لاحظت منذ فترة أن ثورتنا التى كان من أهم مميزاتها أنها ثورة بلا قائد، أصبحت فى الوقت الحالى تواجه عديدا من الصعوبات، بسبب أن بعضا من المحسوبين عليها يتسببون بشكل أو بآخر -أحيانا- فى إنقاص رصيدها بسبب تصريحاتهم وآرائهم فى وسائل الإعلام أو عبر الإنترنت، بغض النظر عن حسن نياتهم. وقبل أن أبدأ ببعض النصائح أتمنى أن لا يساء فهم هذه المقالة، وليعلم قارئها أننى ترددت فى كتابتها حتى لا أغضب أحدا، ولكن فى ظل الأحداث الأخيرة وازدياد غضب الشارع من بعض التصرفات الفردية المحسوبة على الثورة، أرى أن الأهم الآن هو أن نتحدث جميعا ويشارك بعضنا بعضا فى الوصول إلى حلول. وأتمنى أن أستمع إلى اقتراحاتكم أيضا وتقييمكم لهذه النقاط التى سأذكرها لنستفيد جميعا. الإعلام تعبير وسائل الإعلام ليس محصورا على التليفزيون والجرائد والمجلات، بل وصل الآن إلى «تويتر» وصفحات «فيسبوك»، بل وحتى اشتراكات «فيسبوك» الشخصية، خصوصا أن كثيرا من النشطاء لديهم مئات أو آلاف الأصدقاء، مما يسهم فى انتشار تصريحاتهم بين الجميع. حاول أن يكون كلامك متناسقا، بغض النظر عن الوسيلة التى تستخدمها، لأن ما تكتبه على اشتراكك فى «تويتر» لخمسة آلاف متابع قد يطبع فى جريدة توزع 200 ألف نسخة أو يعرض على برنامج يشاهده مليون مشاهد. الشارع قبل أن تتحدث عن الثورة وأهدافها ينبغى أن تدرك أن الناس -لطبيعة اختلاف البشر- منقسمون ولديهم آراء مسبقة: فهناك من هو مع الثورة قلبا وقالبا، وهناك أيضا من هو ضد الثورة قلبا وقالبا، وهناك من موقفه يتغير حسب ما تشهده الساحة من أحداث، ولم يكونوا وعيا كاملا لتحديد الموقف سواء مع الثورة أو ضدها. حدد قبل الحديث مع الإعلام الهدف الذى تريد الوصول له والشريحة التى تتخاطب معها. أغلب من يتحدث الآن للإعلام مدافعا عن الثورة يتناسى أن أهم شريحة ينبغى الحديث معها هى الشريحة المحايدة، ثم الشريحة التى تتخذ موقفا معاديا للثورة، وأغلب الحوارات للأسف هى حوارات موجّهة بشكل مباشر لكل من يؤيد الثورة فقط، فأصبحنا لا نحدّث إلا أنفسنا، وذلك أخطر ما يحدث حاليا، لأن ذلك يفقد الثورة شعبيتها فى الشارع. الحوار لا تفترض أن الجميع قد مر بنفس التجارب التى عشتها أنت شخصيا، وبالتالى سيتعاطفون معك. هناك ملايين المصريين الذين لم ينزلوا إلى ميدان التحرير طوال وقت الثورة وتعاطفهم مع الفكر الثورى هو تعاطف مؤقت مرتبط بفهمهم الشخصى لمصلحة الوطن. من عاصر واقعة استشهاد أحد شباب الثورة ستكون مشاعره تجاه قضية الشهداء أقوى بكثير ممن شاهد صور الشهداء على «يوتيوب»، حتى إن كان متعاطفا مع الثورة. ومن لم يتم اعتقاله أو ضربه من قوات الأمن المركزى قبل ذلك فى حياته، يستحيل أن يحمل نفس درجات الغيظ والغضب تجاه وزارة الداخلية، وهكذا فى حوارك الإعلامى خاطب الشارع من منطلقاته لا من منطلقاتك أنت. الاعتدال الصوت العالى كان شجاعة فى عصر النظام السابق، وكان كثير من المصريين وإن لم تعل أصواتهم ينظرون نظرة احترام وتقدير لأصحاب هذا الصوت المعارض المرتفع، لأنهم أكثر منهم شجاعة. ولكن يجب أن ندرك أن الصوت العالى بعد 11 فبراير لا يصنّف على أنه شجاعة، بل على العكس يراه كثيرون تهورا وغرورا، بل قد يصل البعض إلى تخوين أصحاب هذا الصوت. وكلما ارتفع صوتك وتشنجت وتعصبت على وسائل الإعلام، ابتعد المشاهد عن تصديقك والاقتناع بما تقوله. الثورة فى حاجة الآن إلى أصحاب الأصوات المعتدلة القادرة على الإقناع والمشاركة والحوار. الخطاب حاول أن تفرق بين ما تقوله كشخص وسط 100 شخص يعرفونك بشكل شخصى ويعلمون نياتك ويدركون مرجعيتك وفكرك، وما تقوله ل1000 شخص كل علاقتهم بك هى صداقة فى العالم الافتراضى على «فيسبوك» و«تويتر» وما تقوله لملايين الأشخاص على شاشات التليفزيون لا يعرفون عنك شيئا سوى ما تقوله. الخروج للرأى العام بنفس الخطاب الذى تخاطب به أصدقاءك ليس من الحكمة فى شىء. وصوتك إذا كان مسموعا من الملايين التى لا تعرفك ينبغى أن يكون أكثر انضباطا وحكمة. وإن كنت غير مستعد لاحترام الشارع فى أثناء مخاطبته فلا تتصدر هذا المشهد واترك غيرك يقم به. الاختلاف السخرية من الأفكار والأشخاص التى تختلف معها تقسم الناس إلى أربعة أنواع: قسم غير مقتنع بهذه الأفكار وسيسعد ويستمتع بما تقول دون أن يضيف ذلك إلى رصيده أى وسيلة لإقناع من حوله. وقسم على الحياد وستعجبه سخريتك، ولكنها لن تسهم فى إقناعه، وقسم على الحياد سينزعج من أسلوبك الساخر ويتعاطف مع أصحاب الأفكار التى تسخر منها، وقسم أخير مؤمن بتلك الأفكار سيضعك فى منزلة العدو الذى يجب عليه محاربته، سواء بنفس الطريقة أو بطرق أخرى. حالة الاستقطاب والاستعداء الموجودة فى الشارع الآن أقوى أسبابها معارك شخصية بين رموز مختلف التيارات تقوم أساسا على السخرية وسوء الظن. الاحترام احترم الكبير فى خطابك، سواء كان حاضرا معك أو غائبا عنك. فالمجتمع المصرى هو مجتمع قائم على فكرة أن الجماعة أهم من الفرد، وفى مثل هذه المجتمعات كلما كبر الشخص وجب احترامه. بالطبع لا يعنى هذا احترام «اللص» كبير السن، ولكن فى الفترة الأخيرة خرج كثيرون من «شباب» الثورة عبر وسائل الإعلام يتحدثون بشكل غير لائق عمن هم أكبر منهم سنا وأسهم ذلك بشكل كبير فى صناعة فجوة بين جيلنا ومن يكبرنا فى السن. صورة الشاب الثائر يجب أن تحوى بين طيّاتها احتراما لمن هم أكبر منه سنا، وإن اختلف معهم شكلا وموضوعا. الظهور كثرة الظهور الإعلامى فى وسائل الإعلام التقليدية ضارة جدا بالصحة! فشهوة الظهور تغيّر من طبيعة الشخص، ونحن بشر نتغير ونتأثر بالتجارب التى نمر بها، وكذلك تفتح الباب للآخرين للدخول فى النيات واتهامك بحب النجومية، خصوصا إن كان هذا الظهور مرتبطا بالتعليق على الأحداث أكثر من محاولة صنع الأحداث الإيجابية. التصعيد لا تنخدع بوجهة نظر من حولك من دائرة أصدقائك والمقربين لك فى آرائك ودعمهم وتأييدهم لما تقول. فعلى سبيل المثال وقع كثيرون من شباب الثورة فى أخطاء تتعلق بتصعيد اللهجة ضد خصومهم، معتقدين بسبب من حولهم، أن هذا الصوت مرغوب فيه، بينما كان من الواضح للجميع أن الشارع لا يتقبل لهجة التصعيد، وعلى العكس يراها إضرارا بمصلحته. التصعيد لا يعد شجاعة فى كل الأوقات، وأحيانا التصعيد غير المحسوب يكون حماقة. المخاطر انتشرت فى الفترة الأخيرة نبرات الاستهانة بالشارع أو من يسمّون بحزب الكنبة أو الأغلبية الصامتة، وعلينا أن ندرك جيدا أن سبب سقوط النظام السابق كان استهانة هذا النظام بالأغلبية الصامتة التى خرجت فى مليونيات طوال الثورة بسبب قناعتها بأهمية أن تطالب بحقوقها. فالثورة دون الأغلبية الصامتة لم تكن لتتعدى مظاهرة يحضرها على الأكثر 2000 ناشط، كما كان يحدث قبل الثورة. هذه الأغلبية لن تتحرك على هوى النشطاء ولا بإشاراتهم، بل ستتحرك إذا شعرت أن هناك ما يلزم التحرك. واستعداء هذه الفئة والتقليل من تأثيرها من أكبر مخاطر تصرفات بعض الثوار حاليا، لأن خسارة الشارع تجعل من المستحيل أن تنجح فى أى مطلب حتى لو كان منطقيا. المراجعة هناك احتياج حقيقى الآن لمراجعة الخطاب الإعلامى للثورة، وكذلك إعادة ترتيب أولوياتها حتى نضمن أن الثورة تسير على الطريق الصحيح وتحقق ما يحلم به من خرج من بيته من يوم 25 يناير حتى يوم 11 فبراير. والقضايا الاجتماعية والاقتصادية من أهم قضايا الثورة، لأننا فى مجتمع يعيش 40% منه تحت خط الفقر، خصوصا أن هناك بعض الظواهر العرضية للثورة، التى أثرت سلبيا على قطاعات مثل السياحة والمقاولات وتسببت فى خسارة كثير من المصريين لوظائفهم أو باب رزقهم اليومى. البعد عن مثل هذه القضايا والتركيز على القضايا السياسية فقط (وهى الأهم بالتأكيد) يزيد من الفجوة بين الشارع والنشطاء. التوقف لنتوقف جميعا عن التخوين والمزايدة على بعضنا البعض بحجة حماية الثورة، فجميعنا يبحث عن غد أفضل لمصر، وكلنا نبحث عن دولة حديثة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتعتز بهويتها وتاريخها ولها دور ريادى إقليميا وعالميا. فى النهاية إذا كنت مقتنعا بهذه النصائح أو بعضها فلا تكتفى بذلك، بل ساعد على تقويم سلوك من حولك من الشباب الثائر بالنصح والإرشاد. وكل عام وأنتم بخير.