بنظرة إلى الخارج تعرف سر ما يحدث داخل مصر. التحركات الأمريكية فى المنطقة ومخططها الجديد البعيد المدى والقريب. منعكس تماما على الأحداث السياسية المصرية. ففى مصر الآن عربة نقل ثقيلة غارزة فى الرمال الناعمة، وكلما حاولت الرجوع إلى الخلف عفرت الرمال فى الهواء وتعالت فى السماء. وقائدو السيارة مجموعة من الأغبياء والخونة لم يتعلموا قيادة السيارات الثقيلة. فاستعانوا بسائقين من الخارج كى تخرج العربة من غرزها التى سحبت إليه. وهو ما يفسر وجود فريق عمل من المستشارين من الحكومة الأمريكية فى مصر، يقدمون المشورة بالخطط والتحركات السياسية منذ خلع الرئيس الأسبق. فالأحداث مرتبطة ببعضها بعضا بشكل يثير الدهشة. أحداث شغب وفوضى فى القاهرة ودم يسيل على الأرض، فى نفس الوقت الذى يفجر فيه خط الغاز المصرى المسافر إلى إسرائيل. وكذلك وجود القيادات الفلسطينية فى مصر، إما للتفاوض على الصلح فى توقيت حادثة إمبابة، وإما للصلح بين فتح وحماس فى حادثة ماسبيرو، أو فى حادثة محمد محمود الأخيرة ووجود خالد مشعل ومحمود عباس هنا. وفى كل مرة يفجر ملثمون خط أنابيب الغاز، ولا تعترض أمريكا ولا نسمع لإسرائيل أى اعتراض أو إدانة أو إبداء خوف أو قلق حتى من أجل المجاملة أو المزايدة. لا حس ولا خبر مما يدل على أن السيناريو الذى ينفذ يتم بموافقة أمريكية بل وبمباركة أمريكية. والغرض الذى يكاد يبين هو انشغال مصر عن المنطقة الملتهبة الآن دون تدخل فى ما يحدث ودون أن تأخذ دورها الطبيعى فى العالم العربى. عند الانتهاء من تونس وليبيا وسوريا واليمن ستنتهى الأزمة السياسية فى مصر ويتم التفرغ لها تماما لتتشكل من جديد، والممول لهذه الخطط اثنان لا ثالث لهما. قطر والسعودية. وتتبَّع خيط أى أموال فى مصر، ستصل فى نهايته إلى هاتين الدولتين النشطتين فى المنطقة كلها الآن، مما يجعل إيران تدخل المنطقة لتلخبط الغزْل فتفجر خطوط الغاز المصرية عن طريق الحمساويين الموالين لإيران، الخارجين عن السيطرة من قادة حماس والجناح الرافض للتقرب إلى مصر وإلى الصلح ما بينهم وبين منظمة فتح. وهنا يأتى دور الإخوان المسلمين القريبين جدا من كل الأحداث بل والمشاركين فيها بقوة للوصول إلى ما يريدون فى السيطرة على الحياة السياسية المصرية والعربية. فلعبوا دورا كبيرا لإتمام الصلح ما بين فتح وحماس تحت مظلة المخابرات المصرية. وقد سافر أحد القيادات الإخوانية إلى قطاع غزة للاتفاق والضغط على قيادات حماس لتقبل الصلح ونجحت الضغوط. وكان من ضمن بنود المصالحة انتقال مكتب حماس من سوريا إلى القاهرة، والمتوقع أن يكون مقر حزب الحرية والعدالة فى المقطم هو موقع مكتب حماس. بعدما اشترت الجماعة موقعا جديدا للحزب فى المقطم أيضا. وهو قصر رجل الأعمال هانى عنان. الذى قبض ثمن قصره «كاش». وفى نفس التوقيت، كما نرى، استحوذ الإخوان على كل الانتخابات البرلمانية فى دول جنوب البحر المتوسط، بداية من المغرب ونهاية بمصر، الاستثناء الوحيد فى الجزائر التى تحكمها مجموعة من الجنرالات الموالين صراحة للأمريكان. وللتذكرة كل التيارات الإسلامية، بما فيها بالطبع الإخوان المسلمون، على علاقة وثيقة مع الأمريكان حتى إن معظم التصريحات الخارجة من أمريكا ودول أوروبا ترحب بالتعامل مع التيارات الإسلامية فى حالة فوزها عن طريق انتخابات حرة ونزيهة. وللتذكرة أيضا معظم حكومات التيار الإسلامى قدم للأمريكان خدمات جليلة لا تقدر بثمن. فهم من أسهموا فى تقسيم السودان وهم من يسهمون فى أحداث فلسطين، بل والحليفة الأولى فى المنطقة العربية للأمريكان هى الدولة التى تقع على أراضيها أهم المقدسات الإسلامية. وأقصد بذلك السعودية بالطبع صاحبة التحالف التاريخى تحت شعار-الأمن لنا والبترول لكم- إذن التيارات الإسلامية فى المنطقة وعلى رأسها الإخوان لا يمثلون أى خوف أو قلق لدى الغرب أو الأمريكان. بل ستُدعَم كل الحكومات الإسلامية من دول الغرب وأمريكا لتنفيذ المخطط الجديد فى المنطقة، مخطط الهلال الشيعى أمام الهلال السنى، وهما العقيدتان اللتان لا تتفقان أبدا. والمستفيد الأول والأعظم من الهلالين هو إسرائيل، فشبح محمد على وجمال عبد الناصر لن يتكرر مرة أخرى فى مصر. وأحلام الوحدة والقومية العربية العربية لن تظهر للحياة مرة أخرى. والسعودية هى أول من لعبت دور تشتيت العالم العربى لو تتذكرون، عندما أقام الملك فيصل كيانا جديدا لمحاربة مشروع ناصر القومى، بإقامته كيانا يدعى مؤتمر القمة الإسلامى لتذوب فيه كل الدول العربية مع الإفريقية مع الآسيوية، فى كيان يُفقد الوحدة العربية قيمتها. المنطقة على صفيح ساخن ولا تنزعج بما يحدث بمصر الأمر أكبر مما تتخيل بكثير.