8 شروط لعقود شركات التمويل الاستهلاكي وفقًا للقانون    وزير النقل: بدأنا تنفيذ مقترحات لتسهيل سياحة اليخوت (فيديو)    في ذكرى النكبة| اعتراف العالم بفلسطين يزداد رغم أنف ال«فيتو» الأمريكي    ريال مدريد يضرب ألافيس بثلاثية في الشوط الأول    الشيبي: أتعصب في "البلايستيشن" ولا أحب خسارة التحديات    أول ظهور لفتاة أوبر التجمع عقب الحادث..أم لطفلين    تعرف على الموعد النهائي لعرض مسلسل باسورد    "ألقى الشاي عليه".. تامر حسني يمازح باسم سمرة من كواليس فيلم "ري ستارت"    الإفتاء: الإسلام يدعو لاحترام أهل التخصص.. وهذا ما كان يفعله النبي مع الصحابة    تعرف على أشهر الأكلات السعودية بالتفصيل.. الكبسة والمنسف والمظبي والمطازيز    وزير الصحة يزور مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي.. ويشيد بالدمج بين الخدمات الطبية واستخدام التكنولوجيا المتطورة    رئيس وحدة الأبنية بمجلس الدولة: التحول الرقمي يساعد في تقريب العدالة الإدارية    قصواء الخلالى: مصر داعية للسلام وإسرائيل جار سوء و"ماكينة كدب بتطلع قماش"    فيديو.. عالم أزهري: الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.. والتراث ليس معصوما من الخطأ    «مياه المنيا» تبحث خطة تحصيل المستحقات وتحسين الخدمة    وزارة الهجرة تشارك احتفال كاتدرائية العذراء سيدة فاتيما بمناسبة الذكرى 70 لتكريسها    محامي ترامب السابق يكشف كواليس شراء صمت الممثلة الإباحية    تحكم في وزنك من خلال تعديلات بسيطة على وجباتك    أمين الفتوى: «اللى معاه فلوس المواصلات والأكل والشرب وجب عليه الحج»    وزير الأوقاف: نسعى لاستعادة خطابنا الديني ممن يحاول اختطافه    تعرف على القطع الأثرية المميزة لشهر مايو بالمتاحف.. صور    غدًا.. الحكم على المتهم بدهس «طبيبة التجمع»    زوجة عصام صاصا تكشف تفاصيل جديدة بشأن حادث التصادم.. أسفر عن وفاة شخص    أمين الفتوى يوضح متى يجب على المسلم أداء فريضة الحج؟    اشتباكات عنيفة بين الاحتلال والمقاومة في رفح الفلسطينية    إنفوجراف| 5 معلومات عن السيارات الكهربائية في مصر    جامعة الزقازيق تتقدم 46 مركزا بالتصنيف العالمي CWUR لعام 2024    أحمد موسى يفجر مفاج0ة عن ميناء السخنة    ذا أثليتك: برونو يرحب بفكرة تجديد تعاقده مع يونايتد    تقارير: كريستيانو رونالدو قد يمدد عقده مع النصر حتى 2026    تنظيم 10 ندوات لمناقشة المشكلات المجتمعية المرتبطة بالقضية السكانية في شمال سيناء    الاتحاد الأوروبي يوسع عقوباته على إيران بسبب روسيا    الإحباط والغضب يسيطران على العسكريين الإسرائيليين بسبب حرب غزة    بعد تصدرها التريند.. تعرف على آخر أعمال فريدة سيف النصر    الأربعاء.. انطلاق فعاليات الدورة الثانية لمعرض زايد لكتب الأطفال    بعد تصدرها التريند.. ما هي آخر أعمال نسرين طافش؟    محافظ أسوان يكلف نائبته بالمتابعة الميدانية لمعدلات تنفيذ الصروح التعليمية    جامعة كفرالشيخ تتقدم 132 مركزا عالميا في التصنيف الأكاديمي CWUR    شعبة الأدوية: الشركات تتبع قوعد لاكتشاف غش الدواء وملزمة بسحبها حال الاكتشاف    مصرع شخص غرقاً فى مياه نهر النيل بأسوان    "العيد فرحة".. موعد عيد الأضحى 2024 المبارك وعدد أيام الاجازات الرسمية وفقًا لمجلس الوزراء    هيئة الأرصاد الجوية تحذر من اضطراب الملاحة وسرعة الرياح في 3 مناطق غدا    الغندور يثير غضب جماهير الأهلي بسبب دوري أبطال أفريقيا    «صحة النواب» توصي بزيادت مخصصات «العلاج على نفقة الدولة» 2 مليار جنيه    بالصور.. وزير الصحة يبحث مع "استرازنيكا" دعم مهارات الفرق الطبية وبرامج التطعيمات    طالب يضرب معلمًا بسبب الغش بالغربية.. والتعليم: إلغاء امتحانه واعتباره عام رسوب    تأجيل محاكمة المتهم بقتل زوجته بكفر الشيخ لجلسة الخميس المقبل    «أبوالغيط»: مشاعر الانتقام الأسود تمكنت من قادة الاحتلال    «الداخلية»: ضبط 25 طن دقيق مدعم قبل بيعها في السوق السوداء    دعاء للميت في ذي القعدة.. تعرف على أفضل الصيغ له    أبو الغيط أمام الاجتماع التحضيري لقمة البحرين: التدخل الظولي بكل صوره أصبح ضرورة للعودة لمسار حل الدولتين    نموذج RIBASIM لإدارة المياه.. سويلم: خطوة مهمة لتطوير منظومة توزيع المياه -تفاصيل    "مقصود والزمالك كان مشارك".. ميدو يوجه تحية للخطيب بعد تحركه لحماية الأهلي    مصر تدين الهجوم الإرهابى بمحافظة صلاح الدين بالعراق    مفتي الجمهورية يتوجه إلى البرتغال للمشاركة في منتدى كايسيد للحوار العالمى..    المندوه يتحدث عن التحكيم قبل نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    الإسكان: الأحد المقبل.. بدء تسليم الأراضي السكنية بمشروع 263 فدانا بمدينة حدائق أكتوبر    مجدي عبدالغني يثير الجدل بسؤال صادم عن مصطفى شوبير؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فرانكشتاين في بغداد.. خزَان الأشكال السردية
نشر في فيتو يوم 14 - 05 - 2014

بغداد وما تعايشه من غياب للأمن والتفجيرات والموت الذي ينتظر سكان العاصمة في كل زاوية وفي كل شارع، أوحت للكاتب العراقي أحمد سعداوي بفكرة روايته "فرانكشتاين في بغداد" التي فازت بجائزة بوكر العربية للرواية لعام 2014.
فالشسمع مصنوع من بقايا أجساد لضحايا، مضافا إليها روح ضحية، واسم ضحية أخرى. إنه خلاصة ضحايا يطلبون الثأر لموتهم حتى يرتاحوا. وهو مخلوق للانتقام والثأر لهم'(ص 144).
قد يختزل هذا المقطع السردي حكاية رواية الكاتب العراقي أحمد سعداوي "فرانكشتاين قي بغداد" الفائزة بجائزة "البوكر" 2014، غير أن تدبير السرد، وطريقة تصريفه، يجعل الحكاية تغادر أفقها المعلن عنه بشكل مباشر، والمتمثل في تحقيق العدالة، والثأر لضحايا التفجيرات في بغداد، وتنفتح على أسئلة أكثر تعقيدا.
تبدأ الرواية حكيا شفهيا من خلال ساردها الأول «هادي العتاك»، الذي يحكي لزبائن مقهى عزيز المصري حكاية الجثة التي ركَبها من شظايا الجثث التي تطايرت بفعل قوة التفجيرات التي عرفتها بغداد شتاء 2005. ‘سيروي هذه التفاصيل لاحقا ويعيد سردها أكثر من مرة، فهو مغرم بالتفاصيل التي تجعل قصته متينة ومؤثرة أكثر. سيحكي عن يومه العصيب هذا، بينما الآخرون ينصتون لحكايته باعتبارها أفضل القصص الخرافية التي رواها هادي الكذاب حتى الآن. (ص 70).
ثم تنتقل الحكاية الشفهية إلى سرد مكتوب من طرف السارد الرئيسي ل'فرانكشتاين في بغداد'، والذي يلتقط الحكاية، ويحوَلها إلى محكي سردي، سرعان ما تنزاح عنه، وتتحول إلى حكاية مسموعة عبارة عن مجموعة من الملاحظات التي كان يسجَلها الصحفي محمود في مسجله الديجتال، بعد أن أجرى حوارا على شكل تحقيق مع مبدع الحكاية «هادي العتاك»، سجل محمود هذا الكلام على مسجله الديجتال، وهو يعرف أنه يقوم بتعديل كلام هادي المنقول على لسان الشسمه وأنه يضفي تفسيراته الخاصة أيضا (ص145).
ثم ينقل التسجيلات من المسجلة إلى الحاسوب، ثم إلى فلاش ميموري. ينتقل بالحكاية التي بدت له مثيرة من وسيط إلى آخر تحسبا لفقدانها. كما تتحوَل الجثة/ الشسمه نفسها إلى راوية، عبر تسجيل الحكاية صوتيا (الفصل العاشر)، جاءت على شكل بيان يعبَر فيه الشسمه عن مشروعه في إعادة العدل، والانتقام لضحايا التفجيرات. ثم تتحول إلى تجل إلكتروني فعرض تليفزيوني يتابعه العميد سرور.
تخضع قصة الجثة المركبة إلى انتقالات وسائطية سردية، تجعل الحكاية تعيش التحول المستمر في بنائها ومنطقها، وتتخلى تدريجيا عن وهم الحكاية المباشرة. ذلك، لأنها تصبح مثل كرة الثلج، تكبر كلما انتقلت إلى وسيط سردي، يجعلها داخل نظام جديد، مع احتفاظها بذاكرة نظام الوسيط السابق.
لهذا، نلتقي بتقنيات وأساليب مجمل الوسائط التي عرفتها حكاية الشسمة، وهي تتجلى سرديا في الرواية. نلتقي بتقنية العنعنة كما عرفها التراث الشفهي، وتقنية الاستنطاق البوليسي، والتحقيق الصحفي، وأسلوب الاعترافات، إلى جانب أساليب السخرية والغرائبية والعجائبية. غير أن هذا التنوع المتعدد لأساليب وتقنيات الوسائط السردية للحكاية، يحضر بشكل وظيفي من خلال تجاوز سياق انتمائه، وانفتاحه على سياقه الروائي.
فتقنية العنعنة لا تحضر باعتبارها حاضنة للأصل في القول، وموثقة لفعل السند، إنما تحضر في إطار تجاوز مفهومها التراثي، وانفتاحها على الروائي الذي يجعل الحكاية تغادر فكرتها، أو أصلها.
تعددية الوسائط السردية
تعيش الحكاية حالة التحول المستمر بفعل الوسيط المتغير في بنائها. وبهذا الشكل، فإن الحكاية لا تنتمي إلى الشكل المألوف في السرد الأفقي الذي يهيمن عليه ضمير الغائب، والذي يقدم حكاية مكتملة، على القارئ تلقيها في وحدتها المسرودة، أو السرد العمودي الذي عرفته الرواية التجريبية، المعتمدة على تعددية السارد، وعلى الحكاية المتشظية، التي تفترض قارئا مؤهلا لإعادة جمع أشلاء الحكاية، ومنحها بناء منظما. الذي يحدث في ‘فرانكشتاين في بغداد' أن الحكاية تبدو – في الظاهر- مكتملة، خاصة مع وجود سارد بضمير الغائب، وشخصية تعلن في البداية عن كونها صانعة الحكاية غير أن نظام سرد الرواية، يؤسس لشكل جديد في التعامل مع الحكاية. يتعلق الأمر، بمنطق الترابطي الذي ينتج نص الرواية. وهو منطق يجعل الحكاية موجودة وغير موجودة.
لأن تحققها النصي ينتجه قارئ، لا يكتفي بالقراءة الأفقية، أو بإعادة كتابة حكاية موجودة مسبقا، إنما ينتج النص المحتمل للرواية.
تنتج تعددية الوسائط السردية، وتعدد أشكال الرواة (شفهي، مكتوب، تقني، صوتي، مشهدي..) حوارية بين الأساليب، تدعَمها طبيعة الرؤية السردية التي جاءت نتاج تفاعل وظيفي بين السارد الذي يسرد ما تراه الشخصية. تنبني الرؤية في' فرانكشتاين في بغداد'على موقع من يرى ومن يسرد. وموقع الشخصية من الحدث المنظور إليه هو المحدد الأساسي لشكل الرؤية في الرواية. فالسارد يسرد ما تراه الشخصية من وقائع التفجيرات والملاحقة الأمنية.
يسرد السارد مثلا ما يراه الشحاذ العجوز عندما جاء الأمن يبحث عن ‘فرج الدلال':' في الأعلى، ومن البيت المتهالك العتيق المقابل للبيت الذي يسكنه الشحاذون، حيث النافذة الخشبية المطلة تماما على موقع الجثث الأربع، كان شحاذ عجوز ينظر إلى ما يجري من دون أن يظهر منه شيء لمن في الزقاق.كان ها هنا ليلة أمس حين وقعت الجريمة.'(ص81).
تهمين صيغة هذه الرؤية على الرواية، فتنتج حوارية بمستوى تعدد الأصوات كما طرحها الناقد ميخائيل باختين، والتي تتشكل بين خطاب السارد وخطاب باقي الشخصيات، أو بين خطابين داخليين للشخصية الواحدة كما وجدنا في تسجيل الشسمه الذي جاء على شكل بيان، حيث انشطرت فيه شخصية الجثة إلى ذاتين متحاورتين.
الخطاب السردي يخترق رتابة الحكاية
تتم الرؤية بوجهة نظر. لهذا، نحن لسنا أمام حكاية واحدة، إنما حكاية متعددة التجليات. ومنطق تدبير نظام الحكاية يصبح هو الأساس وتصبح حكاية ‘الجثة' أو ‘فرانكشتاين في بغداد' حكاية وسيطية، تشتغل باعتبارها مجرد وسيط ليس إلا، ويصبح الوعي بنظام تجليها، هو جوهر البحث الفلسفي في الرواية. هادي لم يكن إلا مجرد وسيط أو بتعبير الجثة/الشسمه ‘ممر' يقول الشسمه:' أنت مجرد ممر يا هادي.(....) أنت مجرد أداة'(ص142).
قد تبدو حكاية الرواية رتيبة، أفقية الحكي، مرتبة وفق ضمير الغائب، غير أن الخطاب السردي يخترق رتابة الحكاية، ويكسر أفق انتظار متلق الحكاية بضمير الغائب، لأن كل شيء يعرف التحول بدءً من منطق الحكاية، إلى شخصيات الرواية. فشخصية هادي العتاك تتحول من الذات المنتجة للحكاية إلى موضوع الحكاية، والشسمه من موضوع الحكاية إلى الذات الساردة لحكاية الرواية، ومن المنتقم للضحايا إلى قاتل الأبرياء، والصحفي محمود من الباحث عن تحقيق العدالة إعلاميا إلى العبور إلى الضفة الأخرى، حيث موت الشعور بنداء الضمير، والعجوز من الأم المنتظرة عودة الابن دانيال المفقود إلى مانحة التعريف للجثة، والقطة التي لازمت العجوز في بيتها العتيق، تتحول من مجرد حيوان أليف إلى ذاكرة للمكان، وزمن لتوثيق التاريخ ضد المحو والنسيان، ثم القارئ من مجرد متلق للحكاية إلى منتج لها، من خلال المنطق الترابطي لشكل الحكاية، ونوعية الأسئلة التي يقترحها على الحكاية.
الشسمه أو الجثة المركبة من أشلاء ضحايا التفجيرات، أو فرانكشتاين في بغداد، حكاية الأسئلة الفلسفية التي تعيد للسؤال يقظته، بدعم وظيفي للأشكال السردية التي عرفتها الرواية العربية منذ بداية تكوَنها التاريخي:
‘إن كل شخص فينا لديه نسبة من الإجرام تقابل نسبة معينة من البراءة. ربما يكون من قتل غدرا ودون ذنب شخصا بريئا هذا اليوم، ولكنه كان مجرما قبل عشر سنوات حين ألقى بزوجته إلى الشارع مثلا أو والدته العجوز في دار العجزة، أو قطع الكهرباء أو الماء عن عائلة لديها طفل مريض ما تسبب بموته سريعا..'('171).
سعداوي (أحمد): فرانكشتاين في بغداد
منشورات الجمل، 2013
المصدر: القدس العربي
http://www.alquds.co.uk
12.05.2014
?maca=ara-rss_ar_Vetogate_Culture-12149-xml-mrss
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.