من كان يرتق حذاءه أصبح صاحب ثروة! ومن كان سيد قومه أصبح ينفذ أوامر غيره، نهبوا القصور وخرَّبوها! حُرم منها الغنى ولم يستفد منها الفقير، تحول ماء النهر إلى بركة من القاذورات من يبدى الرأى يجهل القراءة والكتابة. أتى البدو واختفى المصريون.. اختفى الفن وتوقف الفنانون .. أصبحت خزائن بيت المال خاوية.. أصبح المصرى يستجدى الأجنبى .. أفلس التجار، وتوقفت الأسواق .. انتشر الحزن العميق فى أنحاء البلاد .. طغى الظلم، واجتاح النهب كل مكان .. سيدفع الأبناء ثمن جريمة الآباء .. ماذا تقول عنا البلاد البعيدة؟ كنا بالنسبة لها السيد الذى تدين له بالولاء.. أصبحت تنظر إلينا كالعبد الذى يتسول منها طعامه. إنها لعنة السماء! .. الهتافات تملأ عنان السماء .. تسقط المحاكم .. تسقط المعابد الأرض لمن يزرعها.. الحرفة لمن يحترفها.. الكل سواء .. من يصدق أن هذا حدث منذ أربعة آلاف وثلاثمائة سنة مضت «4300»، كان هذا عصر الاضمحلال الأول 2281 قبل الميلاد، فى حكم بيبى الثانى «الأسرة السادسة» وقد أعدم الثوار هذا الملك وابنه، سميت هذه الثورة بثورة الجياع أو الرعاع، وكان ذلك بسبب غياب الفيضان سبع سنوات. فى هذا الظلام الحالك.. يظهر لنا «نبونف حوتب» كاهن معبد الكرنك.. يطمئن الناس: ستعود العدالة ترفرف على البلاد.. ستعود الأيادى لأعمالها .. سيعود حورس صقر السماء ليطهر مصر .. سيعود نهر النيل ليغمر الأرض .. سيعود الأمن للبلاد .. سيعود لمصر جيشها .. ستعود الهيبة لمصر من سائر البلاد .. ستعود السفن تمخر عباب النهر ستعود الفرحة للقلوب .. وعادت الفرحة للقلوب على يدىّ إمنمحات الأول.. قائد ثورة التحرير، وكان شعار هذه الثورة.. العلم والإيمان! نجحت الثورة بفضل شعب لا ينهزم أبداً، وإمنمحات الأول مؤسس الأسرة الثانية عشرة. تُرى هل يعيد التاريخ نفسه، لأننا لا نتعلم منه، صحيح إذن.. إن التاريخ هو وعاء للتجارب الإنسانية، وصحيح ما قاله هذا الشاعر الإغريقى: هزمناهم ليس حين غزوناهم.. بل حين أنسيناهم تاريخهم وحضارتهم.
