تستطيع أن ترى الأمر الآن وهو يجرى على قدم وساق بسرعة لإجهاض الثورة من أجل ترسيخ الوضع القائم الذى هو الوجه الآخر للحقبة المباركية.. الخطة رقم «1»: لا بأس من أن يتم تشويه ميدان التحرير بإدانات أخلاقية متلاحقة ما إن ينتهى مفعول قنبلة حتى تعاجله بأخرى، تذكرنا بطلعت زكريا وهو يؤكد فى عز الثورة أنه شاهد بأم عينيه علاقات جنسية كاملة تجرى عينى عينك داخل ساحة الميدان. ثم تبدأ الخطة رقم «2» التى تتوجه مباشرة هذه المرة إلى شباب الميدان باختلاق انشقاق آخر فى صفوفهم ويجتمع فصيل مع الجنزورى يدعى أنه يمثل الثوار ومعه 11 ائتلافا آخر ثم يحدث تشكيك من داخل الميدان، بين هذا وذاك وضربة هنا وإنكار هناك.. إلا أن الأمر على أرض الواقع يؤكد زيادة حجم الغضب. العسكر يريدون فرض سياسة الأمر الواقع بإجراء الانتخابات لتزداد الرؤية هشاشة وضبابية، مجلس نواب منتخب، بينما هناك من يشكك فى شرعية وجوده، وينتهى الأمر بأن نرمى الشعب بين مطرقة الفوضى وسندان المجلس العسكرى! من الذى يمهد الطريق للفوضى؟ إنه الحاكم العسكرى عندما يزرع مظاهرات فى العباسية فيؤدى إلى زيادة الغضب فى التحرير وعندما يستقطب ائتلافا أو يصنع ائتلافات ويلقى عليها الإعلام الأضواء باعتبارها اقتنعت بالجنزورى رئيسا للوزراء ويصدّر للناس أن هؤلاء هم الشباب العاقل الذى يحب مصر، لتزداد مساحات الغضب ضد الثورة المتهمة بأنها عطلت عجلة الإنتاج، وهكذا ظهر فريق ثالث يرى أنه من الممكن أن يجتمع النقيضان، الانتخابات والاعتصام. هو يرسخ نفس الفكرة التى تريدها السلطة العسكرية وهى أن تفرض وضعا هشا تبنى عليه مشروعا لا يملك القوة للاستمرار ثم تبنى آخر ويُسرق الزمن من أيدينا. ما يفعله المجلس العسكرى هو محاولة أن يكسب أرضا لدى حزب الكنبة، وأنا شخصيا أرى أن حزب الكنبة فى أحداث ثورة يناير لم يكن صامتا، ربما لم يخرج مؤيدا بصوته مباشرة إلا أنه أرسل أعز ما يملك إلى هناك، الملايين من أبنائه الذين ذهبوا إلى التحرير وباقى ميادين مصر كانوا هم صوت الصامتين.. هؤلاء تستطيع أن تكتشف أنهم كانوا فى التحرير أيضا. إن النزول إلى التحرير ليس هو الفيصل هناك القدرة على المشاركة فى المظاهرات، لا أتصور أن حزب الكنبة كان فى أحداث الثورة صامتا ولا حتى محايدا. الخطة التى يتم إعدادها هى سرعة إغلاق الجرح بينما الصديد بداخله يزداد وبعد زمن طويل أو قصير من المؤكد سوف تفتح مرة أخرى الجرح.. المقصود هو فرض الأمر الواقع على الجميع بحجة أن هذه هى الديمقراطية وتلك هى إرادة الناس التى اختارت كيف يبنى المصريون وطنهم فى إطار ديمقراطى تحت كل هذه الضغوط التى تعصف بهم. هم يريدون أن نظل داخل هذا النفق المظلم بسبب العناد المسيطر على المجلس العسكرى الذى لا يزال يعبر عن إرادة واحدة لا أتصورها ستنهار. ال19 ضابطا ينطبق عليهم ما أعلنته تحية كاريوكا فى أعقاب ثورة 23 يوليو عندما قالت: «ذهب فاروق وجاء فواريق»، ذهب مبارك وجاء 19 مباركا يحكمون البلد بنفس المنطق، هم يسيطرون على بعض المنابر الإعلامية وعدد من أصحاب المصالح لديهم تطلعات فى اقتناص ثمرة الثورة وأحزاب كانت خارج الصورة لم نسمع لها صوتا إلا إذا كان مؤيدا يمارسون نفس اللعبة الانتهازية. لا أنسى أن أول تصريح علنى تردد فيه أن مصر ليست تونس لم يأتِ كما يعتقد البعض من صفوت الشريف ولكن من رفعت السعيد القابع على كرسى حزب التجمع إلا أنه بعد قيام الثورة استمعت إلى بعض كلماته هنا وهناك ينتقد مبارك رغم أن تاريخه الموثق هو فى مغازلة السلطة واكتساب ودها وأخذ المكاسب. ما الذى تنتظره منهم أكثر من الخضوع المطلق للحكم العسكرى.. استخدام القوة المفرطة أسفر عن إفراط آخر فى الخضوع لكل أصحاب المصالح حتى من يقول لك اعتصم فى الميدان ومارس حقك الانتخابى فهو يسعى لمنح شرعية لكذبة ديمقراطية فاقدة الشرعية بحجة أننا ليس أمامنا سوى الاختيار بين سيئ وأسوأ، فنختار الأسوأ، وهو منح شرعية للوضع القائم ليصبح وضعا دائما!